x

حلمي النمنم إسرائيل واليمن.. وفوضى المنطقة حلمي النمنم الثلاثاء 29-03-2016 21:04


الأسبوع الماضى، اُعلن فى تل أبيب عن نجاح إسرائيل فى تهريب عدد من يهود اليمن، كانوا موجودين بها، إلى إسرائيل، مر الخبر دون أن يعيره أحد أدنى اهتمام، لا أتحدث عن عموم الناس فقط، بل عن المهتمين والمتخصصين فى الشأن الإسرائيلى، والقضية الفلسطينية، أو الشأن اليمنى.

من قبل حين تكشفت عملية «الفلاشا» فى الثمانينيات (تهجير يهود إثيوبيا إلى إسرائيل)، تفجرت براكين العالم العربى، وكانت تلك العملية واحدا من الأسباب التى عجلت بسقوط الرئيس السودانى جعفر نميرى الذى كان متورطاً فى العملية، هذه المرة لم نسمع أى تعليق، ولم نجد أى اهتمام أو متابعة، كم عددهم.. وكيف تم تهجيرهم.. هل هناك أطراف داخل اليمن ساعدت.. من شارك فيها.. ومن كان يعلم بها.. ومن وقف وراء العملية برمتها؟!!.

منذ وقت مبكر، وفور إعلان قيام الدولة العبرية، نجحت إسرائيل فى تهجير معظم يهود اليمن إليها، وبقى بعضهم داخل اليمن، وفى زمن «على عبدالله صالح» كان يسمح لهم بالسفر إلى إسرائيل، فكانوا يروحون ويجيئون، وثار لغط وقتها بسبب ذلك، خاصة أن وجهت التهمة ذات مرة لأحد هؤلاء بالعمالة للموساد، ولكن يبدو أن إسرائيل لم تكن تريد الاكتفاء بأن يظل هؤلاء اليهود مواطنين يمنيين يعيشون داخل اليمن، حتى لو لم يكن هناك علاقة عداء لليمن معها، إنها تريدهم عندها، مواطنين إسرائيليين تواجه بهم أزمة الديموجرافيا التى تعيشها، حيث الانفجار السكانى الفلسطينى.

ما قامت به إسرائيل ليس غريباً ولا مفاجئاً، منذ تأسيسها وهى تعمل بكل دأب وبكل الوسائل على استقدام أكبر عدد من اليهود إليها، باعتبارها موطنهم جميعاً، ولمن لا يعلم فإن جزءاً من الأزمات المكتومة بين مصر وإسرائيل فى السنوات الأخيرة، أن سيناء عند منطقة الحدود، كان يتم استغلالها لتهريب بعض الأفارقة إلى داخل إسرائيل.

الوضع فى اليمن وفى الأمة العربية كلها، لم يعد يترك لأحد فرصة لالتقاط الأنفاس، فى اليمن صراعات الحوثيين وأنصار صالح مع الرئيس هادى والدولة اليمنية، وهناك كذلك خلايا تنظيم القاعدة، فى مثل هذه الفوضى يصبح المناخ العام مثالياً أمام إسرائيل للعمل، فى الفوضى العارمة، لابد أن يخاف المختلف دينياً وعقائدياً ويسعى إلى الفرار، خاصة بعد ما جرى من الدواعش تجاه المسيحيين فى الموصل والأيزيديين.

لا يتوقف الأمر على اليمن، حيث غرقت عدة بلاد داخل المنطقة فى حروبها الأهلية والطائفية، حتى أبناء فلسطين تعرضوا لتلك الموجة من الحروب الأهلية.

والغريب أن تجد «حماس» تقوم بالتنسيق مع إسرائيل، وتجرى ترتيبات أمنية بينهما، تلتزم بها حماس تماماً، بينما لا نجد مثل هذا التنسيق بين حماس والسلطة الوطنية، وتم تقسيم فلسطين المحتلة إلى معسكرين متباينين، بينهما عداء فى كثير من الأحيان، معسكر الضفة الغربية ومعسكر غزة. وهكذا بات من العادى أن يمر أمر تهجير اليهود اليمنيين إلى إسرائيل، كما مر من قبلها علاج وإنقاذ الجرحى من الأشقاء السوريين على الحدود داخل مستشفيات إسرائيل، وشاهدنا جميعاً على شاشة B.B.C صور مواطنين ومواطنات سوريين يتلقون علاجهم داخل مستشفيات إسرائيلية، وأغطية السرير عليها صورة نجمة إسرائيل وملابس الممرضين والأطباء، وبعدها لم يكن غريباً أن يتحدث «شيمون بيريز» وقت أن كان رئيساً لإسرائيل عما أسماه العلاج الصحى كوسيلة للسلام.

ليس فى الأمر عبقرية إسرائيلية، ولكننا بإزاء دولة تجيد التعامل وتوظيف الظروف المتاحة أمامها، وهكذا كانت دائماً، نفس هذه الظروف هى التى تمكنها الآن من أن تقوم بما تفعله فى المسجد الأقصى؛ ويمر ما يحدث بسهولة ويسر، بل إننا نرى بعض الآراء تنتشر وتعلن، وفى ثناياها ما يمكن أن يعد تبريراً وذريعة لما تقوم به إسرائيل فى المسجد الأقصى، أو الصمت التام عما تقوم به.

أكرر أنه ليس فيما يحدث عبقرية إسرائيلية، ولا قدرات خاصة، هناك دولة أمامها ظروف مهيأة ومساعدة لتقوم بما يخدم أطماعها وطموحاتها، وهى تعمل على الاستفادة قدر الإمكان مما هو متاح لها وأمامها، المشكلة ليست فيها، بل فيمن خلق تلك الظروف... ويعمل على إطالة أمدها.

تاريخياً، استفادت إسرائيل من التأخر العربى عن العصر الحديث، بثورته الصناعية، ثم المعلوماتية، فضلاً عن نظم العصر سياسياً واجتماعياً وثقافياً، ثم أُضيف إلى ذلك فى الأعوام الأخيرة تيارات الإسلام السياسى، التى انطلقت من شجرة الإخوان السامة، وفروعها المدمرة، مثل داعش والقاعدة، خاصة أن ذلك التيار، بمعظم فصائله، لم يعتبر إسرائيل عدواً حقيقياً، بل اعتبر عدوه الدولة الوطنية العربية، وأخذ على عاتقه مهمة تدميرها وتفتيتها إلى دويلات طائفية ومذهبية؛ لاحظ مثلاً أن بعض «دواعش عرب إسرائيل» انطلقوا من شمالها إلى سوريا لتدميرها وتفتيتها، ودفع الأشقاء السوريين إلى الهجرة من بلادهم، ولم يهتموا يوماً بتحرير فلسطين أو إقامة الدولة الفلسطينية المرتجاة.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية