قدمت آمنة نصير، عضو مجلس النواب، مقترحًا بمشروع قانون بتعديل بعض الأحكام الواردة بالقانون رقم 58 لسنة 1937 بإصدار قانون العقوبات وتعديلاته، وذلك بــحـذف نص الفقرة (و) من المادة 98 (مادة ازدراء الأديان) من القانون المشار إليه، وذلك لتعارضها البـين مع فلسفة وأحكـام الدستور المصري الصادر في 2014 وبالأخص في مـواده أرقام 64 ، 65 ، 67 ، 71 ، 92 ، 95.
ووقّع 68 نائبًا على مقترح «نصير»، الذي يطالب بحذف نص الفقرة (و) من المادة 98 والمـُقدم بشأنها مقترح مشروع القانون.
وتنص الفقرة «و» على أنه «يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تجاوز خمس سنوات أو بغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تجاوز ألف جنيه كل من استغل الدين فى الترويج أو التحبيذ بالقول أو بالكتابة أو بأية وسيلة أخرى لأفكار متطرفة بقصد إثارة الفتنة أو تحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي».
وجاء نص الرسالة المقدمة من «نصير» إلى الدكتور علي عبدالعال، رئيس مجلس النواب، على النحو التالي:
سعادة الأستاذ الدكتور / عــلـيّ عبد الـعـال
رئيـس مجـلـس الـنـواب المـحـترم
تحية تقدير واحترام ..
أتـشرف بأن أتقدم إلي مجلس النواب الموقـر بـمقترح مـشروع قـانـون بتـعديل بعض الأحكام الواردة بالقانون رقم 58 لسنة 1937 بإصدار قانون العقوبات وتعديلاته ، وذلك بــحـذف نص الفقرة ( و ) من المادة 98 من القانون المشار إليه وذلك لتعارضها البـين مع فلسفة وأحكـام الدستور المصري الصادر في 2014 وبالأخص في مـواده أرقام 64 ، 65 ، 67 ، 71 ، 92 ، 95..
وكـذا لمـخـالـفة الفـقرة المشار إليها للمواثـيق الـدولية لحقوق الإنسان التي صادقت عليها الدولة المصرية والتي كـفلت الحـق في حرية العقـيدة والتعبير ، واعتبرتها من بين الحقـوق الأساسية والحريات العامة للإنسان ؛ و علي رأسها الـعـهد الدولي الخـاص بالحقـوق المدنية والسياسية وبالأخص المادتين 18، 19منه .
وهو ما أدي إلي إشكاليات عديدة أبرزتها في الفترة الماضية الملاحقات القانونية والأحكام القضائية الصادرة علي سند من الفقرة الـمقـترح إلغائها والتي شكلت في مجملها تضييق علي حريات كفلها وصانها الدستور ، وأبرزها حرية الاعتقاد ، وحرية الفكـر والرأي ، وحرية الإبداع الفني والأدبي .
وذلك علي التفصيل المُسطر بالمذكرة التفسيرية الملحقة . برجاء التفضل بإحالة مشروع القانون المقترح إلي اللجنة المختصة لاتخاذ الإجراءات القانونية في شأنه .
وفقنا الله لما فيه خير مصرنا الحبيبة وشعبها ..
تحريراً 2/ 4/2016
مـقدمـه
أ. د / آمنــة مـحمد نـصـير
عـضو مجـلس الـنـواب
نص الفقرة ( و ) من المادة 98 والمـُقدم بشأنها مقترح مشروع القانون :
"يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تجاوز خمس سنوات أو بغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تجاوز ألف جنيه كل من استغل الدين فى الترويج أو التحبيذ بالقول أو بالكتابة أو بأية وسيلة أخرى لأفكار متطرفة بقصد إثارة الفتنة أو تحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي ."
التعديل المقترح :
حـذف كامـل الفقرة ( و ) من الـمـادة ( 98 ) ، لينتهي نص المادة المشار إليه عند الفقرة ( هــ ) ..
المذكرة التـفسيرية
جاءت نصوص الدستور المصري 2014 لتصون قيمة الحرية الشخصية وتضمن حرية الاعتقاد والرأي وتكفل لصاحب الفكر حقه في التفكير والتعبير مهما كان فكره مخالفاً لما عليه سواد المجتمع ، ومثل ذلك حلقة هامة في مسيرة التطور الطبيعي لحفظ حقوق الإنسان وصـون كرامته علي أرض أقدم حضارات الدنيا ، ولتواكب مصرنا مسيرة الإنسانية لاستكمال مسيرة طي صفحات بغيضة ضاربة بجذورها في أعماق التاريخ من تكبيل الحريات وتكميم الأفواه ، ومن الرمي بالهرطقة التي شاعت في أوربا علي يد الكنيسة أو الوصم بالزندقة التي ظهرت في بلاد المشرق علي يـد من أرادوا احتكار الدين لحساب فهمهم الخاص له ، وفرضه علي كل صاحب رأي وفكر يخالفهم .
الظرف التاريخي لإضافة الفقرة ( و ) عنوة للمادة 98 بموجب القانون رقم 29 لسنة 82 :
لا ريب أن الظرف التاريخي لحشر هذه المادة عنوة وإقحامها علي نص المادة 98 لا تخفي علي السادة النواب ، حيث كانت أحداث الزاوية الحمراء التي نشبت في شهر يونيو 1981 م هي السبب الرئيسي لصياغة وإقرار القانون 29 لسنة 82 .
وبعيداً عن ملابسات هذه الأحداث وما قيل في تفسير سبب نشوب أحداثها ، فأن تداعياتها القانونية لا زلنا نكتوي بنارها إلي يومنا هذا . وبالنظر المتبصر لهذه الفقرة وما تضمنته من أحكام تجريم نجد أنه قد تم إقحامها عنوة في عـجز نص المادة 98 بشكل جائر وبطريقة متعسفة ، فهذه المادة متعددة الفقرات نجد نسقها التشريعي والأحكام التي تنطوي عليها بعيدة في مجال تجريمها تماماً عن ما تصبو إليه الفقرة ( و ) من تجريم . حيث جاءت المادة 98 تحت عنوان ( الباب الثاني - الجنايات والجنح المضرة بالحكومة من جهة الداخل ) وهو ما يجعلنا نتوقف بشكل عابر عند قراءة النص أمام ملاحظة شكلية عن سبب إيراد تلك الفقرة بشكل منفصل تماما عن المادتين 160 و 161 اللتان للغرابة تعالجان بحسب عنوان الباب الحادي عشر المندرجة تحته ( الجنح المتعلقة بالأديان ) والتي ادرجتا بالمناسبة بقانون العقوبات بذات القانون رقم 29 لسنة 1982 ، وهي ملاحظة الغرض منها أن أنقل لسيادتكم تصوري لما شاب وقتها عملية التشريع لهذه المادة من إرتباك .
وهذا الارتباك في صياغتها وخبط العشواء في موضعها يتأكد بمطالعة نصوص الفقرات المتعددة للمادة 98 والتي تعالج جرائم محاولة قلب وتغيير دستور الدولة ونظامها الجمهوري بالقوة ، واختطاف وتعريض وسائل النقل الجوى والبرى أو المائي للخطر ، وجرائم التمويل الخارجي والمنظمات الأجنبية وما شابه تلك الجرائم .
ثم تــبـرز الفقرة ( و ) لتشكل جملة اعتراضية في السياق التشريعي ، وحينما نتجاوزها وننتقل إلي المادة 99 نجد السياق يعود مرة أخري لنسقه الطبيعي ، حيث تجرم المادة 99 " حمل رئيس الجمهورية على عمل من خصائصه قانونا أو على الامتناع عنه بإستخدام العنف أو التهديد أو إيه وسيلة أخرى غير مشروعة " ، ويستمر التناغم التشريعي في الأحكام الواردة في المواد التالية دون جسماً غريب حتى ينتهي الباب بالمادة 102 مكرر والتي تجرم " إذاعة أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة إذا كان من شأن ذلك تكدير الأمن العام أو إلقاء الرعب بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة " .وكل هذا باليقين يشير إلي وجود ارتباك تشريعي تـم به إقحـام هذه الفقرة في غير سياقها تحت إلحاح وضغط الظروف التي صيغت فيها ..
وفي شأن تفصيل مخالفة الفقرة ( و ) من المادة 98 وخروجها عن نصوص الدسـتور :
نصت المادة 64 من الدستور في فقرتها الأولى : " حــرية الاعـتـقاد مـكـفـولـة ". والتي صاغها وسطرها المشرع الدستوري علي استقلال وإنفراد عن باقي نص المادة لـُيسلط الـضوء علي أهـمية الحـكم الوارد بها والذي جاءت صياغته مطلقة من كل قيد وغير مقيدة بشرط .. وبذا يكون كل تجريم أو قيد يـرد علي حرية الاعتقاد في أي نص قانوني كما هو الحال في الفقرة ( و ) مـُخالف لنص المادة 64 من الدستور حرياً بالإلغاء .
نصت المادة 65 من الدستور علي عدم تجريم حرية الفكر والرأي ، وبالتبعية ولتحقيق تلك الحرية نصت المادة الدستورية في فقرتها التالية علي عدم تجريم التعبير عنه بأي وسيلة مادامت هذه الوسيلة سلمية ، حيث نصت بكل وضوح في فقرتها الأولى والتي صاغها أيضا المشرع الدستوري علي استقلال وإنفراد عن باقي نص المادة : " حــرية الـفكر والـرأي مكفـولـة " . ومنطق حرية الفكر والرأي التي يكفلهما الدستور هي أن لا تجد من يقيدهما بأغلال رأي مخالف أو يصمهما بالخروج علي العقل الجمعي ، وهذه الحق الدستوري لا سبيل للوصول إليه إلا بمجتمع يؤمن بأن مقارعة الفكر لا تكون إلا بالفكر ، وأن طريق تقـييد العـقل بالأغلال ، ومحاصرة الحق في التعبير عن الرأي بكل وسائل التعبير والنشر بسياج من النصوص التي تجرمه لهو أمر يخالف الدستور ، ويعد بمثابة ردة إلي المجتمعات البدائية وعقول القرون الوسطي .
وقد جعل المشرع الدستوري السبيل والطريق لتحقيق حرية الفكر والرأي أن يكفل للإنسان : " حـق التعبير عن رأيه بالقول ، أو بالكتابة ، أو التصوير ، أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر "؛ ولا يقبل عقل أن ينادي المشرع الدستوري بحرية الفكر والرأي ويضمن لتحقيق ذلك كفالة التعبير عن الفكر ثم يكون هناك نص في قانون العقوبات يقمع الفكر ويـُردي أصحابه مهما اختلفنا معهم أقبية السجون ، والقول بغير ذلك تفريغ للنص الدستوري من مضمونه .
وحرية الرأي والفكر صانها وعني بها الإسلام الحنيف الذي تمثل مبادئه المصدر الرئيس للتشريع وفق نص المادة 2 من الدستور ، بل وبغض الإسلام الإنفراد بالرأي وتكميم الأفواه ، وأي ذم أكثر من ضرب المثل بفرعون مجسداً نموذج المستبد بـرأيـه ، يقول تعالي : " قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ" صدق الله العظيم ، فمقولة فرعون التي تنضح بالفكر القمعي للمتسلط المستبد، والتي تنبعث منها رائحة الأنا الغاشمة، ودكتاتورية الفكر البائسة، ويحفها الكبر والغرور، هي عين ما جسدهُ تطبيق الفقرة ( و ) من المادة 98 في عشرات القضايا التي طاردت أصحاب الفكر والرأي ، فصار تداول الرأي جـُرماً ، واخـتلاف وجهات النظر جريمة منكرة يعاقب عليها القانون، ويـُعد كل من قال بها خائن أو مارق عن الدين يستحق أن يسجن أو يعذب .
نصت المادة 67 من الدستور علي ما ترتقي به الأمم وتشيد به الحضارات وهو : " حــرية الإبـداع الفـني والإدبي مكفـولة , ولم يجعل المشرع الدستور هذا الكفالة لحرية الإبداع الفني والأدبي بغير سياج يحوطها ويحميها بل قرر في حكم قاطع : " لا يجوز رفع أو تحريك الدعاوى لوقف أو مصادرة الأعمال الفنية والأدبية والفكرية أو ضد مبدعيها إلا عن طريق النيابة العامة ، ولا توقع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التى ترتكب بسبب علانية المنتج الفني أو الأدبي أو الفكري " . فأوصد الباب أمام دعاوي الحسبة التي أمتهـنها بفجاجة بعض المتنطعين ، وجعل الأمر برمته في يد النيابة العامة الأمينة علي مجتمعنا ، وحتي في اضطلاع النيابة العامة ثم القضاء الموقـر بدوره فقد غـل يدهم عن توقيع عقوبة سالبة للحرية . وكل تلك المبادئ تضرب بها الفقرة ( و ) من المادة 98 عرض الحائط وتخالفها، كأنها مادة تجريم انطلقت كالرصاصة السوداء من زمن القرون الوسطي لتستقر في عقل مصرنا الغالية .
وجاء نص المادة 71 من الدستور ليزيد الأمر تأكيد علي اعتناق المشرع الدستوري لعقيدة حرية الرأي و تجريم الحبس في كل ما يتعلق بالعقل وإبداعه ، ومد مظلته لمواجهة تكميم الأفواه في مختلف وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية ، فجاء في النص الدستوري : " يحظر بأي وجه فرض رقابة على الصحف ووسائل الإعلام المصرية أو مصادرتها أو وقفها أو إغلاقها. ويجوز استثناء فرض رقابة محددة عليها فى زَمن الحرب أو التعبئة العامة . ولا توقع عقوبة سالبة للحرية فى الجرائم التى ترتكب بطريق النشر أو العلانية ... " . وهو ما تخالفه بجلاء الفقرة ( و ) من المادة 98 من قانون العقوبات .
وجاء نص المادة 92 من الدستور ليضع مبدأ دستوري عام ، حيث نص علي : " الحقوق والحريات اللصيقة بشخص المواطن لا تقبل تعطيلاً ولا انتقاصًا. ولا يجوز لأى قانون ينظم ممارسة الحقوق والحريات أن يقيدها بما يمس أصلها وجوهرها " . ولا يقبل عاقل أن يجتهد المشرع الدستوري في وضع مبادئ تكفل الحقوق والحريات الشخصية وتجرم المساس بها ثم يكون هناك نص قانوني يعصف بهذه الحقوق وينتهك تلك الحريات ، وعليه فمخالفة الفقرة ( و ) لهذا النص ظاهراً للعيان .
جاء نص المادة 95 من الدستور : " العقوبة شخصية، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائى، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون.
وقد خرجت الفقرة ( و ) أيضاً علي هذا النص الدستوري وخالفته ، فبداية جاء نص التجريم فضفاضاً مطاطاً بحيث لم يـُعـرف النموذج التجـريـمى علي وجه الدقة ، بحيث يـُستبعد منه صـور لا جدال فى مشروعيتها. فنص الفقرة ( و ) الذي أستخدم عبارة " أفـكــار مـتـطـرفـة " لم يحدد وجـه التطرف ولا معيار قياسه ، بل قد ينطبق بعموميته على صور مختلفة من بعض الأفكار المتطرفة التى قد يكون منها المشروع الـمُـباح رغم تطرفه طالما لم يقترن بمحاولة فرضها بالقوة، كمن يدعو لصيام الدهر كله مثلاً ، فهذا تطرف في الدين تشمله عبارة " الأفـكار المـتـطرفة " ، ويعد غـلوا فى أداء شعائر الدين، أو الانقطاع لأداء الصلوات والاعتكاف فى المساجد طوال العام، أو التصدق بكل ما يملك المتصدق ، ومن ثم ينطبق عليها جميعا مصطلح الأفكار المتطرفة ولكن هل يستطيع أحد تجريمها؟ .
كما أن لفظ " تـرويج وتحبـيـذ " ألفاظ هـُلامية الـدلالة غير محـددة المعالم ، كما انه لا توجد حدود فاصلة قاطعة بين الاقتناع بالأفكار وتحبيذها ، فالمرء لا يقـتـنع بفكرة قبل أن يحـبذها ، ومن ثم يؤثم نص التجريم مجرد اعتناق الأفكار من بوابة تجريمه التحـبـيذ . كما يؤثم النص مجرد التحبيذ الذاتى فعندما يحبذ زيد فكرة ما دون أن يعمل على ترويجها يقع أيضا تحت طائلة التجريم ، حيث لا يوجد تلازم بين التحبيذ والترويج حيث استخدم النص لفظة " أو" ليفيد المغايرة بين الترويج والتحبيذ .. فصار به مجرد التـحبيذ جرم يستأهل العقاب !!
وكل ذلك يقطع بأن صياغة الفقرة مرتبكة تخبط خبط عشواء ، وكان ذلك سبباً في سوق أرباب فكر يحـترم أو يخـتلف معه إلي ساحات القضاء .
والتعارض مع نص المادة 95 من الدستور : " لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون " ، حيث حـُدد نطاق مبدأ الشرعية من الناحية الدستورية بعنصرين : أنه لا جـريمة بغـير نـص ، ولا عـقاب بلا نـص . ويطلق علي العنصر الأول : مبدأ شرعية الجرائم ، فى حين يطلق على الثاني : مبدأ شرعية العقاب. ويقتضى إعمال هذين المبدأين عدة ضوابط منها:
1- ضرورة التجريم :
يقتضى مبدأ شرعية الجرائم ألا يجرم المشرع من الأفعال، ولا يؤثم من التصرفات إلا ما كانت هناك ضرورة ملجئه ملحة لتجريمه و تأثـيمه ؛ وذلك لان التجريم بطبيعته هو انتقاص من حرية المواطنين، وتضييق من نطاق ما يتمتعون به من حقوق، ومن ثم يدور وجوداً و عدماً مع وجود مصالح إجتماعية حيوية أجدر بالرعاية وأولى بالعناية من الجزء المنتقص من حرية المواطن.
2- ضرورة تحديد الجريمة :
يقتضى الفهم القانوني السليم ضرورة أن يحدد المشرع تحديداً كافياً قاطعاً الأفعال التي اقتضت الضرورة تجريمها، وأن يبين بوضوح تام مانع للخلط مختلف عناصرها وأركانها، ويجد هذا العنصر سنده فى المبدأ القانوني المستقر والقاضي بكفالة حق الدفاع للمتهم، الذى يقتضى وضوح نصوص التجريم حتى يقوم الدفاع بدوره المفترض، وغموض النصوص التجريمـية باليقين يعـجز الدفاع عن أداء هذا الدور ؛ كما يجد سنده فى مبدأ الفصل بين السلطتين التشريعية والقضائية؛ فالغموض التجريمى يـُعـطى القاضي سلطة تقديرية واسعة فى التجريم، ويفسح له المجال للقيام بدور السلطة التشريعية فى خلق الجريمة، وإنزال العقاب عن أفعال لم تنصرف إرادة المشرع لتجريمها .
ولا يخفي سيادتكم أن غموض نص التجريم يسلب الإنسان قدرته على العـلم اليقيني مقدماً بما إذا كان فعله أو امتناعه مباحاُ أم مجرماً، وآنذاك يـغـُم عليه المـجال المـحظـور ارتـياده من ذاك المـباح إتـيانـه. وهذا يؤدى إلى ضياع الحدود الفاصلة بين الحل والحرمة، والإثم والإباحة، وآنذاك يؤاخذ الفرد بظلم، ويقع عقابه عن فعل لم تتجه إليه إرادته، ولم ينصرف إليه قصده. ونص التـجريم الـوارد بالفقرة ( و ) من المادة 98 جاء فضفاضاً غامضاً لأقصي مدي.
ووضوح النص العقابي هو مبدأ استقرت عليه و أكدته محكمة النقض فيه كافة الأنظمة القانونية ، وهو ما أكدته محكمة النقض الموقرة في حكمها في الطعن رقم 114 سنة قضائية 21 مكتب فني 9 تاريخ الجلسة 2/6/2001 - حيث قالت : من القواعد المبدئية التي يتطلبها الدستور في القوانين الجـزائية أن تكون درجة اليقين التي تنتظم أحكامها في أعلي مستوياتها وأظهر في هذه القوانين منها في أية تشريعات أخري ، ذلك أن القوانين الجزائية تفرض علي الحرية الشخصية أخطر القيود وأبلغها أثرا ويتعين بالتالي - ضمانا لهذه الحرية - أن تكون الأفعال التي تؤثمها هذه القوانين محددة بصورة قاطعة بما يحول دون التباسها بغيرها ، وأن تكون تلك القوانين جلية واضحة في بيان الحدود الضيقة لنواهيها ، ذلك أن التجهيل بها أو إبـهـامها في بعض جوانبها لا يجعل المخاطبين بها علي بينة من حقيقة الأفعال التي يتعين عليهم تجنبها ، كذلك فإن غموض مضمون النص العقابي مؤداه أن يـُحـال بين محكمة الموضوع وبين إعمال قواعد منـضبطة تـُعـين لكل جـريمة أركـانها وتقرر عـقوبتها بـما لا خـفـاء فيه ، وهي قـواعـد لا ترخص فيها ، وتمثل إطارا لعملها لا يجوز تجاوزه ، ذلك أن الغاية التي يتوخاها الدستور هي أن يوفر لكل مواطن الفرص الكاملة لمباشرة حرياته في إطار من الضوابط التي قيدها بها ، ولازم ذلك أن تكون القيود علي الحرية التي تفرضها القوانين الجزائية محددة بصورة يقينية . ولا ريب أن غموض وإبهام وتخبط نص الفقرة ( و ) يجعلها متعارضة مع الدستور ومخالفة له .
كما خالفت الفقرة ( و ) من المادة 98 العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في مادته رقم ( 18 ( التي تنص علي :
1- لكل إنسان الحق في حرية الفكر والوجدان والدين. ويشمل ذلك حريته في أن يدين بدين ما، وحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره ، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم ، بمفرده أو مع جماعة ، وأمام الملأ أو على حدة .
2- لا يجوز تعريض أحد لإكراه من شأنه أن يخل بحريته في أن يدين بدين ما، أو بحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره.
3- لا يجوز إخضاع حرية الإنسان في إظهار دينه أو معتقده، إلا للقيود التي يفرضها القانون والتي تكون ضرورية لحماية السلامة العامة أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية.
كما خالفت الفقرة ( و ) نص المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية :
1- لكل إنسان الحق في اعتناق آراء دون مضايقة.
2- لكل إنسان الحق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها.
وغني عن مزيد البيان أن ما تضمنه العهد الدولي كان متجلياً حاضراً في ضمير المشرع الدستوري وهو يسطر دستور مصر ، والذي جاءت ديباجته التي تعد جزء لا يتجزأ منه لتؤكد علي أن لكل مواطن الحق بالعيش على أرض هذا الوطن في أمن وأمان ، وأن لكل مواطن حقاً فى يومه وفى غـده، وأن الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية حق لكل مواطن، ولنا ولأجيالنا القادمة السيادة فى وطن سيد.
ولهذه الأسانيد وغيرها مما ستكشفه إسهامات ومناقشات السادة أعضاء مجلس النواب الموقرين يظهر لسيادتكم مخالفة نص الفقرة (و) من المادة 98 من قانون العقوبات وتعارضها البـين مع فلسفة وأحكـام الدستور المصري الصادر في 2014 وبالأخص في مـواده أرقام 64 ، 65 ، 67، 71 ، 92 ، 95 ؛ وكذا العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية .
تحريراً 2/ 4/2016
أ.د / آمنــة مـحـمد نـصـير
عـضو مجـلس الـنـواب