رغم عشوائية منطقة تل العقارب بالسيدة زينب وتردى الأوضاع فيها، إلا أن عشرات الأسر التي تسكنها ترفض إخلاء منازلها تمهيداً لتطوير المنطقة، الأهالى يؤكدون أنهم مجرد موتى على قيد الحياة.
يعود سبب رفض الأهالى للتطوير وتفضيلهم الموت تحت أنقاض المبانى الآيلة للسقوط إلى دمج عدة أسر ليسكنوا في شقة واحدة على سبيل الاستضافة لحين الانتهاء من المشروع، واستبعاد الآخرين من كشوف الحصر ما يجعلهم غير مستحقين لمسكن بديل، أو للعودة إلى موطنهم الأصلى بعد التطوير.
«المصرى اليوم» قامت بجولة في المنطقة التي تقع على مساحة 7 أفدنة منعزلة في تبة حجرية ترتفع نحو 4 أمتار عن المناطق العمرانية المجاورة لها، وتقطنها 530 أسرة تضم نحو 4 آلاف مواطن يقيمون في 230 منزلاً بحسب حصر محافظة القاهرة.
العقارات عبارة عن غرفة واحدة مبنية بالطوب اللبن أو الحجرى، ومطلية بالجير بأسقف خشبية ترتفع لطابقين أو ثلاثة بحمام مشترك وتفتقر لأبسط الخدمات من مياه شرب وصرف صحى ونظافة وغيرها.
وسط البيوت المهدمة وأكوام القمامة المنتشرة في المنطقة التقينا «هند محمد شاكر»، 30 سنة، وهى تحمل «جركن كبير» لملئه بالمياه النقية من المناطق المجاورة لسد حاجة أسرتها من مياه الشرب، قالت إنها تعيش هي وأطفالها الثلاثة (اثنان بالمرحلة الإعدادية وطفلة عمرها 4 سنوات وزوجها مسجون 9 سنوات في قضية مشاجرة)، داخل غرفة بـ1 حارة الدلال، وتسكن بالعقار 4 أسر، حيث قامت لجنة الحصر المكلفة بتعداد المنطقة لإخلاء السكان منها وتطويرها ثم عودتهم إليها مرة أخرى خلال عام، بإدراج أسرتين فقط، وطالبونا بإخلاء المكان بالقوة الجبرية، بعد تهديدهم بهدم العقار عليهم، لتقول السيدة المكلومة: «أروح فين أنا وأولادى.. أنا عملت محضر في القسم، وشكوى لرئيس الحى وقدمت الأوراق اللى تثبت أن زوجى مولود في الغرفة اللى بعيش فيها، وأبوه مولود فيها أعمل إيه تانى علشان آخد حقى؟».
ويذكر أنور محمد حسين، 67 سنة، القاطن بالعقار رقم 3 حارة الدلال المملوك له بالمنطقة، أن البيت تسكن به 5 أسر جميعهم أولاده، وتم تخصيص 3 شقق بديلة لهم بمنطقة 6 أكتوبر مقابل 60 جنيهاً شهرياً ليقيم بها الجميع، رغم أن من حق كل أسرة أن تكون لها خصوصيتها، لذلك لم يقبلوا السكن الجماعى رغم أنهم أقارب.
ويقول حسين: «أنا من مواليد تل العقارب، والمنطقة اللى مفيهاش أي خدمات هي ملك هيئة الأوقاف وإحنا بنسدد عوائد سنوية مقابل الإقامة، وبنطالب بتطوير وتوصيل المرافق للمنطقة من الثمانينيات، ولما الحكومة افتكرت إن إحنا عايشين هنا ذلتنا وأهانتنا، وكل شوية تدخل حملة من الحى تعاين بيوتنا وفى الآخر عايزين يخلونا بالقوة الجبرية من غير ما يقولوا لنا نروح فين».
وتؤكد ليلى عبدالحليم، المقيمة بالعقار رقم 14 بحارة الحطاب، أن المنزل مملوك لوالدتها وتقيم به 4 أسر، وأن لجنة الحصر خصصت لهم شقة واحدة، وقالت لهم: «شقة واحدة أو مفيش ولما طلبت منهم يشوفوا أمى قالوا لى إرميها في أي دار مسنين حكومية»، في الوقت الذي تعانى فيه والدتى من مرضى السرطان والسكر ولا تستطيع الحركة إلا عن طريق كرسى متحرك، ويستحيل أن تعيش مع أسرة أخرى داخل شقة في ظل ظروفها الصعبة». ويشكو ياسر محمد عقل، المقيم بالعقار رقم 4 حارة الحطاب، من إهمال المسؤولين لهم، ويلفت إلى أنه قام بتقديم شكوى إلى جميع الجهات المسؤولة بما فيها رئاسة الجمهورية، تؤكد أنه يعيش مع أسرته بتل العقارب منذ عشرات السنين، وليس لهم مكان إقامة غيره، وأن الجهات المسؤولة اتخذت إجراءات تعسفية ضدهم ولم تقم بتسليمهم وحدة سكنية بديلة مثل باقى الجيران، رغم تقديمهم جميع الأوراق الرسمية التي تثبت حقهم في مسكن.
وتقول عبير محمد على، إنها تعيش وأسرتها المكونة من 6 أفراد داخل غرفة في منزل وجميع أوراقها من قسيمة الزواج وشهدات ميلادها وميلاد أولادها على البيت الذي تعيش فيه، إلا أنه تم حرمانها من الحصول على شقة، وقال أشرف محمد مدبولى، 45 سنة، ويعمل خراطاً: «أنا معايا 3 أولاد بلف بيهم على المستشفيات من الأمراض اللى جتلهم بسبب الزبالة وطفح المجارى والمخلفات في المنطقة، إحنا عايشين ميتين وفى الآخر عايزين يرمونا في الشارع».
من جانبه يقول المهندس حسام رأفت، رئيس حى السيدة زينب، إنه في مطلع 2015 تم تشكيل لجنة من بحوث الإسكان، ومحافظة القاهرة، وإدارة التسكين بالحى، وبعض المهندسين من أحياء أخرى، حيث عاينوا المنطقة، وتم حصر الإقامة الفعلية، وعدادات الكهرباء مع الاستعانة بالحصر الذي أجراه المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية في عام 2012، وعندما تم بدء تلقى طلبات المساكن البديلة من أهالى تل العقارب تقدمت 1030 أسرة، وبعد المراجعة والتدقيق لصور المستندات المقدمة، تبين سلامة موقف 530 أسرة فقط.
وأضاف «رأفت» أنه رغم أن المنطقة ضمن أملاك الدولة إلا أنه قبل تنفيذ قرارات الإزالة تقوم لجنة من إدارة التسكين، والشؤون القانونية وضابط من شرطة المرافق وآخر من المباحث الجنائية بفحص المستندات مرة أخرى، مع عمل التحريات الدالة على الإقامة الفعلية وعدم الإقامة الصورية للمتقدمين لحجز وحدة سكنية بديلة، والتأكد من عدم وجود سكن بديل في أماكن أخرى، وأنه لم يسبق تعويضهم من إسكان المحافظة قبل ذلك.