x

حسن أبوالعلا فن صناعة البهجة حسن أبوالعلا الأربعاء 06-04-2016 21:26


لماذا غابت البهجة من حياة المصريين؟ ولماذا أصبحت الوجوه أكثر حزنا والملامح أكثر عبوسا؟ بالتأكيد الحالة الاقتصادية الضاغطة والأجواء السياسية المشحونة ومناخ الحريات المتراجع أسباب رئيسية لاستمرار مسلسل الكآبة ضمن يوميات رجال ونساء وشباب حلموا بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية لكنهم لم يجدوا سوى سراب.

من الوظائف الأساسية لأى فن سواء كان شعرا أو نثرا أو سينما أو أغنية أو حتى نحتا، أن يمنح المتلقى قدرا من البهجة تختلف باختلاف نوعية الفن نفسه، فالفن الخالى من البهجة هو فن خال من الروح، فمثلا رائعة يوسف شاهين «عودة الابن الضال» عمل رغم نهايته الدموية إلا أنه مفعم بالحياة ويكفى أن تسمع أغنية «الشارع لنا» لكى تسكنك روح ثورية، أو تدندن بكلمات أغنية «باى باى يا مدرستنا» لكى تستعيد ذكريات أيام الشقاوة.

البهجة قيمة إنسانية أصبحت للأسف غائبة تماما عن مجتمعنا وحل محلها حزن يسكن البيوت بسبب ضيق العيش واشتعال نيران الإرهاب الذى يحصد أرواح أبرياء بلا أى ذنب، فيما اتفق المبدعون بشكل ضمنى على أنه لا مكان للبهجة فى حياتنا ولا صوت يعلو على صوت المعركة- أى معركة لا أعرف– وحتى ما خرج من بين أيديهم بدعوى البهجة جاء باهتا وخاليا من أى قيمة فنية.

البهجة يا سادة هى الفن، والفن هو البهجة، السينما نفسها هدفها الأول التسلية ثم يأتى أى شىء آخر، تقعروا كيفما شئتم واطرحوا أفكارا شديدة التعقيد لكن لا تنسوا أن هناك متلقيا يريد أن يحلق معكم فى عالم أكثر رحابة من عالمه الضيق الخانق، متلقيا يحلم بالسفر عبر الزمن فى رواية من روايات النبيل بهاء طاهر، وآخر ينتظر أن يرى نفسه فى فيلم من أفلام المبدع يسرى نصرالله، وثالثاً يقف معجبا بتمثال من تماثيل آدم حنين آخر عنقود الفراعنة العظام.

البهجة صناعة ضخمة يجب أن تنتبه لها الدولة وتمنحها قدرا كبيرا من اهتمامها بعد أن فشلت فى الصناعات التقليدية، صناعة تقوم على أكتاف مبدعين لا يرتدون بدلا زرقاء لكنهم يرسمون أحلاما وردية تخفف وطأة ليال حالكة السواد فى زمن الملاحقات الأمنية لأصحاب الخيال، وحبس كل من يختلف فى الرأى، البهجة صناعة منحت وستظل تمنح مصر ريادة لم تحققها فى الغزل والنسيج أو الحديد والصلب، وهى صناعات انهارت وأصبحت أطلالا، فيكفى أن تقول نكتة بالعامية المصرية ليضحك منها مواطن بحرينى يجلس على شاطئ من شواطئ الخليج، ويستلقى على ظهره من كثرة «القهقهة» مواطن مغربى يشرب الشاى على شاطئ المحيط الأطلنطى.

البهجة سلعة لا تحتاج أموالا طائلة لكى تنال حظك منها، فمثلما يحصل عليها شيوخ الخليج بملايين الدولارات على شواطئ أوروبا، يمكن لأى مواطن مصرى بسيط أن ينال نصيبه منها برحلة يوم واحد إلى شواطئ رأس البر، أو بأغنية لأنغام على إذاعة الأغانى، أو بعشرة طاولة على المقهى مع عشرة العمر ورفاق الكفاح، لكن يبقى السؤال عصيا يبحث عن إجابة.. من سرق البهجة من حياة المصريين؟!.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية