أعاد اعتراض عدد من رهبان الدير المنحوت على مرور طريق (الفيوم- الواحات) من «واحة العيون»، أزمة ضم الدير 35 كيلو من الواحة، وهى محمية طبيعية، بالمخالفة للقانون، إلى دائرة الضوء الإعلامية، بعد هدوء مؤقت فى الأزمة منذ عام 2013، بعد توقيع حكومة هشام قنديل بروتوكولا مع الرهبان يتغاضى عن مخالفاتهم.
وبدأت أزمة الدير وأرض واحة العيون، فى 2007، عندما أبرم الرهبان بروتوكولا مع وزارة البيئة، فتحت بنوده الباب أمامهم لبناء مبان فى المحمية الطبيعة بالمخالفة للقانون، واستغل الرهبان الاتفاق والانفلات الأمنى وقت الثورة وسارعوا ببناء سور ضخم على 35 كيلومترا بالمنطقة، ومنعوا رجال المحمية من الدخول، ورغم مخالفة الرهبان وصدور قرارات إزالة لتعديات متنوعة إلا أن وزارة البيئة فى حكومة هشام قنديل أبرمت بروتوكولا فى إبريل 2013 أغفلت بنوده تطبيق القانون وإزالة التعديات ما ساهم فى تقنين أوضاعهم المخالفة.
ونصت بنود البروتوكول الأول على منح الرهبان حق إنشاء مبان بمنطقة عيون الريان، المعلنة محمية طبيعية بقرار من رئيس مجلس الوزراء عام 1989، وذلك بالمخالفة لنص المادة الثانية من القانون 102 لسنة 1983 بشأن المحميات الطبيعية، والتى تحظر «القيام بأعمال أو تصرفات أو أنشطة أو إجراءات من شأنها تدمير أو إتلاف أو تدهور البيئة الطبيعية، أو الإضرار بالحياة البرية أو البحرية أو النباتية أو المساس بمستواها الجمالى بمنطقة المحمية». كما تحظر المادة «إدخال أجناس غريبة لمنطقة المحمية.. وتلويث تربة أو مياه أو هواء منطقة المحمية بأى شكل من الأشكال.. وصيد أو نقل أو قتل أو إزعاج الكائنات البرية أو البحرية، أو القيام بأعمال من شأنها القضاء عليها»، كما يحظر القانون «إتلاف أو نقل النباتات الكائنة بمنطقة المحمية، أو إتلاف أو تدمير التكوينات الجيولوجية أو الجغرافية، أو المناطق التى تعتبر موطنا لفصائل الحيوان أو النبات أو لتكاثرها.
ونص القانون على حظر «إقامة المبانى أو المنشآت أو شق الطرق أو تسيير المركبات أو ممارسة أى أنشطة زراعية أو صناعية أو تجارية فى منطقة المحمية إلا بتصريح من الجهة الإدارية المختصة وفقا للشروط والقواعد والإجراءات التى يصدر بتحديدها قرار من رئيس مجلس الوزراء».
فى المقابل، نص بروتوكول الرهبان مع وزارة البيئة فى 2007، على إنشاء غرفتين ومزرعة ومضيفتين، و4 حظائر لتربية الطيور والخراف، ومطبخ كبير وفرن ونقطة وقود وخزان أرضى للمياه، ومكان لدفن الموتى ومخزن ومكان لتجميع القمامة، ما تسبب، بحسب العاملين فى المحمية، فى تغيير الحياة البيئية.
وتكشف مخاطبات رسمية رفعها باحثو المحمية إلى وزارة البيئة، عن تقاعس الرئيس التنفيذى لجهاز شؤون البيئة فى التعامل مع مخالفات الرهبان ذات الطبيعة الحساسة، وإصداره القرار رقم 239 لسنة 2009، بإلزامهم بعدم تحرير أى محاضر بمخالفات إلا بعد الرجوع للجهاز، وأخذ موافقته. وكشفت المخاطبات عن استيلاء الدير المخالف وغير المرخص على مساحة تقارب 35 كيلومتر مربعا من منطقة العيون الطبيعية، وإغلاقها أمام ممارسة المحمية لمهامها، وتعدى بعض الرهبان على موظفى المحمية. وقالت التقارير إن الرهبان أقاموا مبانى مخالفة وعملوا على تجريف البيئات الطبيعية والزراعة فى مخالفة صارخة للقانون 102 فى شأن المحميات الطبيعية.
ورغم تحرير عدة محاضر بالمخالفات، لم تنفذ سوى 3 قرارات إزالة، الأول تم تنفيذه بتاريخ 11 سبتمبر 2009، والمحرر بشأنه المحضر رقم 2789 إدارى يوسف الصديق، والثانى نفذته حملة من الجيش والشرطة فى أواخر 2011 وهدمت جزءا من سور الدير، لكن الرهبان أعادوا بناءه، والثالث والأخير نفذته حملة بقيادة محافظ الفيوم المستشار وائل مكرم وأزالت مسافة 500 متر من سور الدير، وأعاد الرهبان بناءه مرة أخرى. وصدرت عدة أحكام بحبس عدد من الرهبان، إلا أنه لم يتم القبض إلا على الراهب «بولس الريانى»، قبل أسبوع، وقال موظفو المحمية إن الرهبان شعروا بأنهم فى حماية من القانون ما ساهم فى تشجيعهم على الاستيلاء الكامل على منطقة عيون الريان وإحاطتها بسور من الأعمدة الخرسانية، فى أعقاب ثورة 25 يناير، وبنوا فى وسطه بوابة حديدية عليها حراسة لا تسمح بمرور أى زائر أو مسؤول. «المصرى اليوم» رصدت بالصور مراحل ضم الرهبان لمنطقة عيون الريان، وتظهر الصور إنشاء بوابة مسنودة على أعمدة حديدية فى أواخر 2010، وبعدها توسع الرهبان فى إنشاء أحواض المياه لرى الزراعات المستحدثة، وإنشاء مبان خرسانية، ومزارع، وحمامات، وأفران، ونقاط وقود لتمويل المعدات والجرارات الزراعية المستخدمة فى عمليات البناء والزراعة.
كما تظهر الصور مراحل بناء سور حول الواحة حتى اكتمال بنائه وإحكامه ببوابة رئيسية تتوسطه أغلقها الرهبان عليهم رافضين السماح بالدخول للزوار وحتى مسؤولى المحمية منعوهم من تأدية مهامهم، ما تسبب فى توقف أنشطة سكان المنطقة المحليين للسياحة البيئية التى كانت تمثل لهم مصدر دخل، ليدخلوا طرفا ثالثا فى أزمة الرهبان والدولة.
يقول «أيمن الواحى»، نائب مدير محمية وادى الريان: باحثو المحمية لم يتمكنوا من أداء عملهم لرصد المخالفات التى يرتكبها الرهبان داخل عيون الريان بعد إقامة السور حولها، وغلق البوابة الرئيسية أمامهم، ما أدى إلى عدم تحرير مخالفات منذ عام 2013 بعد انتهاء تشييد السور.
وأكد أن جميع المحاضر التى حررها مسؤولو المحمية، بشأن المخالفات والتعديات التى ارتكبها الرهبان، اقتصرت على بناء السور حول أرض المحمية، لعدم تمكن الباحثين من معرفة ما يدور داخل السور.
وفى 30 إبريل 2013، وقعت حكومة هشام قنديل بروتوكولا مع رهبان الدير والسكان المحليين، اقتصر على حل النزاع بين الطرفين الأخيرين فى البند الخامس منه، حيث نص على «إعطاء الحق للسكان المحليين من أهالى المنطقة فى ممارسة أنشطة السياحة البيئية بمنطقة العيون الطبيعية»، كما أقر البروتوكول بتقنين أوضاع الرهبان المخالفة غافلاً تطبيق القانون، حيث لم يقترب فى بند من بنوده الأحد عشر من التعامل مع مخالفات الرهبان وتعديهم بالتوسع فى البناء التى حرر بشأنها مسؤولو إدارة المحمية 16 محضرا منها 7 محاضر صدرت فيها أحكام قضائية بالسجن المشدد والغرامة والإزالة والمصادرة، وساوى البروتوكول فى بنده الرابع بين الدولة والرهبان والسكان المحليين بأن حسم القضية على أنها اختلاف بين مصالح متعارضة على استخدام الأرض والعيون وليست مخالفات لقانون البيئة 102 فى شأن المحميات الطبيعية. إلا أن الأزمة عادت للواجهة مع صدور قرار بإنشاء طريق الفيوم- الواحات ضمن شبكة الطرق القومية، والمخطط أن يمر من واحة العيون، واعترض رهبان الدير وتصدوا لمعدات الشركة المنفذة للطريق ومنعوها من العمل وحرقوا (بلدوزر).
ورغم وقوف الدولة والكنيسة الأرثوذكسية وغالبية رهبان الدير فى صف واحد، إلا أن أقلية من الرهبان المعترضين أفشلوا جميع الاتفاقات لمرور الطريق بتصديهم لحملات الإزالة ومعدات الشركة المنفذة، وحتى الاتفاق الأخير الذى أعلن عنه، قبل أسبوع، باجتماع المهندس إبراهيم محلب، والأنبا أرميا، ومحافظ الفيوم المستشار وائل مكرم وغالبية رهبان الدير، فشل بعد إصرار الفريق المعترض على عدم مرور الطريق، ليعلن قداسة البابا تواضروس تبرؤ الكنيسة الأرثوذكسية منهم، ورغم مخالفتهم القانون بصدور أحكام ضد بعضهم يبقى الوضع كما هو عليه بإغلاق المحمية أمام غيرهم.