مشوار كل نجم ينقسم الى نصفين الأول يساير فيه النظام السائد فى العملية الفنية ويعلن دعمه وتأييده له كمحاولة لحجز مساحة لنفسه وسط النجوم المتواجدة، والنصف الآخر يثور فيه على الأوضاع الفنية ويحاول أن يخلق تيارا أو شكلا جديدا فى إبداعه. عدد كبير من نجومنا لم تنجح محاولاتهم فى الثورة الفنية ولذلك ظلوا فلولا لإبداعهم ولظروفهم الشخصية وموهبتهم المحدودة، ولم يتقبل الجمهور منهم أى محاولات للتغريد خارج سرب الفن النمطى والتقليدى بينما القليل منهم نجحوا فى الجمع بين الفلول والثائرين وفى مقدمتهم الراحل أحمد زكي الذى تحل غدا الذكرى الحادية عشرة لرحيله.
فى المرحلتين تميز الفتى الأسمر عن غيره من النجوم بالاختيارات الصائبة للشخصيات التى يجسدها. فى مرحلة الفلول قدم أدوارا مميزة رغم نمطيتها كان البطل فيها النص أو السيناريو وأداء أحمد زكىنفسه فيما تلاشت إلى جانبهما العناصر الفنية الأخرى من تصوير وإخراج وخلافه، ومنها فيلم الليلة الموعودة عام 1984 المأخوذ عن رواية كتبها الروائى الراحل محمد عبدالحليم عبدالله، وكتب السيناريو والحوار محمد أبوسيف بالتعاون مع شريف المنباوى ويتناول شخصية بهية «كريمة مختار» ورغم تحذير ابنها فتحى «أحمد ذكى» لها، تتزوج من سيد «فريد شوقى» النصاب. كان سيد يتآمر مع زوجته نظاجة على الأرامل الأثرياء، ويوقع بهن ويتزوجهن ثم يبتز نقودهن ثم يطلقهن. يقرر فتحى استرداد نقود أمه من سيد، يتعرف على ابنته لواحظ ويمثل عليها الحب وتتعلق به، يوهم أمها أنه ثرى يعيش فى أمريكا وسيصحب لواحظ معه بعد أن يتزوجها، يطلب منها أن تقرضه مبلغاً من المال يساوى المبلغ الذى ابتزه سيد من أمه.
أيضا فيلم شادر السمك الذى أخرجه على عبدالخالق عام 1986 فرغم تشابه أحداث الفيلم مع فيلم الفتوة الذى قدمه فريد شوقى خلال فترة الخمسينيات إلا أن أداء أحمد زكىأعطى للعمل بريقا خاصا فالعمل رغم أنه تفصيل للفنانة نبيلة عبيد والتى قدمت فيه شخصية الأرملة (جمالات) بعد وفاة زوجها طمع التجار بشادر السمك، حيث يحاولون منعها من التجارة، ويحاربونها بكل السبل، حتى يقف بجانبها العامل البسيط (أحمد أبوكامل)، لتتزوجه ويبدأ فى إدارة تجارتها وأموالها، لتنقلب الأحداث رأساً على عقب، حينما يقرر الزواج مرة أخرى وتشهد الشخصية تحولات كبيرة مع كل تحول كان أداء أحمد يتميز بالصدق والمعايشة لذلك استمرت الشخصية وعاشت مع الجمهور، وفى فيلم البيه البواب عام 1987 المأخوذ عن رواية للأديب والسيناريست الراحل يوسف جوهر، وأخرجه حسن إبراهيم.
وتناول قصة البواب عبدالسميع الذى ينزح إلى القاهرة برفقة زوجته وأولاده للبحث عن لقمة العيش فيعمل بوابا بإحدى العمارات وبذكائه يتمكن من العمل سمسارا بجانب مهنة البواب حتى نجح فى تحقيق نسبة ليست بقليلة من الأموال وتتوالى الأحداث بين جشعه ووقوعه بين أيدى اللعوب إلهام هانم صفية العمرى التى تسعى للاستيلاء على أمواله عقب طلاقها من زوجها ويقع عبدالسميع فى براثنها لكن سرعان ما يسترد حقه ويعود إلى كرسيه ومملكته الخاصة أمام مدخل العمارة. وكان لنجاح العمل الأثر الكبير فى تكرار المخرج والكاتب، وبالطبع أحمد زكى للتعاون فى عمل آخر هو سواق الهانم عام 1994 لكنه لم يحقق نفس نجاح البيه البواب.
وفى فيلم حسن اللول مع المخرج نادر جلال وسيناريو وحوار صلاح متولى، قدم من خلاله شخصية حسن المهرب البورسعيدى الذى يصطدم بنفوذ رجل سياسة كبير، يقوم بتجارة المخدرات ليصرف على حملته الانتخابية ويتصدى له حسن اللول انتقاما لقتل صديقه وزميله مأمور الجمرك، ويكتشف اللول أن عدوه اللدود هو والد الفتاة التى تعلق بها قلبه مما يوقعه فى حيرة.
وأتذكر فى العرض الخاص للفيلم حدثت واقعة كنت شاهدا عليها حيث قادتنى الصدفة وقتها لأن يجلس أحمد زكىفى دار العرض خلفى، وبعد انتهاء العرض وجدته يبحث عن المخرجين محمد خان وخيرى بشارة المتواجدين بالعرض ليسألهما عن رأيهما فى الفيلم وشعر أن هذه النوعية من السينما لا تجذبهما، لكنه سارع بالرد على نفسه وقال إنه حالة سينمائية مختلفة فوافقاه على استحياء.
الفيلم هو التجسيد العملى لتنوع موهبة أحمد ذكىبين القدرة على أداء الأكشن والغناء والكوميديا والمشاعر الإنسانية الفياضة، والتى نجح فى الجمع بينها فى أكثر من عمل قدم فيه شخصيات نمطية لكنه تمرد عليها بالغناء والكوميديا فى بعض الأحيان كما هو الحال فى فيلم ستاكوزا مع المخرجة إيناس الدغيدى والفيلم مأخوذ عن الرواية العالمية الشهيرة ترويض النمرة والتى سبق تقديمها بأكثر من صورة ومن شكل على الشاشتين الكبيرة والصغيرة، ولكن تبقى صورة أحمد زكىالأصل بين جميع الصور. تعاون الفتى الأسمر أيضا مع إيناس الدغيدى فى فيلمها امرأة واحدة لا تكفى وقدم من خلاله شخصية حسام منير رئيس التحرير الذى يرتبط بعلاقات نسائية متشعبة أو بالمشاعر الإنسانية كما فى فيلمه هيستريا مع المخرج عادل أديب عام 1996 والذى اعتمد فيه على الاحاسيس التى تنساب من خلال شخصية زين مطرب مترو الأنفاق الذى يبحث لنفسه عن فرصة يثبت من خلالها موهبته ونجح أحمد فى تقديمها بمشاعر فياضة وبأداء غنائى مبهر لواحدة من الأغنيات السينمائية المهمة وكانت كلماتها تقول:
إن مقدرتش تضحك.. متدمعش.. ولا تبكيش وإن مفضلش معاك غير قلبك.. أوعى تخاف.. مش هتموت هتعيـــــش.. وإن سألوك الناس عن ضى جوه عيونك.. بيلمعشى.. متخبيش.. قولهم العيب مش فيا.. ده العيب فى الضى. وأنا مش عاشق ضلمة.. ولا زعلت الضى.. مسير الضى لوحده هيلمع ومسير الضحك لوحده هيطلع، مبيجرحش... ولا يأذيش وفى مرحلة الثورة كان أحمد زكىفى مقدمة الفنانين المتواجدين فى ميادين الثورة الفنية بسلسلة طويلة من الأعمال حملت جميعها شعارا واحدا هو أفلام.. حرية وعدالة سينمائية، وهو ما قدمه مع عدد من المخرجين الثائرين مثل عاطف الطيب فى الحب فى هضبة الهرم والبرىء والهروب ومحمد خان فى موعد على العشاء وطائر على الطريق، زوجة رجل مهم، وأحلام هند وكاميليا وخيرى بشارة فى العوامة 70 وكابوريا، وطارق العريان فى الإمبراطور والباشا، وداود عبدالسيد فى أرض الخوف، وشريف عرفة فى الدرجة الثالثة واضحك الصورة تطلع حلوة وأيضا فى مسلسل الأيام الذى شكل محطة انطلاق للدراما التليفزيونية ولأحمد ذكى، ولذلك يظل الفتى الأسمر هو النجم الأول سواء كان ثائرا أو من الفلول.