x

«أمهات في المنفى»: لاجئات عربيات في مصر يبحثن عن «وطن رحيم بأطفالهن»

«فاطمة السورية»: «الشبيحة» قتلوا زوجي.. و«ماجدة»: أخي غرق أثناء «الهجرة»
الخميس 24-03-2016 13:59 | كتب: مصطفى حسني |
الام السورية - صورة أرشيفية الام السورية - صورة أرشيفية تصوير : اخبار

جميعهن فارات من نيران وقذائف وطرقات امتلأت بجثث الضحايا.. أمهات كان قدرهن أن يهجرن أوطانهن إلى طرق وعرة وأرض بديلة دون سند أو عائل، بعد أن أصبحن هن السند والعائل لأطفال غرباء في وطن جديد، يحاربن من أجل تعليم أطفالهن وإطعامهن ومع هذه الرسالة تتصدى كل منهن لنظرات بعض أفراد المجتمع العنصرية تجاه أطفالهن الغرباء، ففى مصر أمهات أكل قلوبهن الحزن على أوطانهن في سوريا، السودان، واليمن، ورغم ذلك يحاربن بمفردهن من أجل حياة جديدة لأبنائهن.

«كان أذان المغرب انطلق لتوه، وبينما كنت أنا وزوجى وأبنائى نتناول إفطار اليوم الثانى من شهر رمضان في عام 2011، فجأة انطفأت الأنوار وأمطرت السماء منطقتنا بوابل من القذائف النارية فإذا بمنازل الحى تتحول لكتلة من الرماد وصرخات الجيران تملأ الطرقات وإذا بى أحمل أطفالى وأهرول حافية ملتمسة الطريق إلى مفر، كنا نجرى بينما تحاول أقدامنا تفادى الجثث التي انتشرت على الجانبين جراء القصف، لم يكن في وسعى شىء لتهدئة أطفالى الذين انتابتهم حالات تشنج نتيجة ما رأوه، إلا احتضانهم».. هكذا تروى فاطمة الأم الشابة، من مدينة «دوما» السورية والتى انتقلت للحياة في مدينة العبور بمصر، وهى تكفكف دموعها بعد أن تذكرت رحلتها مع المعاناة بمفردها كأم وأرملة شابة تواجه صعوبة الحياة وحدها.

وتستكمل فاطمة روايتها فتقول: «وعقب تلك الليلة العصيبة قررنا الرحيل حيث منزل والدى في الغوطة الشرقية، ظننا أننا هناك سنكون في أمان لكننا كنا حالمين أكثر من اللازم، إذ تكررت مأساة النيران التي انطلقت فجأة في أحد أيام شهر ديسمبر 2011 لأن مجموعة شباب تجرأوا وهتفوا ضد النظام، فإذا بمجموعة من (شبيحة) النظام ترد عليهم بوابل من الرصاص قتلوا فيه كل من كان يمر بالشارع في تلك اللحظة وكان من ضمنهم زوجى».

بعد أن رأت فاطمة زوجها مضرجا في دمائه، اتخذت قرارها بأن سوريا لم تعد تصلح سكنا آمنا لحياة أطفالها، وقررت اللجوء إلى مصر، وتقول: «قررت أنا ومجموعة من الرجال والسيدات من سكان حمص وحماة وحوران ترك سوريا متجهين إلى لبنان، وفضّل البعض المكوث داخل لبنان بينما انتقل آخرون إلى تركيا أما أنا وجارتى فقررنا الانتقال إلى مصر بسبب أن بعض السوريات سبقننا إلى هناك وأخبرننا أن الوضع آمن في مصر أكثر من لبنان».

وعن حياتها كأم وحيدة تعيش في مصر وتعول أطفالها تابعت فاطمة: «كنت ميسورة الحال في سوريا حيث عملت مدرسة رياضيات وزوجى مهندس عمارة وقبل اللجوء إلى مصر بعت ذهبى وسيارتى حتى أستطيع أن أدبر مالا لكى أستأجر مكانا للعيش فيه أنا وأطفالى حتى وجدت شقة في منطقة العبور».

وحول معاناتها في مصر، تضيف: «للأسف واجهتنا مشاكل كثيرة ابتداء من البحث عن مكان للإقامة فيه لأن معظم المصريين أصحاب البيوت كانوا يرفضون تأجير شقة لنا بسبب أننا سوريون ومن الممكن التهرب من دفع الإيجار لأن حالتنا المادية سيئة لكن الحمد الله وجدنا أخيرا من يقبل تأجير شقة لنا لنبيت فيها أنا وأولادى».

وبعد فترة نفدت أموال فاطمة ومرت عليها أوقات عصيبة لم يكن في منزلها كسرة خبز لتطعم أطفالها الجوعى، وحاول جيرانها المصريون مساعدتها لكنها كانت دائما ترفض مد يدها، وتبحث عن عمل كمدرسة رياضيات ولم توفق إذ لم تقبلها أي من المدارس التي تقدمت للعمل بها، وتقول فاطمة: «بدأت في تحضير طعام (الكبيبة السورية) وبيعها للجيران فساعدونى بتعريف بعض المطاعم بى لأورد لهم (الكبيبة)، لكن بيع (الكبيبة) لم يمكننى من توفير معيشة كريمة لأطفالى فقد كنا نأكل وجبة واحدة في اليوم، فأحسست بالعجز عند النظر لأبنائى وهم جوعى إلى جانب مصروفات الدراسة الباهظة علينا».

وجدت فاطمة عملًا في عيادة للأسنان فعملت بها نهارًا لتعود لأطفالها ليلًا لتذاكر لأبنائها الدروس لأنها لا تقوى على مصاريف الدروس الخصوصية في مصر، وتختتم فاطمة حديثها بقولها: «حمل الأطفال أثقل كاهلي وأصبحت بعد مقتل زوجي والحياة في بلد غريب أشبه بالأموات.. لكنى أقاوم لأعيش من أجل أبنائى فليس لهم سواى».

أما «ماجدة»، فهى أم سورية لأربعة أطفال، تسكن الآن حى عين شمس بعد أن اختفى زوجها على يد قوات النظام السورى، وتقول: «تركت أنا وزوجى وأبنائى منزلنا في مدينة «دوما» في مارس 2012 بعد أن ترددت أخبار عن نية النظام في حرق «دوما» التي كانت من أوائل مدن الثورة، فقررنا الهرب، وفى الطريق استوقفنا بعض الضباط وعندما علموا أننا من دوما قبضوا على زوجى».

منذ ذلك اليوم لم تر ماجدة زوجها، تتساقط الدموع من عينيها وهى تتذكر، وتتابع: «توسلت للضابط كثيرا أن يتركه لكن دموعى لم تشفع له، وكان آخر ما قاله لى وهو في قبضتهم: انتبهى على حالك، واتركى سوريا إنتى والأولاد، وكانت نظرة عينيه أخبرتنى أنه لن يعود ثانية».

حينما وصلت «ماجدة» إلى مصر بأطفالها أخذت تبحث عن مصدر للرزق بعد أن فقدت أهلها جميعا، فقد توفي والدها في الحرب، بينما مات أخوها غرقا أثناء محاولته الهجرة غير الشرعية، ووفرت لها صديقة سورية، سبقتها بالهجرة إلى مصر، شقة في «عين شمس» بإيجار زهيد، وبحثت عن عمل حتى وجدت ضالتها في وظيفة عاملة في مكتب هندسى، لكنها تركته بعد شهرين من الالتحاق به، وعن ذلك تقول «ماجدة»: «تركت العمل بعد شهرين بسبب نظرة أصحاب المكتب من الرجال لى وذلك بسبب أننى امرأة غريبة بمفردى زوجى مختف وللأسف هذه النظرة تنتشر في المجتمع الشرقى لأمرأة بنفس حالتى، إنها امرأة سهلة المنال».

وتستمر «ماجدة» في وصف حالتها بعد ترك العمل بالمكتب قائلة: «تركت العمل وأصبحت لا أعلم كيف أجعل أولادى يكملون تعليمهم وكيف أطعمهم وعندما ضاق بى الحال أرشدنى بعض الناس على مساجد تساعد السوريين فسجلت اسمى».

وخلال إقامتها في مصر مرت «ماجدة» بظروف كثيرة صعبة بسبب محاولات استغلال حاجتها للمال لإطعام أطفالها ومضايقتها من بعض الرجال، حيث تقول: «من أصعب المواقف التي واجهتنى أننى في يوم أولادى كانوا يبكون من شدة الجوع فذهبت إلى أقرب محطة لى وقمت ببيع المناديل بها ففوجئت برجل خمسينى يقول لى (هاشترى منك المناديل كلها بشرط تروحى معايا البيت) وكل ما فعلته أننى بصقت في وجهه، وأتعجب من نظرة البعض لنساء سوريا في مصر بأنهن رخيصات، لولا أملى في عودة زوجى وخوفى من تشرد أطفالى لكنت قتلت نفسى لأنجو من هذه الحياة».

«كلثوم».. أرملة ثلاثينية أضافت المآسى التي تعرضت لها على وجهها أعواما تضاعف من عمرها، أم لثلاثة أطفال قتل زوجها على أثر تعذيبه في أحد السجون بعد اتهامه بالانتماء إلى إحدى القبائل المتمردة ضد النظام في جنوب السودان.

وتبدأ «كلثوم» في رواية قصتها في الهجرة بأطفالها فتقول: «بعد مقتل زوجى وغيابه عن المنزل أصبحت أشعر بالاكتئاب والغربة في بلدى وبعد أن اشتدت الحرب الأهلية في السودان عام 2010 أخذت أطفالى متجهين إلى مكان أكثر أماناً وأثناء انتقالنا كنت ممسكة بطفلى الرضيع وكان ضرب النار من جميع الاتجاهات علينا وبدأنا نجرى من الخوف وأثناء ذلك وقع طفلى الرضيع على الأرض ليصاب بالشلل وهو عمره 6 شهور نتيجة إصابته في رأسه فبات غير قادر على الحركة».

قررت «كلثوم» اللجوء إلى مصر بعد هذا الحادث وكانت تحصل على مساعدة شهرية من مفوضية اللاجئين تبلغ 700 جنيه، لكن هذا المبلغ لم يكف، خاصة في ظل وجود طفل مريض يحتاج إلى علاج مستمر وعناية خاصة، وعن حياتها في مصر كأم وحيدة تعول أطفالا مغتربين تقول: «عملت كخادمة حتى أستطيع العيش أنا وأطفالى لدى سيدة مصرية حتى أجد مالا بالإضافة إلى مكان أقيم فيه أنا وأطفالى لكن المعاملة كانت سيئة من هذه السيدة، وكانت كثيرا ما تضرب أولادى بجانب الألفاظ العنصرية التي كنت أسمعها حيث اعتدت منها على مناداتى بـ (يا سودا) والسخرية من لونى أنا وأطفالى حتى اضطررت لترك العمل ولم أجد مكانًا نقيم فيه فاضطررت للعيش ثلاثة أيام على رصيف الشارع وحاولت البحث عن شقة بسعر زهيد إلى أن حصلت على غرفة تأوينا».

تعمل «كلثوم» الآن عاملة نظافة في إحدى المدارس الخاصة بمرتب 400 جنيه شهريا، ولم يعد ما يؤرق حياتها هو توفير المال لرعاية أطفالها فقط، حيث تقول: «أكثر ما يتعبنى نفسيا هو معايرة أهل المنطقة الدائمة بلونى وشكلى حتى أطفالى لم يسلموا من هذه المعايرة بجانب الألفاظ التي يعف اللسان عن ذكرها أقلها (يا زبالة مليتوا البلد.. إحنا كنا ناقصينكم)»، مشيرة إلى أنها كانت تعتقد أن الحياة في مصر أجمل من ذلك ولكنها وجدتها تشبه السودان كثيرا باختلاف شكل المبانى.

«خديجة» من اليمن.. طفلها مات نتيجة إصابته بالجنون نتيجة الحرب الأهلية باليمن وزوجها أصبح معاقا، تبلغ من العمر خمسة وثلاثين عاما ولديها طفلان أتت إلى مصر بعد أن أقعدت الحرب على نظام الحكم في اليمن زوجها عن الحركة وأصابت مناظر الدماء طفلها بالجنون، وتقول: «فى أحد أيام شهر نوفمبر 2014، دارت اشتباكات طاحنة قرب مدينة صنعاء بين الحوثيين وقوات موالية للرئيس اليمنى فهرب أهالى وهربت أنا وزوجى وأطفالى من المنزل إلى منطقة أكثر أمانا، وكان طفلى عمره أربع سنوات حينما وجد أمام عينه رأسا مفصولا عن جسده فأصيب بحالة من الجنون».

وتضيف خديجة: «انتقلنا إلى مدينة تعز حيث مكثنا يومين لدى عمتى حتى أصيب زوجى أثناء عودته من العمل برصاصة في عموده الفقرى حيث كانت هناك اشتباكات بين المسحلين فبات عاجزا عن الحركه».

قررت الأسرة الفرار من نيران الحرب إلى مصر، وتضيف: «بعنا الذهب والشقة وأتينا إلى القاهرة وأجرت شقة في منطقة 6 أكتوبر وسجلنا أسماءنا في مفوضية شؤون اللاجئين لمساعدتنا خاصة أن زوجى أصبح معاقا وغير قادر على العمل وعملت سكرتيرة داخل مكتب للمقاولات، كان الأجر زهيدا ولكنهم كانوا يسمحون لى باصطحاب ابنى المصاب بالجنون إلى العمل معى لأن حالته النفسية أصبحت غير مستقرة ولا أستطيع تركه بمفرده».

وفى أحد الأيام أصابت ابنها حالة من التشنجات المستمرة توفي على أثرها في أحد المستشفيات الحكومية، وأوقفت المفوضية مساعدتها لأسرة خديجة، وبات كل أملها الحصول على مال يساعدها في إدخال أبنائها المدارس واستكمال علاج زوجها.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية