بعد أزمة القمح التي شهدها العالم مؤخرا وأدت إلي ارتفاع أسعاره عالميا، باتت زراعات الأرز في أفريقيا مهددة بأسراب الطيور المهاجرة الجائعة، والفيضانات التي تجتاح الحقول وتدمرها.
وتتخذ السلطات النيجيرية حاليا إجراءات استثنائية لتأمين أجواء مناطقها الشمالية من هجمات مكثفة لأسراب طيور الكويلا التى تستهلك كميات كبيرة من الأرز النيجيري خلال رحلة هجرتها من غربى الكرة الأرضية إلى شرقها مرورا بالأراضي النيجيرية.
وقالت مصادر مسئولة فى الحكومة النيجيرية إن مرور الملايين من طيور الكويلا على المحيط الأطلنطي يتسبب لها فى حالة من الإعياء والجوع مما يجعلها تهاجم بنهم الولايات الشمالية مركز إنتاج الحبوب الغذائية الأساسية فى نيجيريا وخصوصا الأرز، حيث باتت الكويلا العدو الأول للنيجيريين ومصدرا لأخطر تهديد لأمن البلاد الغذائى باعتبار أن الأرز أحد محاصيل البلاد الأساسية والطعام المقدس لملايين النيجيريين.
ويقول الخبراء إن هجمات أسراب الكويلا التى تبدأ كل عام فى سبتمبر وحتى نهاية نوفمبر لا تقل فى تهديدها لمنتجى الأرز فى نيجيريا عن عمليات تهريب الأرز المستورد التى قدرت بنحو 300 ألف طن خلال العام 2009 ، وهو ما يكبد الاقتصاد خسارة سنوية لا تقل عن 17,3 مليار نيرة )الدولار الأمريكي يعادل 150 نيرة نيجيرية( تتمثل فى مدفوعات العملة الصعبة التى يشترى بها المهربون الأرز من الخارج وينقلونه إلى داخل البلاد التى تحظر قوانينها ذلك دعما للمنتج الوطنى وسعيا لتحقيق الاكتفاء الذاتي فى توفير الغذاء.
وتستخدم الحكومة النيجيرية في مهاجمة أسراب الكويلا طائرات الرش الزراعى التى اشترتها حديثا لهذا الغرض، ويتم تسليحها بنحو 60 ألف لتر من المبيدات الحشرية لإفشال هجمات أسراب الطيور المهاجمة. كما طرحت الشركات الصينية أجهزة تصدر ذبذبات صوتية مميزة تخشاها الطيور يتم وضعها فى الحقول النيجيرية بنظام معين لإخافة وإبعاد أسراب الكويلا،لكن نيجيريا تحتاج إلى عشرات الملايين من هذه الأجهزة لتوفير ما يشبه مظلة «دفاع جوى متكاملة» لمناطقها الزراعية ضد أسراب الكويلا الغازية .
ودعا وزير الدولة للزراعة مزارعى الشمال النيجيرى إلى تعزيز ما وصفه «بدفاعاتهم الجوية الأرضية» لمنع الطيور المهاجمة من مداهمة حقولهم.
ويعد الأرز الطعام المفضل للنيجيريين، ومنه يصنعون حلواهم وخبزهم، وهو ملك متوج على موائد طعامهم، ويحمل ملايين الطلبة النيجيريين وهم متجهون إلى مدارسهم كل صباح حافظة الأرز الساخن فى ذراع وفى ذارع اخر حقيبة الدراسة، ولم تصمد طويلا جاذبية برنامج تقديم البسكويت واللبن لكل تلميذ أمام الأرز،وهو البرنامج الذى تتبناه منظمة نيباد لحماية أطفال نيجيريا من الأنيميا.
وبينما توقع خبراء الأمم المتحدة أن تنتج القارة الإفريقية نحو 23,2 مليون طن أرز بنهاية العام الجارى بارتفاع نسبته 3,6% عن العام الماضى بسبب اعتدال مؤشرات الأمطار في النصف الثانى من العام 2009 تبدلت توقعاتهم للأسوأ بعدما تحولت الأمطار الوافرة إلى سيول مدمرة لمناطق الزراعة وهو ما أنذر بتراجعات حادة فى معروض الأرز العالمى والأفريقى .
وجاءت تلك التغيرات المناخية موازية فى تأثيرها الضار لحالة الجفاف الاستثنائي الذى شهده العام 2008 وأثر على زراعات عديدة تعتمد على الأمطار وتتطلب كميات وافرة من المياه وفى مقدمتها الأرز الذى تعد نيجيريا أكبر مستهلك أفريقي له.
وفي ضوء ذلك، لم تجد نيجيريا بدا عن الاعتماد على ذاتها لتحقيق أمنها الغذائي
من محصول الأرز الاستراتيجي، وبدأت بالتعاون مع الخبرة اليابانية اعتبارا من مطلع العام الجارى في تطبيق عمليات الميكنة لتحسين الإنتاج والتعامل مع محصول الأرز بولاية كانو.
وقال جون ليشت وهو أستاذ الهندسة الزراعية بجامعة كانو الدولية والمشرف العام على المشروع انه سيتم إنشاء 60 مركزا متطورا للميكنة الزراعية والمعاملة الآلية لمحصول الأرز فى الولاية التى ينتشر فيها قرابة ألف مركز من مراكز معاملة الأرز التابعة للأهالى .
وأشار إلى بدء تشغيل عدد من الغلايات التى يتم خلالها تبييض الأرز تحضيرا للاستهلاك المحلى ، والى أن كلية الهندسة الوطنية بجامعة زاريا بشمالى نيجيريا ستبدأ فى تصميم محطات معاملة الأرز لإنتاجها محليا بأسعار تتناسب مع قدرات المنتجين من متوسطى الدخل.
وتشير أحدث التقارير الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة(فاو) فى أكتوبر الجارى إلى أن إنتاج الغذاء العالمي يجب أن يزيد بنسبة 70% عن معدلاته الحالية لكى يكون قادرا على تلبية احتياجات الطعام لنحو تسعة مليارات نسمة على ظهر الكرة الأرضية بحلول العام 2050 منهم مليار جائع شهدهم العالم فى 2009 وعجزت برامج تأمين الغذاء العالمية عن سد رمقهم بصورة كافية، ووفقا لتقديرات خبراء المنظمة فان إنتاج العالم من الأرز سيصل إلى أقل من 666 مليون طن بنهاية العام الجاري.
ويقدر متوسط استهلاك المواطن النيجيرى سنويا من الأرز وهو الأعلى على مستوى العالم بنحو 23 كيلوجراما للفرد فى حدوده الدنيا، بينما لا يتعدى إنتاج نيجيريا 4,2 مليون طن، ولذا فإنها كانت تستورد كميات كبيرة من الأزر من الهند وتايلاند وفيتنام واستراليا لتلبية احتياجات السوق وتحقيق الاستقرار لهذه السلعة الإستراتيجية قبل أن تتخذ قرارا قبل عامين بالحد من الواردات لحماية منتجيها.
وبحسب بيانات رسمية، فان إنتاج نيجيريا من الأرز يقدر بحوالى 4,2 مليون طن مترى سنويا بينما يقترب استهلاكها من 6 ملايين طن، واستوردت فى العام الماضى 1,6 مليون طن متوقع ارتفاعها إلى 2,5 مليون طن العام الجارى.
وتعتبر ولاية باوتشى فى شمال نيجيريا أكبر مناطق إنتاج الأرز. وقال خبراء فى وزارة الزراعة الوطنية إن الأنظار كلها باتت معلقة بمنتجى الأرز فى الولاية لتطوير انتاجهم والدفاع عن محصولهم من هجمات أسراب الطيور وهجمات الطبيعة التى لا ترحم بسيولها وأمطارها الغزيرة هذا العام .
وفى هذا الصدد أنفقت الحكومة النيجيرية 300 مليون دولار أمريكي لدعم مشروعات الشراكة فى تكنولوجيا الإنتاج بين خبراء تايلانديين لتحديث نظم الرى فى مناطق زراعات الأرز فى باوتشى.
وتعمل نيجيريا على استبدال الرى بالغمر لمساحات زراعة الأرز فى الولاية بنظم بديلة ومتطورة بفضل خبرة الجانب التايلاندى .وتعتمد باوتشى فى إنتاج الأرز على مياه الحوض التشادى العظيم الذى يعد أكبر خزان من صنع الطبيعة لمياه الأمطار فى غرب أفريقيا.
وقال عبد السلام شيبو وزير الزراعة فى حكومة الولاية إن ألف هكتار مزروعة بالحبوب على الأقل تضررت من الهجمات المفاجئة التى تشنها أسراب الكويلا وإن مزارعى الولاية أعلنوا حالة الاستنفار للتصدى لها ومنعها من أن تحط فى حقولهم من خلال استخدام شبكات معينة لصيدها. مضيفا أنه بالإمكان استخدام مبيدات عالية التركيز للتخلص من هذه الطيور لكن ما يخشى منه هو إصابة حبوب الأرز ذاتها بالتلوث ومن ثم القضاء على الإنسان والطيور معا .
وفى سبتمبر 2009 ، اعتمدت الحكومة النيجيرية 251,1 مليون نيرة لتدبير المبيدات واتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة لمقاومة هجمات أسراب طيور الكويلا التى بدأت موسم هجرتها آنذاك مبكرا من غرب إلى شرق أفريقيا مرورا بمناطق زراعة الحبوب الشاسعة فى شمالى نيجيريا بولاياتها التسعة عشرة، وهى طيور معروف عنها نهمها الشديد لتناول الحبوب وهو ما يتسبب فى إبادة محاصيل الأرز والذرة والقمح وتهديد حقيقى لجهود توفير الحبوب وتحقيق أهداف الأمن الغذائى فى نيجيريا التى تعانى مناطقها الشمالية من شح محاصيل الحبوب بسبب الجفاف والتصحر وعدم استقرار الظروف المناخية .
وبشكل عام، تحتاج نيجيريا سنويا إلى ما لا يقل عن خمسة ملايين طن من الأرز، لكنها عمليا لا تنتج محليا سوى مليوني طن فقط ، وتعتمد على الاستيراد الخارجى للأرز بفواتير باهظة .
وتؤكد الدراسات الصادرة عن مبادرة الشراكة الجديدة من أجل التنمية فى أفريقيا (نيباد) أهمية مبادرة «الثورة الخضراء» التى رفعتها نيباد وتستهدف مضاعفة إنتاج القارة من الأرز فى غضون عشرة أعوام، بالتعاون مع وكالة التنمية الدولية اليابانية (جايكا) وترى نيباد أن التعاون مع الجانب اليابانى لا ينفى دور البرنامج الزراعى المتكامل الذى تديره والمعروف اختصارا باسم «كادب» فى الوصول إلى هذا الهدف الاستراتيجي والصعود بإنتاج أفريقيا من الأرز من 14 إلى 28 مليون طن سنويا فى غضون 10 أعوام فى قارة يعتمد 70% من سكانها البالغ أجماليهم 900 مليون أفريقى بصورة أساسية على الأرز فى أمنهم الغذائى ويرتفع استهلاكهم منه بنسبة2,5% سنويا .