(1)
طلبت مني إحدى الصحف العربية مقالاً عن العنصرية في مصر، ولما أبديت دهشتي من الموضوع، طرح على المتحدث عشرات الأمثلة التي تؤكد عنصرية المجتمع المصري، وهذا ما سوف أناقشه في مقال الغد، لكنني اليوم سأترك مساحة المقال (كما وعدت أمس) للدكتور أشرف عبدالمقصود ليحكي لنا حكايته الثانية، وهي حكاية تمزج السينما بالحياة، لتكشف جانبا من عنصرية الغرب حيث يعيش في بريطانيا، والممتع في حكاية الدكتور مقصود، أنها تتبع خطى التعبير الفني، ولا تتحدث بمباشرة جافة عن مشاكل شخصية، أو أحداث يومية تعرض لها في حياته هناك، فإلى مقال القارئ العزيز:
(2)
ضبطت نفسي متلبسا بمشاعر عنصرية تجاه رفيق السفر بالقطار، شاب أسود يجالس قبالتي واجماً، لاتنم ملامحه عن شئ محدد، ولا توحي تفاصيل وجهه بجنسيته, مع ذلك داهمتني ضده هذه المشاعر العنصرية البغيضة، حينها تذكرت عنصريه الغرب تجاهنا.. نحن أهل الشرق، وسكان مايسمي بالعلم الثالث، ومعتنقي الدين الإسلامي تحديداً.
الغرب عنصرية كامنة (3)
كيف ينظر إلينا الغرب؟ وهل من الضروري أن نهتم أو نفكر في كيفية نظرته لنا؟، وهل العنصرية هي العامل الأساسي والوحيد في هذه النظرة؟ وهل كانت أبيات كبلنج التي قال فيها «الشرق شرق، والغرب غرب، ولن يلتقيا أبداً» مقولة عنصرية بالضرورة؟، وهل يجب أن يلتقي الغرب مع الشرق كي لا يصبح كبلنج عنصرياً؟، والأهم إذا كنا نتهم الغرب بالعنصرية، فهل نحن أيضا عنصريون دون أن ندري؟!.
تزاحمت هذه الأسئلة في عقلي الحائر، فتذكرت مشاعر الغضب والألم التي أحسست بها قبل فترة وأنا أشاهد أحد الأفلام الأجنبية التي تتناول قضية العنصرية، وتذكرت أيضا صرختي المهموسة لنفسي عند نهاية الفيلم: تباً لك أيها الغرب الملعون!.. هل تتعاملون معنا كعينات لمتاحفكم؟!، واسمحوا لي أن أشرككم معي في تأملاتي عن هذا الفيلم المعنون «بادنجتون»، لنتعرف على وجهة نظر مؤلفه ومخرجه «بول كنج»، وهو شاب متخصص ي الكوميديا الخفيفة والدراما الموسيقية، ربما نعرف كيف ينظر لنا الغرب؟، وكيف ننظر نحن لأنفسنا؟،.. والأهم ربما نتعظ:
(4)
تبدأ أحداث الفيلم بمشهد لأحد المستكشفين البريطانيين يودع أسرته في طريقه إلى إحدى الغابات في بيرو ليستكشف فصائل جديدة من الحيوانات، للاحتفاظ بها محنطة في أحد المتاحف العلمية بلندن، وفي الغابة يتعرف المستكشف على فصيلة جديدة من الدببة، وقبل أن يقتل أحدها ليحصل على العينة، يضل طريقه في الغابة، وكاد يتعرض للهلاك لولا أنقذه أحد الدببة واستضافه في عالمه، شعر صاحبنا بالدهشة، لأنه معبأ بأفكاره العنصرية، وإحساسه بالتميز على باقي الكائنات، لكنه رأى في تعامله القريب مع هذا الفصيل من الدببة سلوكيات وأحاسيس إنسانية متحضرة تتفوق على سلوكياته وأحاسيسه الشخصية... المهم أن صاحبنا عاد من رحلته بلا عينة، مكتفياً بذكرياته وصداقته لقبيلة الدببة الطيبة التي أقتعته بسلوكها أنها كائنات حية متحضرة، وليست مجرد غنيمة صيد أو معروضات في متحف.
لقطة من فيلم بادنجتون (5)
أثناء مشاهدتي كنت أدرك الرمزية التي يتحدث بها الفيلم، فالمقصود بالدب هو نحن (غير الغربيين)، وأكمل لكم القصة فقد حدثت أزمة مناخية في الغابة، وتدهورت ظروف المعيشة، وفكر الدب كيف يحافظ على حياته المهددة، وقرر أن يسافر إلى لندن، متذكرا عبارة صديقه المستشكف البريطاني: «إذا قررت الحضور إلى لندن فسوف تجد ترحيباً حاراً»، ولما وصل الدب إلى محطه قطارات بادنجتون بلندن، شعر بالضياع والغربة، ولم يجد الترحاب الذي حدثه عنه صديقه المستكشف، وانتهى به المطاف لدى عائلة إنجليزية قررت أن ترعاه لما وجدت إشارة معلقة في حقيبته مكتوب عليها بالإنجليزية: «نرجو الاهتمام بهذا الدب» حتي يجد المأوي المناسب، وعانى الدب من العنصرية التي تعاملت بها معه الأسرة كجنس منبوذ أحط من جنسهم, وتعمد الفيلم تصوير همجية الدب، وسلوكه غير المتحضر مقارنه بسلوك أفراد الأسرة، وقلت لنفسي: هكذا ينظر الغرب «المتحضر» إلى كائنات غريية مثلنا..
(6)
يصل الفيلم إلى مشهد درامي يصور لنا اجتماع أعضاء المجمع العلمي مع المستكشف، ومحاسبته على فشله في الرحلة بعد أن عاد بدون عينة من الدببة، فلما دافع عن نفسه بأنه وجدهم كائنات متحضرة سخروا منه بالعنجهية المعروفة لدى الانجليز، فقال له أحدهم: إنهم حتي لا يتحدثون الإنجليزية!، وسأله الثاني: هل هم متحضرون مثلنا ويشربون الشاي؟ وقال ثالث: هل رأيتهم يلعبون الكريكت؟ بينما قال الرابع: وهل يحلون الكلمات المتقاطعة؟!
ولما كانت إجابة المستكشف على كل هذه الأسئلة بكلمة: «لا»، فقد ردوا عليه قائلين: إذن عن أي تحضر تتحدث؟!.. وفي نهاية الاجتماع نزعوا عنه شارة المستكشف، وألغوا عضويته في ناديهم وأعطوه ظهورهم دلالة على الاحتقار، لكن السؤال الذي لايزال يشغلني هو: إذا كان الغرب عنصريا، فهل نحن أيضا عنصريون؟!، مازلت أفكر، ولكن ربما يرانا كما نراه...!
(7)
الفيلم من النوع الخيالي (الفانتازي) ويعرض قضيته بأسلوب كوميدي يناسب الأطفال وسينما العائلات، وهو فيلم متقن الصنعة والحبكة والأداء التمثيلي، وهنا مكمن الخطورة لأن مثل هذه الأفلام تغرس رسالتها في المتلقي بنعومة دون أن يدري.
* وهذا رابط الفيلم لمن يريد مشاهدته أون لاين:
http://putlocker.is/watch-paddington-online-free-putlocker.htmlالمقال بقلم: دكتور محمد أشرف عبدالمقصود- بريطانيا
جمال الجمل
[email protected]