شن ميخائيل جورباتشوف آخر زعيم للاتحاد السوفيتي السابق هجوما على نظام الإدارة المركزية في روسيا وحذر من أنها قد تواجه خطر الانهيار- مثل الاتحاد السوفيتي- إذا فشلت في تنفيذ إصلاحات ديمقراطية شاملة.
وقال جورباتشوف: "لقد تحولت البلاد إلى مستنقع من الركود واللامبالاة والفساد. وأخطر ما في هذا هو الضغط الذي يتراكم داخل المجتمع ويمكن أن ينفجر في لحظة في الشوارع بقوة لن يجد منها أحد مهربا".
ورأى أن "السلطات غير قادرة على التعامل مع المشاكل التي تواجه البلاد... فهي لا تستطيع أن تدخل التحسينات... والفرصة الوحيدة للهروب من مثل هذا الركود هو أن يبدأ الناس في المشاركة في صنع القرار. بدون تحديث مؤسساتنا الديمقراطية فلن يحدث تقدم. إنها (المؤسسات) الآن نصف ميتة. فمن يريد مثل هذا النوع من الديمقراطية؟".
وقال جورباتشوف: "حين يدرك الناس أن رأيهم لا يهم ولا شيء يعول عليهم فسوف يخرجون إلى الشوارع". وأضاف: "إن الصبر المهول لشعبنا يضاعف منه لامبالاة السلطات. وهذا الأمر محفوف بومضات مرعبة من الاحتجاج ستؤدي إلى الانفلات الأمني. وهذا أمر لا يمكن السماح به في روسيا حيث كان لنا تجربة مع مثل هذه الأمور".
وذكرت صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" الثلاثاء أن هذه بعضا من أقسى تصريحات جورباتشوف بشأن السلطة المركزية القوية التي يحتفظ بها رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين الذي جاء إلى السلطة بهدف انتشال البلاد من الركود الاقتصادي والانهيار الاجتماعي والانجراف السياسي الذي دام طوال سنوات حكم الرئيس الروسي الأسبق بوريس يلتسن. لكنها رأت أن تحذير جورباتشوف من أن ملايين الروس الساخطين يمكن أن يخرجوا إلى الشوارع من غير المرجح أن يصل إلى طيف واسع من الجماهير.
وأوضحت أن تصريحاته جاءت في سياق مقابلة أجراها مع مجلة "سنوب" التي ينشرها حوت التعدين ميخائيل بروخوروف الذي يحتل المرتبة الــ 39 على قائمة أثرى أثرياء العالم، وموجهة إلى شريحة ضيقة من الأثرياء الروس.
ورحب جورباتشوف في البداية بقدوم بوتين رئيسا لكنه حثه على أن يوسع النظام الديمقراطي ويتيح دورا أكبر للمجتمع المدني النشيط.
وعلى الرغم من أن روسيا في عهد رئاسة بوتين كانت مستقرة وشهدت قدرا من الرخاء نسبيا، يقول محللون إن الانتخابات تحولت إلى ورقة توت تغطي بالكاد الهيمنة الآخذة في التزايد لحزب "روسيا المتحدة" بزعامة بوتين، مشيرين إلى أن وسائل الإعلام تقيدت إلى حد كبير باللوائح التي سنها الكرملين لتغطية الأحداث، والتزايد المستمر في انتهاكات حقوق الإنسان.
ورأت الصحيفة الأمريكية أن بعضا من تحذيرات جورباتشوف جاءت في وقتها تماما على الرغم من أنه لا توجد دلائل تذكر على أن هناك اضطرابات جماعية في المناطق النائية الفسيحة حيث يوجد 500 بلدة ومدينة تعتمد على صناعة وحيدة من أجل البقاء.
وقال يفجيني جونتماخر رئيس "مركز السياسة الاجتماعية" الرسمي إن ما قصد إليه جورباتشوف بالأساس هو أن بيروقراطية الدولة التي كانت سمة الحكم في عهد بوتين قد أصبحت متصلبة جدا وشديدة الوطأة وغير خاضعة للمسائلة إلى حد يجعلها تعجز عن إدارة أية أزمة اقتصادية يمكن أن تندلع.
وقال جونتماخر: "تحدثت مع جورباتشوف مرات عديدة، ولاحظت أنه يوجه انتقادا حادا لكل من بوتين ومدفيديف". وأضاف: "أتفق معه بالأساس. فثمة فجوة كبيرة بين الحكومة والمجتمع المدني. فالإدارة المركزية من أعلى لأسفل أو ما يسميها بوتين (السلطة العمودية) تمثل خطرا شديدا على روسيا. فلا توجد آليات للحوار بين الدولة والمجتمع المدني. ومن ثم في حال اندلاع أزمة فلا مفر من تفريغ الطاقات الشعبية. ومن ثم فلا مناص من أن تنتشر في الشوارع" وستسقط الزعامة في أيدي متطرفين أو ديماجوجيين.
وقال جونتماخر: إن جورباتشوف الذي لا يحظى بأدنى شعبية لدى الروس العاديين الذين يحملونه مسؤولية انهيار الاتحاد السوفيتي، ربما كان من الحكمة أن يدلي بهذه التصريحات على نطاق ضيق يشمل قراء مجلة "سنوب".
وقال: "إن هذا الجمهور مؤلف من الأشخاص الذين يقودون الاقتصاد صعودا وهبوطا وهم شديدو الانتباه لما يقوله جورباتشوف". وأضاف: "هؤلاء هم الناس الذين يقلقون" من الهشاشة المتفاقمة لنظام سلطة الدولة في روسيا.
ووقعت بعض الاضطرابات الصغيرة القليلة في السنوات الأخيرة في روسيا منها إضراب جماهيري في بلدة بيكاليوفو الصناعية العام الماضي، أخمده بوتين بالهرولة إلى موقع الإضراب والاستجابة لكل مطالب العمال وتوبيخ مديري الشركة بطريقة مسرحية في مؤتمر صحفي بثه التلفزيون.
وقال جونتماخر إن ما حدث في بيكاليوفو يصور مدى ضعف نظام تطلب حضور رئيس الوزراء بشخصه لكي يخمد نزاعا عماليا واحدا.
وقال البعض إن جورباتشوف يبالغ. فوقت أن كان زعيما للاتحاد السوفيتي أشرف على عملية دمقرطة شاملة في مؤسسات الدولة لكنها أدت إلى فوضى اقتصادية شاملة وانفجار اجتماعي.
وضيق بوتين الخناق على الديمقراطية وحرية التعبير لكن الأحوال المادية تحسنت لمعظم الروس.
وقال أندريه كوليسنيكوف مشرف صفحة الرأي في صحيفة "نوفايا جازيتا" الروسية المعارضة التي يمتلك جورباتشوف جزءا من أسهمها: "هذه هي المرة الأولى التي يتحدث فيها جورباتشوف بهذه الطريقة عن بوتين ومدفيديف لكن ربما لا يكون مصيبا في توقعاته. إن الكثير من الناس يشعرون أن بوتين و (الرئيس الروسي دميتري) مدفيديف يقودان البلاد في الاتجاه الخاطئ غير أن جورباتشوف يقلل من شأن اللامبالاة السياسية لهؤلاء الروس".
وأضاف كوليسنيكوف: "لقد تغيرت العقلية الروسية. ففي وقت جورباتشوف خرج الناس بالفعل إلى الشوارع. لكنهم مجهدون الآن. فالناس حتى لا يستعملون الحقوق الممنوحة لهم في الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات أو في التظاهر. وسوف يمر عليهم وقت طويل قبل أن يتغيروا".