كلنا نعلم أن حال المواصلات العامة المصرية في حاجة شديدة للإصلاح والتطوير وربما أيضاً إعادة البناء، فالانتقال من نقطة «أ» إلى نقطة «ب» في مدن وقرى مصر ليس بالأمر الهين أو البسيط، ويظل ذلك هو الحال باختلاف الأماكن والوسائل وباختلاف من يستخدمها، حتى وإن كانت تلك الوسائل هي السير على الأقدام ففى معظم الأحول يظل ذلك تحدياً كبيراً أيضاً!.. ربما يكون امتلاك سيارة من الطرق «الأسهل» للتنقل، ويليها الاعتماد على سيارات الأجرة «التاكسى» بمختلف أنواعه وأخيراً تأتى المواصلات العامة والميكروباص والتوك توك، ولكل منها طقوسه الخاصة!، في الأعوام القليلة الماضية بدأت المجتمعات تسجل اعتراضها على وسائل المواصلات التقليدية وصنعت لنفسها سبل انتقال جديدة توفر لها احتياجاتها الخاصة بأفكار بسيطة مثل مشاركة سياراتهم سوياً للذهاب إلى نفس الوجهة لتقليل الزحام واستهلاك الوقود، أو الاعتماد على السيارات الخاصة في نقل الناس والبضائع في الوقت الذي لا يتم استهلاكها به.
«أوبر» و«كريم»
من هنا بدأت تطبيقات مشاركة السيارات في الظهور، وحصلت على شعبية وانتشار سريع في وقت قصير جداً، ومنذ أن بدأت في الظهور في مصر بدأ الكثيرون في الاعتماد عليها، واحداً تلو الآخر، هناك الكثير من تطبيقات التاكسى التي تعمل في مصر ولكن أكبر تطبيقين لمشاركة سيارات «الملاكى» هما كل من «أوبر» و«كريم»، بدأت «أوبر» كشركة أمريكية لشبكات النقل في ولاية كاليفورنيا وفى ٢٠١٠ أطلقت تطبيقها للمرة الأولى ومنذ ذلك الحين وهى تتوسع في بلد جديد كل عام، وصل التطبيق إلى القاهرة في نوفمبر من عام ٢٠١٤ وتبعه بعد ذلك بفترة قصيرة تطبيق «كريم» الذي تم إطلاقه في ٢٠١٢ ومقره الرئيسى في دبى، وتعمل كل من الشركتين على تغطية القاهرة والإسكندرية في الوقت الحالى.
كافة المعلومات!
تعمل كل من «أوبر» وكريم» عن طريق تطبيق يمكن استخدامه بواسطة الهاتف الذكى، ويقوم من خلاله المستخدم بفتح الخريطة وتحديد موقعه عن طريق نظام GPS فيظهر له موقع أقرب سيارة متاحة له وطلبها ويقوم التطبيق بعرض الوقت المتبقى لوصول السيارة وصورة السائق وكافة المعلومات الخاصة به مثل رقم تليفونه وتقييمه في الرحلات السابقة، كما يقوم بعرض خط سير السيارة طوال الرحلة وفى النهاية يتمكن المستخدم من تقييم الرحلة والسائق، ومن حق المستخدم عند ركوب السيارة تحديد خط السير على الخريطة ويلتزم السائق به، ومن حقه التوقف في أي مكان ولأى مدة أو تغيير مسار السيارة.
عكس «التاكسى»!
وقد وفرت التطبيقات التي لاقت قبولاً كبيراً من الجماهير بديلاً عن وسائل الانتقال التقليدية وعلى الأخص التاكسى، وذلك بفضل المميزات التي يمنحها للمستخدم الذي لا يجدها في سائق التاكسى، ومنها أن السائق ليس لديه الحق في الاعتراض على الوجهة أو تغيير السعر أو التحكم في السيارة مثل سائق التاكسى، الأمر الآخر هو سهولة الوصول للسيارات في أي مكان مهما كان مغلقاً أو بعيداً وبالطبع أضف إلى ذلك التواجد الدولى فمن اعتاد استخدام تلك التطبيقات داخل مصر سيقوم باستخدامها في أي مكان آخر يتواجد به التطبيق.
نمو الخدمة
طبقاً لإحصائيات «كريم» فالشركة تحقق نمواً بين٤٠ و٦٠٪ كل شهر مقارنة بالشهر السابق دون الحاجة لرفع سعر التعريفة الثابتة، بينما حققت أوبر نموا بنسبة ٧٣ ضعف في القاهرة خلال عام واحد من انطلاقها، وذلك يعكس اعتماد الكثيرون عليها خلال تلك الفترة القصيرة كانوا يعتمدون على التاكسى فيما مضى، من الناحية الأخرى توفر تلك التطبيقات مصدر رزق إضافى أو حتى أساسى أو ثابت للسائقين فقد أعلنت «أوبر» أنها وفرت أكثر من ٢٠٠٠ فرصة عمل خلال عام واحد فقط من تشغيل الخدمة إلى جانب موظفى الشركة نفسها، بينما تشغل كريم أكثر من ١٥٠ موظف إلى جانب السائقين.
«قطع عيش»
أثارت تلك التطبيقات غضب سائقى التاكسى وخاصة التاكسى التقليدى أبيض اللون، وخرجوا في مظاهرات متعددة خلال شهر فبراير ومارس معبرين عن غضبهم تجاه تلك التطبيقات التي «تشاركهم الرزق» ولا تشاركهم «المعاناة» والمعاناة هنا يقصدون بها التراخيص والضرائب والتأمينات ورفعوا شعارات مثل «الإعلام بدل ما يوعينا بيحرض الناس علينا» و«مش هنسلم مش هنبيع مش هنسيب التاكسى يضيع» و«نعم للتاكسى لا لأوبر وكريم في مصر» و«مش دافعين في النمر زينا وجايين يشاركونا في رزقنا».
مظاهرات.. وردود أفعال
تسببت المظاهرات في جذب بعض التعاطف من المواطنين، اللذين يرون أن سائقى التاكسى على حق بينما أثارت غضب البعض الآخر اللذين يرون أن التاكسى لا يقوم بدوره بالشكل الذي يرضى «الزبون» وبالتالى اتجه الأخير لأوبر وكريم، أو حتى يقدم أقل درجة مقبولة من الخدمة.. رداً على تلك التظاهرات التي اتهمتهم بقطع الرزق أصدرت «أوبر» بياناً حول مساهمتها للاقتصاد المحلى التي تضمنت ضخ ٢٥٠ مليون دولار من الاستثمارات في المنطقة وتوفير خدمة غاية في الأمان والثقة كما أنها توفر أكثر من ٢٠٠٠ فرصة عمل شهرياً إلى جانب الأنشطة المحلية التي تدعم من خلالها المجتمع، مثل؛ مساهمتها في جمع التبرعات لمستشفى «بهية» لسرطان الثدى وبرنامج تمكين اقتصادى لتقديم التعليم والتدريب والموارد اللازمة للسائقين، وفى إطاره قامت الشركة بالفعل بتوقيع مذكرة تفاهم لتمويل السيارات مع منظمة التعليم من أجل التوظيف في مصر وبلتون للاستثمارBPE، ولم تصدر «كريم» أي بيانات بهذا الصدد ولكن الشركة تعمل أيضاً على دعم المجتمع المحلى وكانت أحدث إسهاماتها الاحتفال باليوم العالمى للتوحد والمشاركة في حملة التوعية ضد هذا المرض.
أكثر آماناً
وبسؤال مستخدمى تلك التطبيقات وجدنا أن الكثير منهم لم يكونوا يعتمدون على التاكسى من قبل ولكن وجدوا في كريم وأوبر حلولاً للانتقال لمسافات بعيدة بدلاً من القيادة أو في أثناء إصلاح السيارة أو كحل مؤقت في مشوار واحد أو اثنين، أما البعض الآخر والذى يشكل غالبية مستخدمى أوبر وكريم يرون أن الشركة وفرت لهم بديلاً أكثر أماناً وأكثر مرونة وأسهل استخداماً من التاكسى الأبيض، ولفت انتباهنا أن الفتيات بشكل خاص يفضلون سيارات «أوبر» و«كريم» وذلك بفضل إحساسهم بالأمان داخل تلك السيارات ووجود قواعد تحد من نسبة تعرضهم للتحرش أو الاختطاف على العكس من ارتفاع تلك النسبة مع التاكسى الأبيض، وعند سؤال أحد المسئولين في الشركة أكد لنا أن السائقين يخضعون للانتقاء والدورات التدريبية ضد التحرش مما يضمن عدم تواجد تلك الثقافة داخل السيارات. ومن ضمن تعليقات المستخدمين الأخرى وجود السيارات في مكان قريب دائماً حتى في الخامسة صباحاً وأنه يمكن معرفة التعريفة والقيمة النهائية للحساب عبر التطبيق ويمكن الدفع عن طريق كروت الائتمان لـ«أوبر» والنقد لـ«كريم»، ويضيف أحد المستخدمين أيضاً أن استخدام تلك التطبيقات يسمح له بطلب الخدمة لشخص آخر، فيمكنه أن يقوم بطلب سيارة لوالدته لتوصيلها إلى مكان آخر فهو يعتمد عليه وكأنه سائق خاص، واعتمدت عليه إحدى الزوجات في توصيل «بدلة» لزوجها عندما أضطر للذهاب في موعد مفاجئ مع أحد الوزراء، معظم مستخدمى التطبيقات لم يظنون انهم «يقطعون رزق» سائقى التاكسى، بل أن السائقين هم نفسهم من تسببوا في ذلك عندما ظنوا أنهم لن يقوموا بتأدية وظيفتهم على أكمل وجه ولكن سيحصلون على الأجرة طوال الوقت، ولا تزال أوضاع تلك التطبيقات غير قانونية في الوقت الذي يطالب فيه الكثيرون بتقنينها بينما يعارض ذلك سائقى التاكسى الذين يرون أن ذلك من شانه القضاء على وظيفتهم، جدير بالذكر أنه منذ بدء مظاهرات التاكسى لاحظ مستخدم آخر دائم للتطبيق أن عدد السيارات المتاحة عبر «أوبر» أصبح منخفضاً وعندما خاطب الشركة جاء الرد نافياً ذلك ومؤكداً أن عدد السيارات لم يقل ولكن ذلك كان كافياً لأن يبحث المستخدم عن تطبيق آخر وبدأ في استعمال «أسطى» وهو تطبيق يعمل بنفس الطريقة تماماً مثل «أوبر».