تأتى زيارة خادم الحرمين الشريفين لمصر فى وقتها، الحديث عن اختلاف وجهات نظر البلدين تجاه عدد من الملفات قد يؤدى للتباعد بينهما، لكن الظروف التى تمر بها المنطقة لا تحتمل تباعد القطبين المصرى– السعودى فلا غنى لأحدهما عن الآخر، وأنا لا أتحدث بلغة العواطف والأخوة فقط، ولكن بلغة المصالح المشتركة أيضا.
بعد وفاة الملك عبدالله فى يناير من العام الماضى وتولى الملك سلمان الحكم حدثت تغيرات جذرية ومهمة فى سياسة المملكة، جزء منها نابع من الداخل والثانى بسبب التحديات الخارجية التى واجهتها وأدت إلى مراجعة المملكة لكثير من سياساتها الخارجية ومنها تحالفها الاستراتيجى مع الولايات المتحدة الأمريكية.
المراقبون يتوقعون أن تتناول المباحثات الثنائية بين الرئيس السيسى والملك سلمان الأزمة السورية والعلاقة مع إيران ووضعية حزب الله والملف اليمنى والعلاقات المصرية التركية والموقف السعودى من ليبيا وملفات أخرى هامشية، بالإضافة إلى حزمة مساعدات سعودية لمصر ومفاجآت أخرى.
كل هذه الملفات مهمة، ولا خلاف عليها، تشغل حاضر الأمة العربية، ولكن ماذا عن مستقبلها؟ ماذا بعد حل الأزمة السورية؟ هل ستساعد دول الخليج سوريا فى الإعمار كما ساعدت فى تمويل تسليح المعارضة؟ وماذا سيكون نصيب الشركات العربية فى التعمير؟ نفس التساؤل مطروح بالنسبة لليمن فى حال نجحت مباحثات الكويت فى إيجاد حل سياسى تقبله الأطراف المتصارعة، وماذا يمكن أن يكون الدور العربى المستقبلى فى ليبيا؟ وكيف يمكن مساعدة العبادى على النجاح فى مهمته فى العراق؟
دول عربية تعاملت بنظرة قصيرة المدى مع صراعات دول عربية أخرى، وتصورت أن دخان هذه الصراعات لن يؤذيها وإنما فقط سيلتهم جزءا من ميزانيتها يقابله توسع فى النفوذ. الواقع أثبت أن النار إن نشبت فى قطر عربى فـإنها تنتقل إلى التالى فالتالى وهكذا دواليك، تمدد النفوذ الإيرانى لم يكن ليحدث لولا الفراغ العربى والسلبية فى التعامل مع الملفات الإقليمية ومسحة الغرور التى اتسمت بها سياسات بلدان عربية تصورت أن كل شىء تحت السيطرة، ولم تضع فى حساباتها تخاذل الإدارة الأمريكية والاستغلال الروسى للموقف وردود أفعال تركيا أردوغان العصبية والمتسرعة ورعب أوروبا من فتيل الإرهاب الذى امتد إلى أراضيها وطوفان المهاجرين إليها.
للأسف يشاع عنا أننا شعوب لا تعرف التخطيط الاستراتيجى طويل الأمد، نعيش اليوم بيومه، أفعالنا لا تتجاوز ردود الأفعال، حتى فيما يخصنا ننتظر أفعال الآخرين لنرد عليها، رغم امتلاكنا لمعظم أوراق اللعبة ويكفى أنها تدور على أرضنا.
ولهذا احترمت تفكير الأمير الشاب محمد بن سلمان وزير الدفاع والمسؤول عن الملف الاقتصادى فى بلاده، لأنه يفكر من الآن فى التخطيط لمستقبل المملكة بعد الحقبة النفطية، هذا التخطيط الاستراتيجى للمستقبل يهتم بالاقتصاد، لكنه أغفل تطور المجتمع ونظام الحكم، وهو ما يمثل صورة السعودية فى عيون الأجيال القادمة. مستقبل بلادنا وصورتها المستقبلية يجب أن يشغلا بال القادة العرب فرادى ومجتمعين ليضعوا مفاهيم مشتركة تقرب بين الشعوب العربية.
العالم ينظر إلينا بأننا منطقة عشوائية تقف حجر عثرة أمام نموه، نصدر له الإرهاب والتخلف الفكرى، كما صرح أوباما بأن منطقة الشرق الأوسط ليست بالأهمية التى تصورها الرؤساء السابقون وعلى بلاده أن تهتم بمناطق أخرى كآسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية.
العالم يوشك أن يدير ظهره لنا، إذا كانت الأزمات: السورية واليمنية والليبية والإرهاب وإيران.. هى أكبر مخاوفنا الحالية، فبالتأكيد سنواجه فى المستقبل ما هو أسوأ إن لم نخطط له، إرثنا الحضارى والتاريخى لن يشفع لنا فى عدم مساهمتنا بنصيب فى التقدم العلمى والتكنولوجى والإبداع فى مختلف مجالاته.
بلدان الوطن العربى لا تحتمل مزيدا من الثورات الشعببة وهو ما يلقى بالمسؤولية على الزعماء لتبنى سياسات إصلاحية ثورية، تحقق للشعوب الحرية والعدل والمساواة والحياة الإنسانية الكريمة، فهل أكون حالمة لو تمنيت أن يكون إصلاح البيت من الداخل على مائدة المباحثات المصرية السعودية، ضمن تخطيط استراتيجى متكامل للوطن العربى؟
هل مصر والسعودية قادرتان على فعلها؟ نعم فهما قاطرة الوطن العربى.