x

هل تنجح «مغامرة» السراج ورفاقه في نقل ليبيا من الفوضى إلى الاستقرار؟ (تحليل إخباري)

وسط شكوك مصرية ودعم دولي وخبث الأمريكي
السبت 02-04-2016 17:31 | كتب: حمدي الحسيني |
 فائز السراج - صورة أرشيفية فائز السراج - صورة أرشيفية تصوير : آخرون

حبس أكثر من 7 ملايين ليبي أنفاسهم منذ وصول المجلس الرئاسي برئاسة فائز السراج الأربعاء الماضي إلى العاصمة طرابلس على متن بارجة ليبية، وترقب الجميع نتيجة هذه المغامرة التي وضعت حداً لانقسام الليبيين وزرعت في نفوس الناس الأمل في عودة الاستقرار والأمن بعد خمسة أعوام من الفوضى والاقتتال.. ورغم رهان على وعود غربية ودولية لضمان أمنه ونوابه الستة إلا أن الأمر لم يخلو من المجازفة بحياتهم، بعد صدور فتاوي بإهدار دمائهم والدعوة إلى طردهم بالقوة خارج ليبيا.

ظل دخول المجلس الرئاسي إلى العاصمة الليبية حلماً يداعب خيال الليبيين طوال الشهور الأخيرة، خاصة بعد توقع الاتفاق السياسي بين الفرقاء في مدينة الصخيرات المغربية نهاية العام الماضي، لكن ظل الاتفاق حبراً على ورق أمام تعنت ورفض وتهديد الحكومة الإخوانية التي تسيطر على طرابلس بالقوة منذ أكثر من عامين، مستندين في تشددهم إلى هيمنتهم الكاملة على مؤسسات الدولة عبر 11 ميليشيا مسلحة بكافة أنواع الأسلحة الثقيلة التي ورثوها عن نظام القذافي، إلى جانب فرض سياسية الأمر الواقع وتعميق الانقسام والفرقة بين أبناء الشعب الواحد.

الوضع السياسي المعقد في ليبيا، كان يستدعي خطوة جريئة من المجلس الرئاسي، للبدء في تحويل اتفاق الصخيرات الذي وقعه الفرقاء نيها العام الماضي إلى واقع ملموس، وسط ظروف دولية لا تقل تعقيداً عن الواقع الليبي ذاته، فلا الولايات المتحدة راغبة في ممارسة ضغوط كافية لردع الإسلاميين المتشددين، ولا الدول الأوروبية قادرة على التحرك بمفردها لفرض الاستقرار في أهم وأغني بلد نفطي لا يفصله عنهم سوى أمواج البحر المتوسط وإرهابيو داعش المنهمكون في بناء إمارتهم الإسلامية بمدينة سرت على الضفة الجنوبية للمتوسط.

إذن.. كان على السراج ورفاقه خوض المغامرة مهما كانت العواقب.. فقد سبق محاولة الأربعاء البحرية محاولة جوية، لكنها فشلت بعد أن أغلقت حكومة ( الإنقاذ) المتطرفة المجال الجوي الليبي، وهددت بقصف طائرة الوفد بعد إقلاعها من الأراضي التونسية، مما اضطرها إلى العودة مرة أخرى، كما رفضوا أيضاً الإذن لطائرة المبعوث الدولي الخاص بليبيا كوبلربالهبوط في مطار مصراتة القريب من العاصمة طرابلس.. في تلك الأثناء وصل إلى تونس السكرتير العام للأمم المتحدة بانكي مون، والمبعوث الأمريكي الخاص إلى ليبيا «جونثانوينر»، وعقد السراج معهما لقاءين منفصلين، وجري الاتفاق على تفاصيل الخطة البديلة لدخول العاصمة عبر الإبحار من ميناء صفاقص التونسي على متن الزورق الحربي «السداد» التابع للبحرية الليبية، واتخاذ قاعدة «قاعدةأبوستةالبحرية» مقراً مؤقتاً للمجلس باعتباره موقعاً يسهل تأمينه من مختلف الاتجاهات، وهو ما دعا رافضي المجلس إلى اتهامه بالوصول على متن سفينة حربية إيطالية، بهدف التشكيك في وطنية المجلس الرئاسي بعد صدمة وصوله بحراً من حيث لا يتوقع أحد.

كانت بوصلة المشددين في حكومة الإنقاذ بزعامة رئيسها خليفة الغويل والمؤتمر الوطني المنتهي ولايتهبرئاسة نوري أبوسهمين تتجه إلى واشنطن لتلتقط منها أي إشارة تحدد مسار تصرفها تجاه مفاجئة وصول المجلس الرئاسي إلى العاصمة، ونجحت لجنة التنسيق الأمني التابعة للمجلس الرئاسي في عقد صفقة مسبق مع قادة الفصائل المسلحة، يتم بموجبها دمجهم في الجيش الليبي المرتقب، وعدم ملاحقتهم جنائياً في مقابل التزام الحياد وعدم التورط في أي عمل يهدد حياة أعضاء المجلس.. نجاح هذه الصفقة ثبت من جديد أن الولايات المتحدة هي المتحكم الرئيسي في سلوك التيارات الإسلامية المتشددة ليس فقط في ليبيا بل ربما في منطقة الشرق الأوسط برمتها، وعندما التزمت واشنطن الصمت واكتفتت بإرسال مبعوث خاص وبيان يدعم المجلس الرئاسي، خفف الغويل من تهديداته بالقبض على السراج ورفاقه، واكتفي بوصف المجلس بأنه غير شرعي، وحركوا أذرعهم التحريضية ممثلة في مفتي ليبيا المعزول الصادق الغرياني الذي لوح بإعلان الجهاد ضد المجلس الرئاسي، وطالب جماعة الإخوان الليبية وحزبها العدالة والبناء بضرورة التصدي لهذا المجلس الذي يعارض تطبيق الشريعة و«المفروض»على الليبيين من الخارج !.

المفاجأة أن حزب الإخوان رد على بيان الغرياني، بالرفض، وفند مزاعمه بأنه ليس مفروضاً من الخارج، وأن المجلس إفراز طبيعي للاتفاق السياسي، كما أنه أقر أن الشريعة الإسلامية هي مرجعية كل القوانين.. انحياز حزب الإخوان وتأييده للمجلس الرئاسي قلب الموازين وسط القوي السياسية الليبية، ودفع العديد من القوي إلى تعديل مواقفها، والتحول من رفض التعامل مع السراج إلى فتح الباب للتعاون معه خلال المرحلة القادمة.

كثير متفائلون بوصول السراج إلى العاصمة، وظهر ذلك من الحفاوة الشعبية التي قوبل بها عقب أداء صلاة الجمعة بأحد مساجد طرابلس، كما نجح مؤيدوه من تحرير ميدان الشهداء من الإسلاميين الرافضين للسراج وحكومة الوفاق، ويعتقد الكثير من الليبيين أن الغويل وأبوسهمين وما يستندون عليه من تشكيلات مسلحة سوف تخضع للإرادة الشعبية التي يدعمها المجتمع الدولي في نهاية المطاف وربما تندمج هذه القوي في العملية السياسية التي أقرتها الفصائل المختلفة في مدينة الصخيرات المغربية، لكن المشكلة الكبرى أمام المجلس تأتي من الشرق.. وفي الشرق هناك البرلمان المنتخب في طبرق لا يزال يعاني من الانقسام، بعد أن أيد ثلث النواب بشكل ودي المجلس الرئاسي في حين فشل المجلس عدة مرات في عقد جلسة منح الثقة لحكومة الوفاق، مما جعلها فاقدة للشرعية الشعبية رغم تمتعها بالشرعية السياسية.

ويأتي الجنرال خليفة حفتر الذي يعد رقما صعبا في المعادلة الليبية، فلا شك أنه أصيب أيضاً بالصدمة من نجاح مغامرة السراج، فقد كان يراهن على عدم قدرة المجلس الرئاسي دخول العاصمة مهما كانت الضغوط، فإذا به الآن مكشوف الظهر خاصة بعد إعلان قائد حرس المنشآت النفطية وضع قواته تحت تصرف المجلس الرئاسي وحكومة التوافق، وهذا يعكس المأزق السياسي الذي يواجههحفتر، كما يحدد خياراته في أحد اتجاهين، إما أن يسلم بسياسة الأمر الواقع ويتعاون مع السراج فيضمن له مكاناً مرموقاً في قطار السلطة الليبية التي تتشكل في طرابلس حالياً، أما الاختيار الأخر أن يواصل تحقيق حلمه في حكم ليبيا، ويعلن تشكيل مجلس عسكري برئاسته، ويبدأ معركة جديدة ربما تنتهي بتقسيم ليبيا في أفضل الأحوال، في حال ما إذا تركه المجتمع الدولي ينفذ هذا السيناريو من دون ان يضمه إلى قائمة العقوبات الدولية التي تنتظر معرقلي اتفاق الصخيرات إلى جانب خليفة الغويل وأبوسهمين وعقيلة صالح رئيس مجلس النواب إذا ظل يعرقل منح حكومة الوفاق الثقة كي تبدأ ممارسة عملها في بسط الأمن وبناء مؤسسات الدولة الليبية على أسس حديثة وفقاً لما نص عليه الاتفاق السياسي.

إذا كان موقف المجتمع الدولي من حكومة السراج جسدته مواقف كل من السكرتير العام للأمم المتحدة والمبعوث الأمريكي الخاص إلى ليبيا، وكما أن الموقف الأوربي عبرت عنه الممثلةالساميةللسياسةالخارجيةوالأمنيةبالاتحادالأوروبي،ونائبةرئيسالمفوضيةالأوروبية،فيدريكاموغيريني،التي عقدت مؤتمراً صحفياً بعد ساعات من وصول السراج إلى طرابلس دعت خلاله الليبيين إلى عدم تفويت فرصة دعم حكومة التوافق للانتقال بالبلاد من الفوضى إلى الاستقرار.. السؤال الذي يطرح نفسه ما موقف مصر ودول جوار ليبيا تجاه وصول المجلس الرئاسي إلى طرابلس؟

الموقف المصري الرسمي عبر عنه وزير الخارجية سامح شكري في أكثر من مناسبة بأن مصر مع الشرعية وتدعم حكومة التوافق، كما تؤيد موقف الجيش الوطني بقيادة الجنرال خليفة حفتر!.. موقف مصر المتشكك في حكومة السراج يرجع إلى تخوفها من تسلل عناصر إخوانية توجهه لاحقاً في اتجاهات تخدم الجماعة ولا تخدم الشعب الليبي كما حدث مع جبهة النهضة التونسية أثناء فترة المد الإخواني التي أعقب سقوط الأنظمة السياسية الفاسدة في كل من تونس ومصر وليبيا.. قلق مصر ( المشروع) يأتي من وجود أحمد معيتيقة وفتحي المجري كنواب للسراج في المجلس الرئاسي، بسبب قربهما من التيارات الإسلامية والإخوان إلى جانب أن الاتفاق السياسي أعطي للتيارات الموالية للإخوان أيضاً الحق في الانضمام إلى مجلس الدولة الذي يعد بمثابة غرفة ثانية للبرلمان حيث منحهم 90 مقعد من أصل 120 إجمالي عدد أعضاء المجلس.. مخاوف مصر لم يبددها تعهد السراج للقيادة السياسية وللأجهزة السيادية، بأن حكومة التوافق لن تسمح بأن يتم السيطرة عليها من تيار بعينة وستعمل باستقلال تام لمراعاة المصلحة الليبية العليا التي لن تتعارض مع المصالح والأمن القومي المصري.

أما باقي الأطراف خاصة تونس والجزائر والسودان، فهناك شبه اجماع بين الأطراف الثلاثة على ضرورة إشراك كافة التيارات السياسية بما فيها الإخوان في العملية السياسية الليبية لضمان نجاحها.. هذه الأطراف تري أن نجاح حكومة التوافق مرهون بعدم اقصاء أي طرف.. فهل تنجح مغامرة السراج في نقل ليبيا من الفوضى إلى الاستقرار أم تكون مجرد حلقة من حلقات السيرك السياسي الذي يعيشه الشعب الليبي منذ سقوط حكم القذافي؟

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية