عرض المهندس شريف إسماعيل، رئيس مجلس الوزراء، برنامج حكومته على مجلس النواب قبل يومين، فى التطبيق الأول لنص المادة 146 من الدستور، التى تستوجب موافقة المجلس بأغلبية أعضائه عليها خلال ثلاثين يوماً على الأكثر. فإن لم يحدث يُكلف رئيس الجمهورية رئيساً لمجلس الوزراء بترشيح من الحزب أو الائتلاف الحائز على أكثرية مقاعد مجلس النواب، ويكون أمامه هو الآخر ثلاثون يوماً للحصول على موافقة أغلبية أعضاء مجلس النواب، فإن لم يحدث عُدّ المجلس منحلاً، ويدعو رئيس الجمهورية لانتخاب مجلس نواب جديد خلال ستين يوماً من تاريخ صدور قرار الحل.
وبالطبع ووفقاً للمادة السابقة، فسوف يكون مجلس النواب عبر اللجنة الخاصة التى شكلها لهذا الغرض هو الجهة الرسمية الوحيدة المنوط بها مناقشة هذا البرنامج والموافقة عليه أو رفضه، إلا أن هذا لا يمنع أى مواطن مصرى مهما صغر شأنه من أن يناقشه فى وسائل الإعلام وغيرها من سبل الحوار العام، وهو ما سنحاول القيام به فى السطور التالية..
لقد تشكل البرنامج من عدة أقسام، تضمنت تفاصيله المقرر قيام الحكومة به خلال الفترة القادمة التى حددها بعامين ينتهيان فى يونيو 2018، على أن تتم مراجعة شاملة له فى يناير من نفس العام، وهذا بالوضع فى الاعتبار مستهدفات المرحلة التالية التى تنتهى بالعام المالى 2020/ 2021، وفى إطار استراتيجية التنمية المستدامة ورؤية مصر لعام 2030. وبصورة عامة فإن البرنامج قام على ثلاثة أنواع من العناصر التى بالصدفة أو بالعمد، كان كل منها سبعة.
فالحكومة رأت أنها تطلق برنامجها فى ظل وجود سبعة تحديات رئيسية تحيط بالبلاد ومن ثم تطبيقه، وهى:
1- تحديات تواجه الأمن القومى على الصعيدين العربى والإقليمى، بما يستوجب تعزيز الإنفاق على الدفاع والأمن الداخلى والخارجى.
2- الزيادة الكبيرة فى السكان وعدم القدرة على الوفاء بمتطلباتها.
3- انخفاض جودة الخدمات العامة من تعليم وصحة وإسكان وصرف صحى، والحاجة لضخ مزيد من الموارد لرفع مستواها.
4- التباطؤ الشديد فى النشاط الاقتصادى، وارتفاع معدل التضخم.
5- استمرار ارتفاع عجز الموازنة العامة وارتفاع الدين الداخلى والخارجى.
6- انخفاض تنافسية الاقتصاد المصرى.
7- كل هذا فى ظل المشهد الاقتصادى العالمى وما يحيط به من مخاطر.
أما المبادئ التى تحكم عمل الحكومة كما أوردها برنامجها، فهى أيضاً سبعة، وهى:
1- الجدية فى عملية الإصلاح على كل المستويات بالتعاون والتنسيق مع مجلس النواب.
2- فى مواجهة المشكلات والتحديات الكبيرة والضخمة، الحكومة عازمة على اتباع المنهج العلمى السليم، وسيكون عليها اتخاذ العديد من القرارات الصعبة التى طالما تم تأجيلها، وأصبح هذا حتميًا اليوم حتى نخطو إلى مستقبل أفضل.
3- إن اتخاذ أى إجراء اقتصادى سوف تصاحبه برامج للحماية الاجتماعية بالقدر المناسب، كما أن أى برنامج اجتماعى لن يتم إلا بتوافر موارد تمويله بما يضمن استدامته واستمرار استفادة المستهدفين منه.
4- لن تتهاون الحكومة مع الفساد، وستعمل يداً بيد مع مجلس النواب ومع كل الأجهزة الرقابية لمكافحة كل أشكال الفساد.
5- أهداف الحكومة محددة وواضحة، تسهل متابعتها وتقييم مدى التقدم المحرز فى تحقيقها، بما يعزز من قيم الحوكمة والشفافية والمساءلة.
6- ستعمل الحكومة مع القطاع الخاص، وستعالج البيروقراطية، وستعيد بناء الجهاز الإدارى للدولة على أسس من الكفاءة والنزاهة والفاعلية.
7- صالح الوطن ورضاء المواطن هما بؤرة اهتمام الحكومة، وستحظى قطاعات التعليم، والصحة، والمرور بأولوية مطلقة.
وبناء على التحديات والمبادئ السابقة فقد حددت الحكومة سبعة أهداف ومحاور لبرنامجها، وهى:
1- الحفاظ على الأمن القومى المصرى فى مواجهة التحديات المحلية والإقليمية والعالمية.
2- ترسيخ البنية الديمقراطية لمصر الحديثة وتدعيمها.
3- تبنى رؤية للتنمية الاقتصادية الشاملة والمتوازنة قطاعياً وجغرافياً.
4- ترسيخ مبادئ العدالة الاجتماعية ورفع كفاءة الخدمات المقدمة إلى المواطنين.
5- تطوير البنية الأساسية الداعمة للنشاط الاقتصادى وللتنافسية.
6- الإسراع فى تطبيق الإصلاح الإدارى، وتحقيق المزيد من آليات الشفافية والنزاهة اللازمة للنمو الاقتصادى.
7- تعزيز الدور الرائد لمصر عربياً وأفريقياً ودولياً.
والملاحظة العامة الرئيسية بعد عرض التحديات والمبادئ والأهداف، هى الهيمنة شبه الكاملة للموضوعات ذات الطابع الاقتصادى والمالى على الحكومة المصرية الحالية، وهو ما اتضح فى توسعها الشديد فى تناولها برنامجها مقابل الاختصار المخل فى تناول الموضوعات الأخرى ذات الطابع السياسى والاجتماعى والثقافى. فإدراك الحكومة للتحديات اقتصر على ستة ذات طابع اقتصادى ومالى وواحد فقط أمنى داخلى وخارجى، بينما لم تر فى الواقع المصرى المعاش أى تحد ذى طابع سياسى، مثل استكمال بناء الديمقراطية أو استكمال حقوق الإنسان، أو تحديات اجتماعية، مثل تزايد حدة الفوارق بين الطبقات، وتراجع الطبقة الوسطى، ومعاناة الشباب، وصعوبة دمج قطاعات مهمة منهم فى مؤسسات الدولة. وكانت المفاجأة الأكبر فى برنامج الحكومة فى هذا السياق هى عدم تعرضها لقضية الإرهاب متعدد الأطراف والأشكال الذى تواجهه مصر بقوة بعد 30 يونيو 2013، بكل ملابساته الأمنية والسياسية والاجتماعية، وهى لم تر فيه تحدياً يستحق ذكره مع التحديات السبعة الأخرى، على الرغم من أنه يواجهها ويواجه المجتمع بصورة يومية.
وبالانتقال إلى المبادئ التى تحكم عمل الحكومة، بحسب برنامجها، نجد أنها اضطرت إلى العودة للحديث عن السياسة والموضوعات الاجتماعية، ليس فى حد ذاتها ولا انطلاقاً من أهميتها، بل استناداً إلى ما رأته سبلاً لأخذ موافقة ورضاء الأطراف السياسية، خاصة مجلس النواب، على برنامجها. وقد تكرر حديث الحكومة عن مجلس النواب وتعاونها معه مرتين فى المبادئ التى أعلنت أنها تحكم عملها، مرة فى إجراء عملية الإصلاح الاقتصادى، ومرة ثانية فى مكافحة الفساد، وهو ما يمكن تفسيره بأحد تفسيرين أو بهما معاً: الأول هو رغبتها فى تشجيع المجلس على موافقته على برنامجها، والثانى هو تحميل المجلس المسؤولية معها، خاصة فيما أشارت إليه من ضرورة «العديد من القرارات الصعبة التى طالما تم تأجيلها» على الصعيد الاقتصادى، وهو ما يبدو واضحاً أنه يمس الدعم المقدم للطبقات محدودة الدخل.
أما عند حديث الحكومة فى برنامجها تفصيلاً عن محاوره وأهدافه، فقد عادت الموضوعات السياسية والاجتماعية لكى تشمل اثنين من السبعة. فقد جاء ترسيخ البنية الديمقراطية لمصر الحديثة فى المرتبة الثانية للأهداف والمحاور، بينما أتى ترسيخ مبادئ العدالة الاجتماعية ورفع كفاءة الخدمات المقدمة إلى المواطنين فى المرتبة الرابعة، وظل الحفاظ على الأمن القومى المصرى فى المرتبة الأولى، وأتى هدف عام غير محدد فى المرتبة السابعة، وهو تعزيز الدور الرائد لمصر عربياً وأفريقياً ودولياً.
وقد حظى موضوع ترسيخ الديمقراطية بصفحتين وربع الصفحة فقط من البرنامج الذى وصل عدد صفحاته إلى 79 صفحة، وشمل بصورة محددة ثلاثة موضوعات فقط، هى: تحديد موعد الانتخابات المحلية فى الربع الأول من عام 2017، والتزام الحكومة بالتطوير الكامل لمجلس النواب من حيث البنية الأساسية والمعلوماتية بما يدعم أداء عمله وتعاونه معها، والتزامها بما جاء فى الدستور بالنسبة للصحافة والإعلام والتشريعات المقررة لتنظيم مجالهما. وغير هذه الموضوعات الثلاثة لم يأت فى برنامج الحكومة أى حديث عن أى سياسات أو تشريعات أو قرارات تتعلق بالهدف الذى طرحته عنواناً لهذا المحور، وهو «ترسيخ الديمقراطية»، بما فى هذا استيعاب الكتلة الحرجة من الشباب الغاضب سياسياً، ولا الالتزامات التشريعية التى يجب على الحكومة، وفقاً للدستور، التقدم بمشروعات قوانين لها لمجلس النواب، والتى حفل بها باب «الحقوق والحريات والواجبات العامة»، ولا الوسائل التى يمكنها القيام بها لتعزيز قيم الديمقراطية ومؤسساتها الرسمية والسياسية والأهلية. وحتى عندما تحدثت الحكومة بصورة غائمة وغامضة عن القرارات الصعبة التى طالما تم تأجيلها وحان وقت اتخاذها، لم تعرض أى تصور للسبل السياسية التى يمكن بها مواجهة ردود الأفعال الشعبية عليها، ولا الإجراءات التى يجب اتخاذها لامتصاصها أو تجنبها، ولا الجهات والأطراف السياسية الأخرى، الرسمية وغير الرسمية، التى ستلجأ إليها لكى تتعاون معها لدى اتخاذ هذه القرارات ومواجهة ردود الأفعال عليها.
وبصورة عامة، بدا واضحاً غياب العقل السياسى عن الحكومة وبرنامجها، ليس فقط بخصوص الموضوعات السابقة، بل أيضاً عند اكتشاف غياب ثلاث قضايا سياسية رئيسية تشغل الرأى العام المصرى عن هذا البرنامج، وهى: قضية سد النهضة، التى لم تحظ سوى بكلمات قلائل عامة لا توضح أى سياسة أو مسار محدد تجاهها، وقضية تعثر السياحة إلى مصر بسبب ما يواجه صورتها الخارجية من سلبيات ذات طابع سياسى بالأساس، بعضها يعود لأوضاع داخلية، والآخر يعود لنشاط جهات خارجية بقوة وكثافة من أجل تدمير الصورة المصرية لدى العالم. وأخيراً، قضية العلاقة بين أجهزة الشرطة وبعض فئات المجتمع المصرى وما بات يحيط بها خلال الفترة الأخيرة من شوائب كثيفة كانت تستلزم تصوراً حكومياً محدداً ومفصلاً لإزالتها.