x

حمدي قاسم عايزين حق الخمسة قبل ريجيني حمدي قاسم السبت 09-04-2016 22:08


وضعت أزمة الباحث الإيطالى القتيل «جوليو ريجيني» المواطن المصرى بين خيارين أصبحا للأسف متضادين، وهما إما أن يكون «وطنياً» أو يكون «إنساناً»، وانقسمنا لفريقين، الأول يدافع عن موقف مصر من القضية بشتى طرق الدفاع والتخوين أيضاً، والفريق الآخر ينادى بالحقيقة، ويطالب أن ينال المجرم عقابه.
أنتمى للمعسكر الذي يُعلى من قيم الإنسانية والحقيقة والعدالة فلا وطن يفتقر للإنسانية، ولا وطن يمكن أن تضيع فيه الحقيقة والعدالة، ولا يمكن أن تستمر دولة فقدت مصداقيتها أمام العالم بعدما فقد البعض ضمائرهم فيه فقتلوا وعذبوا.
قالت لى صديقتى «السيساوية»، «عندما تعرف إيطاليا الحقيقة ستقدم اعتذاراً رسمياً لمصر»، سألتها «أى حقيقة؟»، أجابت «قتل ريجيني ضمن مخطط مخابراتى للنيل من العلاقات المصرية الإيطالية»، قلت «ندعو الله أن تظهر الحقيقة والمخطئ ينال عقابه»، لكنها ثارت وقالت بعصبية شديدة «إزاى يتعاقب! دى مخابرات أجنبية»، قولت مرة أخرى «ربنا يظهر الحق والمخطئ ينال جزاءه»، ولكن الدعاء أصابها بحالة عصبية جعلتها تنهى المكالمة بعد اتهامى بـ«كراهية الوطن».
نحمل كل التقدير والاحترام لدولة إيطاليا ونرى أن لها كل الحق في السعى لتأتى بحق مواطنها، ونتمنى لها التوفيق، ونتمنى أيضاً أن يحمل حكام مصر نفس غيرتهم على شعبهم، ولكن ليس بطريقة «معوض في وش ريجيني»، ونشعر بالغيرة من أعضاء الحكومة والبرلمان الإيطاليين الذين يرفعون كرامة مواطنيهم فوق كل مصالح اقتصادية أو سياسية، ونؤكد في ذات الوقت على رفضنا تقديم تسجيلات مكالمات المواطنين لأى جانب ومخالفة الدستور.
لا يوجد دليل واحد يؤيد كلام صديقتى، بوجود أجهزة مخابراتية وراء الحادث، ولا يوجد دليل مقنع يؤيد كلام الشرطة عن احتمالية قتل العصابة لريجيني، وفشلت الشرطة في تقديم دليل واحد مقنع لإيطاليا ببراءتها من قتله، بل إن قتل المشتبه فيهم الخمسة، أثار الكثير من الشكوك ناحية أجهزة الأمن، وحَمَّل الشرطة المسؤولية عن دوافعها لقتل الخمسة، والذين يطالب قطاع من المصريين الآن بحقهم، وتوج تلك المطالبات بـ«هاشتاج» على تويتر بعنوان «#عايزين_حق_الخمسة_قبل_ريجيني» فإن كانوا لصوصاً أو حتى قتلوا ريجيني فإنه يتعين على الشرطة ضبطهم وتقديمهم للمحاكمة وليس تصفيتهم.
لا يوجد أي منطق في قضية ريجيني فالبعض يقول «الشرطة لا تقتل أجانب»، أو «موعد الإعلان عن وجود الجثة تزامن مع زيارة الوفد الإيطالى»، أو«كيف تحتفظ العصابة بمتعلقات الباحث القتيل»، وحتى ادعاء أن مخابرات أجنبية قتلته ينسفه العثور على متعلقات الباحث، وتلك المتعلقات هي مفتاح حل لغز القضية سواء كانت تلك المتعلقات كانت تخص القتلى الخمسة حقيقةً أم دُست عليهم.
تصف وسائل الإعلام العالمية الأوضاع في مصر بسبب أزمة ريجيني بأسوأ الصفات، منها «قتلوه كما لو كان مصرياً»، و«المصريون كذبوا علينا وأهانوا ذكاءنا»، و«استبداد في القاهرة: مقتل جوليو ريجيني يشير إلى العفن الذي ينخر في الدولة المصرية»، ورغم فظاعة تلك الصفات تعاملت الدولة مع القضية بنفس أسلوب أبطال فيلم «ثرثرة فوق النيل» عندما قال لهم الفنان عماد حمدى «الفلاحة ماتت ولازم نسلم نفسنا»، إلا أنهم حولوه لمقطع غنائى وهم يرقصون غير مبالين بالمشكلة التي صنعوها أو الدم الذي سال.
ستدفع مصر كلها خلال خلال أسابيع ثمن جريمة قتل ريجيني وسيعزز هذا الاتجاه سوء معالجة تقرير البرلمان الأوروبى بخصوص حقوق الإنسان في مصر، فالواضح أن التحقيقات تسير في اجاه غير مرتبط بالتصعيد السياسى، وأن هناك أشياءً خفية عن مسار التحقيقات، ولكنها واضحة من التصعيد بسحب السفير الإيطالى، وسيستمر مسار التصعيد، ومن المتوقع أن يتم إعلان مصر دولة غير آمنة، ويتجه الاتحاد الأوروبى لفرض عقوبات اقتصادية علينا، ثم يصبح الرئيس مطلوباً للمحكمة الجنائية الدولية.
يجب على الرئيس السيسى بعدما فشل ونظامه في إدارة أزمة ريجينى، ونفد الوقت المتاح لكشف الحقيقة، أن يضحى ويترك الحكم طواعية، فليس من المنطق أن يتم معاقبة الشعب المصرى كله بسبب أخطاء وقعت في ظل نظام حكمه، ولن يقبل أحد معاقبة مصر كلها لحماية أخطاء بعض الذين أساءوا لوطنهم ودينهم وإنسانيتهم، وليدفع الرئيس ثمن الإساءة التي حدثت لسمعة مصر، وفشل نظامه في دفع تلك الإساءة عن الوطن.
كان الحل الوحيد لأزمة ريجيني هو قول الحقيقة ومعاقبة المخطئين ووضع ضمانات لعدم تكرار أي أخطاء في حق الإنسان المصرى أو الأجنبى بمصر، وأصبح الحل الوحيد الآن هو انتخابات رئاسية مبكرة يصاحبها برامج انتخابية لضمان الحريات وحقوق الإنسان وتحسين سمعة مصر، وأيضاً معاقبة المخطئين الحقيقيين في قضيتى ريجينى والخمسة الآخرين، وأيضاً الذين تستروا على أخطائهم، فما كان متاحاً الأمس ليس متاحاً اليوم، ولن يكون متاحاً غداً.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية