من الملاحظ أن كل اللاعبين فى المنطقة العربية أصبحوا يلعبون لصالح إسرائيل ويحصدون لها دون أن تطلب نقاطاً تقويها وتزيدها حصانة. حتى المواطن العادى الذى كان يفزع من ذكر اسم إسرائيل، وكان لا يرتاح قبل أن يسب ويلعن قادتها ويستعيذ بالله منهم، تغّير الآن وأصبح يلتمس لإسرائيل الأعذار إذا ما اعتدت على طرف عربى!. ولعل إحساس المواطن بأن سلطات بلاده لم تعد تحمل لإسرائيل عداء كما فى السابق، بل أصبحت تصوّت لها بالتأييد فى المحافل الدولية قد ساهم فى أن الناس فى بلادنا أصبحت تنقسم إزاء إسرائيل إلى ثلاثة أنواع.. نوع ينظر لها كدولة عادية يحق له أن يحبها ويتعاون معها لو وافق ذلك مصالحه فى البزنس، وهؤلاء غالباً رجال أعمال وإعلاميون، ونوع ثان يمكن تسميته الكتلة التافهة، وهى تتألف من المواطنين الذين يشعرون بالأمان فى تبنيهم مواقف السلطة ولا يريدون أن يبتعدوا عن هذه المواقف حتى لو تناقضت مع مكوناتهم أو حتى مع معتقداتهم الدينية.. المهم أن يكون ما يؤمنون به مطابقاً للموقف الرسمى، وبما أن الأيام الدوارة قد أبطأت دورانها عند مرحلة إسرائيل الحلوة وجعلت منها صديقاً موثوقاً به، فى حين جعلت كل من يقاومها يُصنّف إرهابياً ويدخل فى خانة الأعداء، فإن المواطن التافه أصبح يرى إسرائيل دولة جارة تحمل قيم الديمقراطية وتشبه الغرب المتحضر.. من الممكن طبعاً أن يتغير هذا كله إذا غيرت السلطة موقفها فى أى وقت، لكن مادام الإعلام مازال يتبنى هذه النظرة فلابد أننا كنا نظلم إسرائيل فى السابق، وقد يليق أن يتم عمل ائتلاف سياسى من بعض أعضاء هذه الكتلة يحمل اسم: إحنا آسفين يا إسرائيل!. أما النوع الثالث فيمكن تسميته الكتلة المرعوبة أو المقموعة وأفرادها يعرفون جيداً أن إسرائيل دولة معادية لا تتورع عن تخريب أوطاننا مهما وقّعنا معها من معاهدات.. هؤلاء الناس رغم معرفتهم هذه فإنهم يرددون كلام التليفزيون فيتحدثون بالخير عن أولاد العم، كما لا يفوتهم التنديد بكل من يعادى إسرائيل أو يرمى عليها حجراً. والحقيقة أن هذا الموقف لا يعود إلى تفاهة صاحبه أو إلى غسيل الدماغ وإنما يتخذه المرء كما يفعل أقرانه عندما يتعرضون للتعذيب ويُطلب من الواحد منهم أن يقول: أنا مَرَة!.. يقولها الواقع تحت التعذيب لتنجيه وتوقف استباحة جسده، وكذلك المواطن المرعوب لا يتردد فى قول: إسرائيل حلوة، دون أن يطلب منه أحد أن يقولها وذلك فى حالة من الاستسلام الاستباقى التام بتصور أن التأخر فى قولها قد يترتب عليه فى وقت ما أن يواجه من الصفعات والركلات ما لا قبل له به، وهو هنا يعلن أنه «مَرَة» منذ البداية دون أن يمر بمراحل الصمود والضعف ثم الاستسلام!
قد يرى البعض أننى تحدثت عن ثلاثة أنواع وأغفلت نوعاً رابعاً هم الذين يؤمنون بعنصرية ووحشية إسرائيل ولا يترددون فى إعلان موقفهم دون خوف أو وجل، والحقيقة أننى لم أغفل شيئاً لأن هذا النوع لم يعد موجوداً فى بلادنا، وحتى النصابون الحنجوريون قد توقفوا عن الصخب الكاذب بعد أن مات حافظ وصدام والقذافى الذين كانوا يدفعون ثمن الحنجرة!.