x

إبراهيم البحراوي مبادرة للنهضة المصرية.. الارتقاء بالبحث العلمى وتطبيقاته إبراهيم البحراوي الأربعاء 06-04-2016 21:30


أصبحنا جميعا على يقين من أن الروافع القادرة على انتشال مصر من وهاد التخلف الحضارى الذى تعانيه ورفعها إلى المستوى المطلوب تتلخص فى كلمات قليلة هى «إصلاح أوضاع التعليم وتحويل خريجيه إلى قوى إنتاج رفيعة المستوى وإصلاح أوضاع البحث العلمى وتحويل منتجاته من الأفكار الذكية إلى ابتكارات تطور حياة البشرية وتثرى الاقتصاد الوطنى». إن هذا إجماع مصرى مطلوب فهو شرط ضرورى لاستجماع الإرادة الوطنية لإطلاق قوى النهضة ليتبقى بعد ذلك أن تتالى المبادرات ممن هم فى مواقع اتخاذ القرار للعثور على مفاتيح النهضة فى التعليم والبحث العلمى وتشغيلها لتحويل الكيان التعليمى والعلمى المصرى من عملاق خامل يعيش على استهلاك معارف وعلوم الشعوب المتقدمة إلى عملاق خلاق قادر على الإبداع والابتكار والمساهمة فى مسيرة الحضارة المعاصرة. إننى أرى أن إحدى مهامى الرئيسية من الكتابة للرأى العام هى الاحتفاء بالمبادرات، التى تسهم فى هذه القضية واتخاذها قدوة تحفز الآخرين. هنا أعتقد أن أستاذ الهندسة الدكتور أشرف الشيحى، وزير التعليم العالى قد وضع يده على مفتاح رئيسى للنهضة المصرية ووضع له التصاميم المناسبة فى ورشة عمل دولية حشد لها جمع من العلماء وأصحاب الخبرات الرفيعة من الدول المتقدمة. إنه مفتاح يتمثل فى مشروع متعدد الجوانب يهدف إلى الارتقاء بالبحث العلمى فى الجامعات ومراكز البحوث من ناحية والارتقاء بالصناعات المصرية بمعناها الشامل من ناحية ثانية. إنه المفتاح الرئيسى الذى سبقتنا إلى استخدامه الدول التى حققت النهضة والمتمثل فى خلق المنظومة العلمية والتشريعية والاقتصادية الصحيحة لإنتاج الأفكار الذكية القابلة للتطبيق والموجهة إلى تطوير الصناعات والخدمات ونظم الإدارة وابتكار التكنولوجيا دون مطالبة الحكومة بمزيد من الأموال والإنفاق. إنه فى تقديرى مشروع إذا اكتمل سيثلج قلب كل مصرى يفكر فى ضرورة إطلاق نهضة حضارية شاملة ويبحث عن كيفية إدارة ماكينة المجتمع المصرى التى أثبتت منذ ثلاثة وأربعين عاما، إنها ماكينة عملاقة وخلاقة قادرة على دفع تروسها البشرية لتعمل بشكل متناغم ومواجهة أشد التحديات وقهر أعتى القوى فى ساحة الحرب وهو ما يعنى أنها قادرة على أن تحقق لنا التقدم اليوم فى وقت السلم إذا ما استجمعنا الإرادة وأطلقنا حرية المبادرات. لقد تم رصد أن أكثر من تسعين فى المائة من الأموال التى تنفق على البحوث العلمية فى دول العالم الأول المتقدم لا تأتى من الحكومات ولكن تأتى من مساهمات القطاع الخاص والصناعات وجمعيات المجتمع المدنى وهو ما يفسر وفرة هذه الأموال من ناحية ويفسر من ناحية أخرى توجه العمل العلمى إلى بحوث محددة الهدف بحيث تؤدى إلى الابتكارات القادرة على تطوير الحياة البشرية فى كل المجالات بدءا من الغذاء ومرورا بالطب والدواء وانتهاء بالمنتجات التكنولوجية. طبعا الوضع فى مصر على العكس من ذلك حيث إن الحكومة تتكفل بتخصيص أكثر من تسعين فى المائة من ميزانية البحث العلمى لتأتى محدودة من ناحية وتوجه على الأغلب من ناحية ثانية إلى بحوث لا تولد ابتكارات. من المفهوم بداهة أن قوى المجتمع لن تشارك فى تمويل البحث العلمى إلا إذا شعرت بمردوده الإيجابى وثماره فى صورة خدمات متميزة أو منتجات جديدة أو تطوير لمواقع الإنتاج من الجوانب المختلفة أو تحسين لنوعية الحياة. على أساس هذا الفهم عقد الدكتور الشيحى ورشة العمل الدولية للبحث فى كيفية تحفيز القطاع الخاص العامل فى الصناعة وسائر قوى المجتمع للاستثمار فى البحث العلمى، بالتعاون مع اتحاد الصناعات المصرية واليونسكو. لقد دعى إليها وحضرها عدد من كبار العلماء والخبراء فى العالم والمشهود لهم بالكفاءة فى تصميم سياسات تشجيع الاستثمار فى البحث العلمى وهم أنفسهم الخبراء الذين وضعوا الرؤية الناجحة لهذا الموضوع فى كل من الصين وروسيا والبرازيل وكندا وماليزيا وأستراليا وهولندا. لحسن الحظ أن الرؤية التى بلورتها ورشة العمل قد ترجمت إلى مشروع يشمل تشريعات تناسب ظروف الاقتصاد المصرى، وأن هذا المشروع تم رفعه إلى المسؤولين وتحويله إلى الوزارات المعنية وهى وزارة المالية ووزارة الاستثمار ووزارة التخطيط تمهيدا لعرضه على مجلس النواب لإصدار التشريعات اللازمة. إن هذا يعنى أننا قد أصبحنا أمام مبادرة لمشروع فعلى صالح للتطبيق وليس حلما غير واقعى . مع نهاية عمل الورشة تم الوقوف على أمرين، الأول ضرورة وضع مصر على الخريطة العالمية لحوافز البحث والابتكار، حيث إن التقارير الأخيرة المنشورة من قبل أكبر الشركات العالمية فى هذا المجال عامى ٢٠١٤- ٢٠١٥ قد أوضحت أن جميع دول العالم الأول تطبق نظام الحوافز الضريبية فى حين أن مصر وجميع الدول العربية ليست حاضرة على الخريطة العالمية لحوافز البحث العلمى والتنمية والابتكار، وبالتالى تم تحديد أنسب نوع من أنواع الحوافز الضريبية الذى يمكن تطبيقه فى مصر مع تعديل السياسات والتشريعات لملاءمة تطبيق تلك الحوافز، أما الأمر الثانى الذى تمخضت عنه الورشة فقد تمثل فى إنهاء دراسة لوضع الآلية الكفيلة بتحويل الأبحاث العلمية إلى ابتكارات وحقوق ملكية فكرية ثم استثمارها فى صناعة ثم منتج يتم تسويقه، وبذلك تكتمل الدورة الاقتصادية وهذا ما يسمى أودية العلوم والتكنولوجيا. لقد بدأ بالفعل الإعداد لإنشاء ثلاثة أودية تكنولوجية بمصر للمرحلة الأولى أحدها بمدينة برج العرب، حيث يجرى إنشاء مجمع تعليمى، بالإضافة إلى الجامعة المصرية اليابانية ومجمع ومراكز بحوث متخصصة تتكامل مع المنطقة الصناعية فى برج العرب. إن ما يثير الحماس هى تلك السرعة التى تسير بها الخطوات التنفيذية للمشروع. هناك جانب مهم آخر فى هذه المبادرة يستحق التوقف عنده ليكون مثلا يحتذى وهو الجانب المتعلق بالتعاون مع أرفع مستوى من الخبراء الدوليين فى الموضوع،

ذلك أن تقديرنا للخبرات المحلية فى مصر لا يجب أن يحجب عن أعيننا حقيقة أن الدول العربية، التى حققت طفرات اقتصادية وحضارية كبرى مثل دبى قد استعانت بآخر ما وصل إليه العالم من تقدم فى جميع المجالات. إذا نظرت إلى خبرات وأسماء بعض العلماء الدوليين الذين شاركوا أقرانهم المصريين فى صياغة المشروع الذى نتحدث عنه ستجد أنك أمام باقة من الخبرات الرفيعة متنوعة المجالات اللازمة للمشروع مثل الخبير الهولندى ريتشارد هيمسترا والخبير الروسى فاسيلى ماركوف المختصين فى مجال التخطيط الضريبى الدولى وفى مجال الحوافز الضريبية للشركات التى تساهم فى البحوث العلمية وفى مجال التشريعات الخاصة بالضرائب ومجال الأشكال المختلفة للدعم الحكومى من خلال الحوافز الضريبية ومثل الدكتور عادل المغربى الأمريكى من أصل مصرى وهو متخصص فى هندسة وعلوم الكمبيوتر وأستاذ كرس بجامعة لوبيسفيل ومثل الدكتورة هدى المراغى الكندية من أصل مصرى وهى أستاذة الهندسة الميكانيكية وهندسة نظم التصنيع وكانت أول سيدة فى كندا على الإطلاق تشغل وظيفة عميدة كلية الهندسة، حيث شغلت هذا المنصب بجامعة ويندسور، وكلاهما يملك خبرات واسعة فى مجال تطبيقات ربط البحث العلمى بتطوير الصناعات والتكنولوجيا. إن الثمار العلمية والتكنولوجية والاقتصادية الثرية والوفيرة التى ستحققها مبادرة الدكتور الشيحى يمكننا التعرف عليها من التجارب الناجحة التى حققها هؤلاء الخبراء للبلدان الأخرى التى سبقتنا.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية