جرَت العادة أن يكون الأهل هم السبّاقين لمواضع أقدام أولادهم، يختبرون سلامة الأرض وصلابتها، ويمهدون أمامهم طرق الخطر، لكن فى عصر دخول الأمهات إلى «فيس بوك»، جرى الترتيب على نحو مختلف، عرف الأبناء منصة التواصُل الاجتماعى الافتراضية قبل الأمهات اللاتى انغمسن فى نشاط اجتماعى حقيقى مادى، من خلال حديث صباحى مع الجارات على طُرقات السُلم للتشاور فى وصفة طعام منزلية، أو مكالمة مسائية مع الصديقات بعد انتهاء «شُغل البيت» ونوم الأولاد، غير أن المنصّة التى كانت عاملًا مساعدًا لقيام ثورة، ومحلاً لحوارات جدليّة مجتمعية مؤخرًا، عرفت طريقها لفضول الأمهات، فكان نشاطهُن يشبه سلوكهن الأمومى الحانى المشبّع بالخوف والرغبة فى الرعاية، إضافة إلى تحوله إلى أداة للرقابة على الأبناء.
ماما «رويدا»
أقارب مدام رويدا عزت، الذين باعدت بينها وبينهم الحدود، كانوا دافعها الأول لطرق أبواب «فيس بوك» منذ 4 أشهر، وطوال تلك المدة، حافظت «رويدا» على التواصل مع ابنتيها ذوات الـ 17 والـ 15عامًا، وجعلتهما يشاركانها نشاطهما الافتراضى، ويطلعانها على مشاركات أصدقائهما، لكنها وفى الوقت نفسه كان لها عين ناقدة لنشاط الآخرين على الموقع الافتراضى.
رجحت كفة «فيس بوك» لدى «رويدا» عن التليفون، بعد تأكدها من قدرته على الإفصاح عن ميول الأشخاص وأفكارهم أكثر من «نبرة الصوت» فضلاً عن إتاحته تكوين جماعات من الصديقات يقرِّب بينهن الوسط الافتراضى، ويمكِّنهن من التواصُل فى كل وقت، فيما لاحظت أن آفة «فيس بوك» هى «عدم تقبل الآخر، وعدم التعبير عن الاختلاف بأسلوب مهذّب».
ماما «غادة»
بدأت علاقة مدام «غادة» بـ«فيس بوك» عام 2009 لأغراض مهنية، وللتواصل مع أولياء أمور طُلابها ومتابعة صفحات المدرسة التى تترأس إدارتها، غير أنها وبتركها للعمل، لاتزال على صلة به لمُتابعة أخبار مصر «من وجهة نظر الناس».
وفى حين تعى «غادة» أن «فيس بوك» ليس موقع التواصُل الاجتماعى الوحيد كما تقول: «الجيل الصغير بيستخدم تلات أو أربع حاجات تانيين»، فإن «فيس بوك» بالنسبة لها نافذة للاطمئنان على صغارها، واضعةً فى اعتبارها استحالة السيطرة، فى ظل تعدد وسائل التواصل، بينما يبقى الحوار المباشر من وجهة نظرها، الوسيلة النافعة الوحيدة لتقويم الأبناء ومراقبة أفعالهم.
ورغم اعترافها أن مجموع عدد الساعات الذى تقضيه على «فيس بوك» قد يصل إلى ثلاث ساعات يوميًا، فإن سلوك ولديها، 16 و21 عامًا، إزاء «فيس بوك»، يثير حفيظتها وقلقها، إلا أنها تبرر ذلك بقولها: «التواصل مع البشر إدمان، والإنسان مرعوب يبقى لوحده»، لكنها وفى الوقت نفسه لا تُخفى هلعها من أن يؤثر هذا العالم الافتراضى على تركيزهما وتواصلهما الطبيعى.
نشاط «غادة» على «فيس بوك»، يتنوّع ما بين التواصُل الافتراضى مع ولديها الذى لا يخلو من مواقف لطيفة وقفشات أسرية، مثل سخريتهما من أحد منشوراتها الذى أبدت خلاله حزنها على سمكتها الأليفة، وبين العثور على زملاء الدراسة، إضافة إلى بعض النصائح المنزلية التى تفيدها.
ماما «رانيا»
دكتورة الفنون التطبيقية سبقت صغارها إلى «فيس بوك» منذ عام 2007، لذلك فهى تعتقد أن الأجيال الجديدة لا يميلون لهذا العالم سوى لتحميل تطبيقات الألعاب، وفى حين ينصحها الكثيرون بتشييد أبراج مراقبة افتراضية لأولادها عن طريق «فيس بوك»، ترى أن ذلك غير مجدٍ، وتستدِل على موقفها بطفولتها ومراهقتها ومهارتها فى التحايُل على أوامر الأهل، وإخفاء آثار أى شىء يحقق لها السعادة، قد يثير حفيظتهم.
«بتحسى إن لسه فيه خير فى الدُنيا»، ترى «رانيا» أن هذا أجمل ما فى «فيس بوك»، حيث يتيح لمستخدميه فُرصة المشاركة فى المناسبات السعيدة واللحظات الصعبة على حد سواء، فضلاً عن إظهاره الجانب الإيجابى من البشر الذين لا يبخلون فيه عن مساعدة الغير.
ماما «مُنى»
هى حديثة العهد مع «فيس بوك»، تتحسس طريقها بمُساعدة ابنتها «ندى»، لكن مدام «مُنى» قررت الدخول إلى الواقع الافتراضى باسم مُستعار، تلبية لرغبة أبنائها الذكور الذين أثار حفيظتهم وجود اسم والدتهم ضمن قائمة أسماء مستخدمى «فيس بوك». «المزرعة السعيدة» كانت بوابة دخول «منى» إلى «فيس بوك»، إلا أنها وبعد فترة أصبح لها نشاط أكثر تنوعًا بعد أن استهوتها الصفحات الدينية التى تنشُر قصصًا بها الكثير من العبر والقيم الأخلاقية، فضلاً عن هوايتها الخاصّة فى مُتابعة تعليقات المستخدمين على المنشورات العامة، لنسخ بعضها وإعادة نشرها لمشاركتها مع أصدقائها على حسابها الخاص.
ورغم اعترافها بفضل «فيس بوك» فى تنشيط عقلها عن طريق شغل وقت فراغها كربّة منزل عن طريق الاطلاع على وجهات نظر الآخرين، فإن «سياسة التلقيح» ـ كما وصفتها ـ بأن يستهدف أحدهم نقد آخر دون أن يُشير لاسمه، هو أسوأ ما يثير حفيظتها على «فيس بوك»، خاصة عندما يحدث بين الأصدقاء والأهل، حسبما تقول.
أما عن ممارسة دور الأمومة على «فيس بوك»، فاستعادت «مُنى» موقفًا طريفًا، حينما علقت على صورة أحد أبنائها بشكل سلبى، أودى بـ«علاقتهما الافتراضية» إلى طريق مسدود انتهى بـ Block، ما لبث الابن أن تراجع عنه فيما بعد، كما قالت.