x

عبد الناصر سلامة الجن يرفع علم مصر! عبد الناصر سلامة الإثنين 21-03-2016 21:27


بالفعل اتضح أن الجن حاجة خارقة، رأيناه على مدى ستة أعوام مضت وهو يرفع علم مصر فوق طابا، هذه الأرض الطيبة التي ارتفع فيها العلم بعد تحريرها لأول مرة، بعد احتلال دام نحو ٢٠ عاماً، وفى أعقاب سبع سنوات من المفاوضات والتحكيم الدولى، تحديداً في عام ١٩٨٩، كان الرئيس حسنى مبارك هو الذي قام برفع العلم آنذاك، هذا هو الوضع الطبيعى، هو رئيس مصر الذي كان أحد القيادات المشهود لها في تحرير سيناء، سواء بالحرب في عام ١٩٧٣، أو في اتفاقية السلام عام ١٩٧٩، أو في مفاوضات تحرير الكيلومتر مربع الخاصة بطابا، والتى لم تكن أقل جهداً مما سبق، لكن ما هو غير طبيعى أن يدخل الجن على الخط، ويقوم برفع العلم منذ عام ٢٠١١ وحتى الآن، وبقدرة قادر لم يعد الرئيس مبارك يظهر في الصورة.

هذه هي الحقيقة، كل عام وفى هذه الذكرى العزيزة، نرى بأعيننا العلم في التليفزيون المصرى وهو يرتفع بنفسه، يصعد شيئاً فشيئاً، حتى نهاية الصوارى، فيتوقف وحده أيضاً، ثم لا نرى الحبل عندما يتم ربطه حتى لا يهوى العلم مرة أخرى، فيما يشير إلى أن الحبل أيضاً يربط نفسه بنفسه، أو أن الجن الأزرق، ابن العفريت الأحمر، يقوم بربطه هو الآخر.

في العام الأول لتلك الحادثة الشهيرة، وهى حادثة الجن وعلاقتها بعلم طابا، ظننا أن التليفزيون سوف يستعين بالمشايخ المتخصصين في موضوعات الجن، وسوف يجدون بالتأكيد حلاً لهذه المشكلة، إلا أنه لم يحدث، في العام التالى قلنا إن ألزهايمر كان هو الحالة الواضحة على وجوه جماعة العواجيز الذين كانوا يديرون الموقف، وبالتأكيد سوف يتم تدارك الأمر في العام القادم، إلا أن ذلك أيضاً لم يحدث، في العام الثالث كان الجماعة إخواننا على الساحة، وبالتأكيد استمرار الجن في رفع العلم ربما يكون أفضل من أي أحد آخر من وجهة نظرهم، حتى جاء العام الرابع، وكان الوضع آنذاك «لا بيهش ولا بينش»، وبالتالى لا جدوى من الكلام.

الغريب هو أن يستمر هذا الأمر حتى العام الماضى، وما زاده سوءاً هذا العام، إضافة إلى موضوع الجن، هو أن نرى من يشيد بالإرادة الصلبة لعملية تحرير طابا، دون ذكر صاحب هذه الإرادة، أو دون الإشارة إلى من قادها ووقف خلفها، وكأنه الجن أيضا، الذي لا يريد أن يفارق حياتنا بهذا الشكل المخيف.

قبل ذلك استشهدنا بالجن في أنه سوف يحتار في أمر ذلك البلد، لما سوف يرى من تطور وتقدم، ويبدو أن الحيرة قد جاءت عكسية، فقرر الابتعاد عن المشهد العام، استقر به المقام في طابا، حول العلم مجهول الهوية، لذا أخشى أن يقف أمر الجن على ذلك العلم، فتستهويهم القصة كل عام، وتستهوينا أيضاً حكاية التعامل مع الجن والعفاريت، على اعتبار أنهم ربما كانوا أكثر أريحية في التعاملات اليومية من الآدميين المثيرين للقلاقل والنكد في آن واحد.

وإذا نحينا موضوع العلم جانباً، وسلّمنا بموضوع الجن، لنعود بالوراء إلى تلك المفاوضات الشاقة التي أدت لتحرير طابا، فربما نجد أن فريق المفاوضين أيضاً كانوا مجموعة من العفاريت الوهميين، فلم نعد نشير إليهم، ولا تسعى وسائل الإعلام إلى الأحياء منهم، ولا الإشارة إلى جهودهم في هذه القضية التي يجب أن تسجلها كتب التاريخ بأحرف من نور، يستلهم منها العامة، وتستفيد منها الدبلوماسية المصرية والأجنبية، وكأن الاحتفال بهذه الذكرى خلال هذه المرحلة العقيمة سوف يظل قاصراً على حالة التجاهل هذه، إلا من خلال «تويتة» على مواقع التواصل الاجتماعى مثلاً.

بالفعل، الأمر في صورته الحالية أيها السادة يؤكد أن هناك خللاً واضحاً، لابد من ترميمه، يؤكد أن هناك في النفوس الكثير مما لا دخل له بإدارة الأوطان، ينبغى علاجه، حتى لو احتاج الأمر إلى أطباء متخصصين في هذا الشأن، الأمر يؤكد أننا لا نسير أبداً على الطريق الصحيح، قد يكون بيننا أشخاص بهم ما بهم من التعقيدات، إلا أن ما يجب وضعه في الاعتبار دائماً وأبداً أمران مهمان:

الأمر الأول: هو أن هناك أجيالاً حاربت، وقاومت، وناضلت، واستشهدت، وقدمت الكثير مما لا تعرفه الأجيال المتعاقبة، هؤلاء هم الذين خاضوا الحرب بالمعنى المتعارف للكلمة، وهناك من بعدهم من لم يحملوا السلاح أبداً، إلا أنهم يزايدون طوال الوقت على من كان قبلهم، أجيال الحرب هذه لا يجب أبداً أن ننتقص من قدرها ولن نستطيع بأى حال من الأحوال، إلا أننا نُسجل كل يوم مواقف يشوبها الكثير من عُقد النقص، وهذه كارثة.

الأمر الثانى: هو أننا لا نراعى أن هناك أجيالاً متعاقبة يجب أن تتعلم منا معانى الوفاء والاحترام، والاعتراف بأولى الفضل، ونسب كل جهد إلى أصحابه، ولن تتقدم أي مجتمعات أبداً تنكر هذه المعانى، لا توقر الكبير، ولا تُعَلم الصغير، وتظل تتعامل مع الجن على أنه صاحب الأمر والنهى، قد يكون ذلك أسلوب تربية، وقد يكون عقيدة، إلا أنه بالتأكيد مخيب للآمال.. بصراحة ما يصحش كده.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية