أشم رائحة ثورة مكتومة، ليس سببها رغيف العيش، ولا الأربعة حيطان.. الثورة التى أقصدها هى ثورة الناس على نظام التعليم فى مصر.. قرأت فى أكثر من صحيفة، أمس، استغاثات الناس، بسبب قبول أطفالهم فى الحضانة.. بعضهم يقول إنه دفع 750 جنيهاً رسوماً لا تُرد، نظير دخول اختبارات قبول الأطفال فى مدارس لغات، فضلاً عن اختبار آبائهم أيضاً.. أما الثورة الأخرى فهى بسبب المناهج نفسها!
لم أصدق أن المدارس الدولية مازالت تتقاضى مصروفاتها بالدولار.. ولم أصدق أنها تتقاضى رسوم اختبارات تصل إلى ألف جنيه، نظير اختبارات القبول فى «كى. جى. وان» أضف إليها مصروفات تتجاوز العشرين ألف جنيه، والباص خمسة آلاف فى العام.. فما معنى هذا؟.. معناه أننا نعيش حالة لا منطق.. ومعناه أن هناك طماعين، كما أن هناك مغفلين.. أما الدولة «الصامتة» فقل عليها السلام!
وكنت أتصور أن يعتبر الوزير الهلالى هذه المسألة حياة أو موت، وإن دخل فى عش الدبابير.. بالطبع سوف يهاجمونه ويحرضون عليه الإعلام.. وسنسمع أنه لا ينفع ولا يشفع.. لا مانع.. فلا ينبغى أن نتعامل بالصياح، من جانب أصحاب المصالح.. أهم شىء أن يؤدى الوزير مهمته الوطنية.. أعرف أنه سوف يدخل معركة حربية، ولكن لا مانع مرة أخرى.. وإلا كيف يُعقل أن تحدث هذه السرقات «عينى عينك»؟!
والسؤال: ماذا فعل الوزير فى استغاثات المواطنين بشأن تجميع ملايين الجنيهات نظير اختبارات الأطفال فى عمر الحضانة؟.. هل تركهم وشأنهم مع المدارس؟.. هل تدخّل؟.. هل انتظر حتى تأتيه الشكاوى؟.. ماذا يفعل جهاز التفتيش عنده فى الوزارة؟.. أين وكلاء الوزارة فى كل مكان؟.. هل يُؤثر السلامة؟.. هل يخشى أصحاب السطوة والسلطان والنفوذ؟.. كيف يتصرف فى حيلة «السرقات الكبرى»؟!
أيضاً: لماذا تصر بعض المدارس على تحصيل الرسوم بالدولار؟.. ولماذا لم تتدخل الدولة إلى حد إلغاء تراخيصها؟.. ما الذى نخشاه؟.. أين أجهزة الدولة الرقابية؟.. هل هناك أصحاب مصالح تمثل دولة داخل الدولة؟.. لماذا نسمع استغاثات ولا نرى حلولاً حاسمة؟.. هل نترك الناس ضحايا «النصب العلنى»؟.. هل نقول مثلاً إنهم يستاهلوا؟.. هل نقول إن قضيتنا مع الغلابة، وليس من يدفعون آلاف الجنيهات؟!
للأسف، هناك مشكلة أخرى تتعلق بالمناهج.. وقد ثار الطلاب أنفسهم بسبب الحشو وأعمال السنة.. ثم فوجئنا أن الوزارة استجابت للطلبات فوراً.. فهل استجابت لأن هناك مشكلة حقيقية.. أم لأن الثورة كانت عارمة؟.. نريد منظومة محترمة يا سيادة الوزير.. نريد مناهج مشجعة ومدارس مشجعة.. لا تنتظر حتى يتمرد أولياء الأمور.. هناك أمور ينبغى علاجها من غير أى ثورة، وبدون أى استغاثة!
يا معالى الوزير، ادخل «عش الدبابير» بكل قوة ونحن معك.. لا تهتم بتحريض «أصحاب المصالح» عليك.. انسف حمامك القديم.. تستطيع إحالة المتلاعبين فى قبول الأطفال إلى النيابة.. «عاوزين مصر تنضف».. وبالمناسبة لن يتحقق هذا الهدف الأسمى إلا بتعليم محترم، أولاً وأخيراً.. فهل تستطيع؟!