x

مكاوي سعيد مذكرات الإمام محمد عبده مكاوي سعيد الإثنين 28-03-2016 21:51


(توفى الإمام المصلح «محمد عبده» في سن السادسة والخمسين، وخلف عن حياته القصيرة هذه كثيراً من الآثار والإصلاحات التي لم يتح له الوقت أن يجمع مباحثه وكتاباته في مؤلفات مطبوعة كما فعل الكثيرون من رجال العلم والأدب والإصلاح، فقام تلميذه المرحوم محمد رشيد رضا بجمع الكثير من كتاباته في الوقائع الرسمية، وفى مجلة المنار، وفى جريدة العروة الوثقى، التي كان يصدرها مع جمال الدين الأفغانى في باريس، وقد نشر طائفة من تفسيره للقرآن الكريم ودوّن له تاريخًا جمع فيه الكثير من الأبواب. ولم يخرج للناس هذا التاريخ الذي سماه «تاريخ الأستاذ الإمام محمد عبده» إلا في سنة 1931 بعد وفاة الإمام بستة وعشرين عامًا، وقبل وفاة تلميذه رشيد رضا ببضع سنوات، ويظهر أن ضيق الوقت وكثرة نفقات الطبع اضطرت السيد رشيد أن يجمل سيرة الإمام في سيرة جمال الأفغانى، ويضم حياته الشخصية إلى حياته الدينية والسياسية، ويُدخل حياته العلمية في حياته الاجتماعية، ويضيف فتاواه إلى آرائه الإصلاحية، ويخلط مذكراته الوطنية وكتاباته عن الثورة العرابية وآراءه في محمد على وإسماعيل وتوفيق وأعوانهم ويطبع ذلك كله في جزء واحد، لذا لم يكن في مقدوره أن يخرج للناس حياة الإمام إخراجًا ترضى عنه الحقيقة، ويرضى عنه التاريخ كل الرضاء. وقد عمد السيد رشيد إلى شىء لم يسبق إليه مترجم لحياة عظيم من عظماء التاريخ، ولا لتلميذ يكتب عن تاريخ أستاذه، فقد وضع تاريخ الشيخ محمد عبده وما قام به من أعمال، وكأنه يضع تاريخًا لنفسه أيضًا، فقد لا ترى فصلاً أو بحثًا للسيد رشيد عن الإمام، إلا وقد أشرك فيه نفسه، وكأن حياته جزء من حياة الإمام، بل بلغت حماسته لنفسه، أن جعل عمله مكملاً لأعمال الإمام في بحوثه وآرائه وكتبه، ككتاب التوحيد، وتفسير القرآن الكريم، وغير ذلك. وقد روى عن الإمام أبياتًا قالها قبيل وفاته وهو على فراش الموت يدعو الإمام فيها الله تعالى أن يجعل السيد رشيد رضا خلفًا له على دين الإسلام يضىء نهجه، ويسير على طريقه، ويماثله نطقًا وعلمًا وحكمة. ومنها هذه الأبيات:

ولستُ أبالى أن يقال محمد أبل، أم اكتظت عليه المآتمُ

ولكن دينًا قد أردتُ صلاحه أحاذر أن تقضى عليه العمائم

فيارب أن قدرت رُجعى قريبة إلى عالم الأرواح، وانفضّ خاتمُ

فبارك على الإسلام وارزُقه مرشداً «رشيدًا» يضىء النهج والليلُ قاتمُ

وعلى الرغم من ذلك، فواجب الإنصاف يدعونا إلى أن نقول إن السيد رشيد رضا قد حفظ لنا جانبًا غير قليل من حياة الإمام، ولولاه لضاع الكثير منها، ولنسى الناس الكثير من آثاره).

هذا جزء من مقدمة وافية رائعة تتصدر كتاب «مذكرات الإمام محمد عبده» للباحث والأديب الأستاذ طاهر الطناحى (1901-1967) الذي صدرت طبعته الأولى في أوائل الستينيات، وأعادت نشره الهيئة المصرية العامة للكتاب في عام 2011. وهو كتاب في غاية الأهمية لأنه بقلم الإمام ويتضمن سيرته منذ الميلاد ودراسته بالأزهر وعمله أستاذًا للتاريخ في مدرسة دار العلوم 1879 ثم اتجاهه إلى النشاط الصحفى، حتى أصبح رئيسا لتحرير «الوقائع المصرية» حتى انتهاء الحرب العرابية، واتهامه بالضلوع فيها وسجنه ونفيه إلى سوريا 1883 ثم ذهابه إلى باريس بدعوة من جمال الدين الأفغانى، حيث نشرا مجلة «العروة الوثقى» ومغادرته باريس 1885 إلى بيروت، حتى صدر عفو الخديو توفيق عنه وعودته إلى مصر عام 1888 واختياره في عام 1899 مفتياً للديار المصرية.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية