في منزل بسيط بشارع عبدالرحمن عطية بمنطقة السينما الشهيرة بوراق العرب في الجيزة، كان يقطن مصطفى مصباح عطية، القيادي بتنظيم «أجناد مصر»، والذي تحول فجأة إلى ثكنة عسكرية بعد تبادل «الشيخ مصطفى»، كما يناديه السكان، إطلاق النيران مع قوات الأمن، ما أدى إلى مصرعه وإصابة ضابطين بقطاعي الأمن الوطني والمركزي، فجر السبت.
كانت قوة أمنية مكونة من «مدرعة» وسيارتي شرطة وعناصر من القوات الخاصة تحركت لضبط مصطفى بعد صدور قرار من نيابة أمن الدولة العليا بضبط وإحضار قيادي «أجناد مصر»، المتهم بقتل العميد طارق المرجاوي، مفتش مباحث غرب الجيزة الأسبق، في تفجير جامعة القاهرة العام قبل الماضي، حسبما أكدت تحقيقات نيابة حوادث شمال الجيزة.
وانتهت المعركة المسلّحة بعد نحو 45 دقيقة من تبادل إطلاق النيران، وتم فتح الطريق العام بشارع السينما أمام حركة السيارات، وحمل أفراد الإسعاف جثة القتيل داخل كيس بلاستيك أسود، ونقلوه إلى مشرحة زينهم تحت إشراف النيابة، كما رصدت «المصري اليوم» في معايشتها للحادث.
روى الأهالي أن جد القتيل، ويُدعى الشيخ عاشور، مات منذ سنوات عدة، وكان محفظًا للقرآن الكريم، حيث يعرفه جميع أهالي المنطقة، خاصة أنه توفي عن عمر يزيد على المائة عام، بعد أن علَّم معظم الأهالي القراءة والكتابة في صباهم.
«الشيخ مصطفى مات والمنطقة سيقلب حالها رأسًا على عقب»، هكذا أخبرني سائق الميكروباص عم محمد الذي نقلنا من منطقة إمبابة إلى خط «سيما جوه»، كما اعتاد الناس أن يطلقوا على المنطقة، حيث مدخل شارع القيادي بـ«أجناد مصر»، ويشير الرجل الخمسيني إلينا قبل نزولنا من السيارة إلى أن المنطقة مليئة بعناصر إخوانية متخفية، اعتادت التظاهر كل يوم جمعة، بداية من منطقة ملف السينما إلى شوارع التل، والعشرة، ومسجد عثمان معن.
لافتة كبيرة معلقة أعلى منزل، مواجهة للسينما التي أغلقت أبوابها منذ 10 سنوات على الأقل، كما يؤكد الأهالى، هي أول ما يلفت نظرك، اللافتة تحمل صورة عمرو عزت، أمين شرطة من قوة قسم الوراق، الذي قتل على يد عناصر ما يسمى «تحالف دعم الشرعية» الموالية لجماعة الإخوان، وصديق له يدعى ياسر سامى، لدى خروجهما من مركز شباب الوراق.
يقول مصدر قضائى بنيابة شمال الجيزة إن المنطقة بالفعل تقطنها عناصر إرهابية، كان أحدهم المتهم محمود رشاد، الصادر له قرار بضبط وإحضار في قضية مقتل أمين الشرطة وصديقه وارتكاب أعمال عدائية ضد منشآت عامة، منذ أواخر سبتمر 2015.
عند منزل قيادى «أجناد مصر» كانت النسوة متشحات بالسوّاد، وأقرباؤهن يرفضون الحديث، وقالوا إنهم منشغلون في إنهاء إجراءات التصريح بدفن مصطفى.
سائقو الميكروباص الذين تضرروا من المعركة المسلحة إثر استقرار طلقات الرصاص في سياراتهم التي ركونها في جراج متاخم لمنزل «مصطفى»، أمسكوا بالطلقات وقالوا: «لا نستطيع الكلام في السياسة، الناس هنا كلها تعرف بعضهم البعض»، مضيفين: «نتحمل فاتورة إصلاح السيارات بدلًا من اصطحابنا إلى أقسام الشرطة والتحفظ على سياراتنا التي لا تحمل لوحات معدنية»، مؤكدين أن القتيل ابن عمه سائق زميل لهم، ويخشون من بطش عائلتهم المعروفة بكثرة أعدادها.
عند محل حلوى يدعى «كاجول» كان يقف شاب في العشرينيات من عمره، فضل عدم ذكر اسمه، قال إنه شاهد ما وصفه بـ«المعركة المسلحة»، مستدركًا: «كأننا شاهدنا فصلًا من أهوال يوم القيامة».. الأصوات كانت مختلطة «مدافع رشاش.. صريخ نساء.. ناس تهرول.. سيارات أمن تجيء وتذهب.. الشوارع المغلقة.. حركة الميكروباصات توقفت.. ضباط يحملون زملاءهم ويهرولون داخل مدرعة ثم سيارة إسعاف.. أناس بالعشرات يأتون من كل مكان.. شرفات المنازل كلها مضاءة تشاهد بحذر هذا الفصل ليوم القيامة.. بكاء الأطفال الرضع فجأة يعلو مع أذان الفجر.. تتوقف أصوات النيران بعد إعلان القوات مقتل الشيخ مصطفى».
ويقول عم عتمان فكرى، أحد السكان: «قوات الأمن حضرت إلى المنطقة قبل حلول الفجر، وأنزلوا من سيارة شرطية شخصًا ملتحيًا أرشدهم عن منزل (مصطفى)، وعندما استشعر الأخير قدومهم إليه، بادر بإطلاق النيران، فاعتلت القوات برجًا لتربية الحمام في عقار مقابل لمنزل الإرهابى وتمكنوا من قتله بعد إصابته ضابطى شرطة، حيث كان مصطفى يطلق الرصاص من أعلى سطح منزله».
بالالتفاف إلى خلف منزل «مصطفى» كان هناك جراج به آثار للمعركة.. تمثلت في طلقات الرصاص متناثرة على الأرض، وزجاج السيارات الأمامى والخلفى مهشم، واشتكى العاملون بالجراج مما سموه سوء سلوك القتيل، الذي كان يبادر دائمًا بتوبيخهم على كل صوت لهم يعلو، أو خشيته لاصطدام السيارات بجدران المنزل.
وفى سياق متصل، صرّحت نيابة حوادث شمال الجيزة الكلية، بإشراف المستشار أحمد البقلى، المحامى العام الأول للنيابات، بدفن جثمان القتيل، وتبينّ من خلال مناظرة الجثة إصابة القتيل بطلقات تتراوح بين 8 و10 طلقات بمناطق الكتف، والصدر، والذراع، والرأس، والبطن، والظهر، وأحدث بعضها فتحات دخول وخروج.
وأفادت التحقيقات بأن القوات تمكنت من السيطرة على «مصطفى»، وأطلقت نحوه النيران من خلال اعتلاء أسطح عقارات مواجهة للعقار الذي يسكنه، بعد أن استقبلهم المتهم بوابل من الأعيرة النارية، فأصاب محمد أحمد الحوفى، الضابط بالأمن المركزى بالظهر، والذى يخضع لجراحة داخل غرفة عمليات مستشفى الشرطة بالعجوزة، وكذا محمد أحمد هاشم، الضابط بالأمن الوطنى، بطلق نارى في القدم اليسرى، وتبينّ من خلال التحقيقات أن المتهم أصاب الضابط «هاشم» بطلقة بالقدم، ثم فر إلى سطح العقار محل سكنه، وأطلق الرصاص على قوات الشرطة ببندقية آلية، فاعتلت القوات سطح عقار مواجه له، وبادلته إطلاق النيران، فيما حاصرته قوة أخرى من عقار مجاور حتى تمكنت من قتله.
وعثرت النيابة خلال معاينتها مسرح الحادث على بندقية آلية و140 طلقة من ذات العيار، تم تحريزها لفحصها بمعرفة خبراء الأدلة الجنائية، الذين رفعوا آثار بقع دماء غزيرة من سطح عقار المتهم لمضاهاته بدمائه.
وانتهت النيابة إلى قرارها بالاستعلام عن تسليح القوة الأمنية المشاركة في الحملة التي خرجت لضبط المتهم، فضلًا عن الحالة الصحية للضباط المصابين في تبادل إطلاق النيران، وطلبت تحريات قطاعي الأمن العام والوطني بوزارة الداخلية لكشف ملابسات الحادث.