x

اللواء محسن حمدى رئيس اللجنة العسكرية للإشراف على انسحاب إسرائيل من سيناء: «زلة لسان» ضابط إسرائيلى غيَّرت مجرى مفاوضات طابا (حوار)

الأحد 20-03-2016 00:02 | كتب: منى مدكور |
المصري اليوم تحاور«اللواء محسن حمدى » المصري اليوم تحاور«اللواء محسن حمدى » تصوير : سمير صادق

بعد مرور ما يقرب من 27 عاماً على استرداد طابا ورفع العلم المصرى على ترابها، مازال هناك الكثير من الأسرار لم يتم الكشف عنها بعدُ حول تلك الملحمة السياسية والعسكرية التى قادها فريق الدفاع المصرى فى مفاوضاته مع الجانب الإسرائيلى، والتى استمرت قرابة 10 سنوات من العمل المتواصل لانتزاع حق مصر فى أرضها حتى تم إعلان تحرير طابا رسميا فى 19 مارس 1989.

«المصرى اليوم» تنشر أهم وثيقة اعتمدت عليها المفاوضات المصرية الإسرائيلية لاسترداد طابا، التى حاول الجانب الإسرائيلى التشكيك فى صحتها، وهى «وثيقة 1906» التى تتعلق بترسيم الحدود بين مصر وتركيا خلال فترة الحكم العثمانى، والتى تثبت أن طابا مصرية 100%، فضلاً عن العديد من الصور النادرة التى تنشر للمرة الأولى حول رحلة استعادة طابا وإثبات الحق المصرى.

وتحاور «المصرى اليوم» اللواء أركان حرب بحرى محسن حمدى، الذى يعد إحدى الركائز الأساسية فى وفد المفاوضات المصرى، رئيس اللجنة العسكرية للإشراف على انسحاب إسرائيل من سيناء وعضو الفريق المصرى فى مفاوضات استرداد طابا والذى قال عنه الوزير الأسبق نبيل العربى فى مذكراته الشخصية الصادرة مؤخراً «طابا- كامب ديفيد- الجدار العازل»: «أعتقد أنه فى دراساتنا ومذكراتنا التى أعددناها لتحرير طابا، لولا اللواء محسن حمدى ما كان ممكناً أن نسترد طابا فى التحكيم الدولى».

ويكشف اللواء حمدى، فى هذا الحوار، تفاصيل مثيرة على رأسها سر العلامة 91 فى المفاوضات، وقصة «زلة اللسان» التى أدت إلى تحديد مكان هذه العلامة، وكذلك قصة تجاهل مبارك للفريق المصرى فى المفاوضات بعد رفع العلم على أرض طابا.

المصري اليوم تحاور«اللواء محسن حمدى »

■ بداية.. كيف جاء اختيارك للمشاركة فى فريق الدفاع المصرى فى مفاوضات استرداد طابا؟

- كان موقعى قبل الانضمام لفريق الدفاع المصرى فى فرع المعلومات فى المخابرات الحربية، وهو الفرع المسؤول عن معرفة كل المعلومات الممكنة عن العدو الإسرائيلى، ومكثت فى العمل فى هذا الجانب المعلوماتى لمدة 17 عاماً متواصلة، وبعد أن ذهب الرئيس السادات للقدس وألقى خطابه التاريخى هناك، شُكِّلت لجنة عسكرية من وزيرى الدفاع فى الجانبين المصرى والإسرائيلى وقتها، المشير محمد عبدالغنى الجمسى وعزرا وايزمان، وكان أول اجتماع لهذه اللجنة فى قصر الطاهرة، وانضممت للاجتماع فى نهاية 1977، وفى هذا الاجتماع تحدث الإسرائيليون بمنتهى الحدة والاستفزاز، وكانوا يتخيلون أن المصريين سيقبلون بأى شىء، وهذا ما رفضناه، وبعد الاجتماع تم تشكيل لجنة سياسية برئاسة إبراهيم كامل، وزير الخارجية الأسبق، وأعلنت مصر لاحقاً وقف المفاوضات بسبب أسلوب الغطرسة الإسرائيلى، خاصة أن رئيس الوزراء الإسرائيلى مناحم بيجين «قلّ أدبه وتطاول على مصر»، فأمر الرئيس السادات بوقف المفاوضات، ثم تدخل الرئيس الأمريكى وقتها جيمى كارتر، ودعا الطرفين لاتفاق كامب ديفيد، وتم تعيينى وقتها عضواً فى الجانب المصرى رئيساً للجنة العسكرية لتنفيذ بنود معاهدة السلام بمراحلها، ومن بعدها جاء اختيارى فى وفد مصر فى استرداد طابا، وكذلك رئيس مجموعة الاتصال فى المخابرات الحربية مع كل الجهات الأجنبية، يعنى ما يزيد على 12 عاماً من التعامل مع الإسرائيليين على طاولة المفاوضات، من بينها 7 سنوات كاملة لاسترداد طابا وحدها.

■ العلامة الحدودية 91 كانت نقطة فارقة فى ملف المفاوضات.. ما الذى حدث؟

- مع بداية العمل بدأت بتتبع العلامات الحدودية من علامة 1 فى رفح وصولاً إلى طابا فى مسافة تقارب 217 كيلومتراً، وكانت إدارة المساحة العسكرية برئاسة اللواء عبدالفتاح محسن قد أدت دوراً عظيماً فى مهمة تأكيد أحقية مصر فى خط الحدود، وفق دراسات وكروت توصيف للعلامات الحدودية، وكانت وجهة نظر إسرائيل فى النقطة 91 أن الخط الحدودى نفسه خطأ، وأن الخلاف على الخط الحدودى وليس على العلامة نفسها! وخلال فترة احتلال سيناء «لعبوا فى أرض سيناء زى ما هم عايزين»، وغيروا العلامات الحدودية، فى خطة استراتيجية لإعادة ترسيم الحدود من جديد لصالحهم.

■ إذن هم قاموا بطمس هذه العلامة الحدودية؟

- نعم، كسروا العلامة للتضليل، وتكمن أهمية العلامة 91 تحديداً بالنسبة لهم فى 3 نقاط أساسية، فهذه النقطة ستمكنهم من الحصول على «وادى طابا»، إسرائيل لم تكن تقبل أصلاً الانسحاب من سيناء، وهذه النقطة تحديداً كانت ستمكنها من السيطرة على الوادى من خلال أعلى نقطة، وفى المصطلحات العسكرية يطلق عليها «نقطة ركوب الجبل»، حيث يكون كاشفاً تماماً لكل المنطقة المحيطة وأى تحركات مصرية ويراقبها، وكان هناك هدف اقتصادى، لأن إيلات ليس بها شاطئ على البحر، إذن فهم كانوا يريدون سياحة وطابا كانت نقطة جذب سياحية كبرى لهم، أما الأهمية الاستراتيجية والسياسية فكانت ترتكز على قرار الأمم المتحدة رقم 242 لسنة 67، الذى يشير إلى أن تنسحب القوات الإسرائيلية من الأراضى المحتلة التى احتلتها بلفظ «lands Occupied» ولم يقل «The landsOccupied» وهنا الفرق كبير، حيث تعنى الأولى «أراضى محتلة»، بينما تعنى الثانية «كل الأراضى المحتلة»، وقد صاغ نص هذا القانون رجل إنجليزى، والإنجليز معروفون بخبثهم ودهائهم الشديد، وهذا يعنى لدى الإسرائيليين أن من حقهم عدم الانسحاب من كل الأراضى التى احتلوها وفقاً لذلك القرار، وإذا استطاعت إسرائيل أن تُبقى على جزء من أرض مصر فيمكنها أن تُبقى كذلك على جزء من أراضى سوريا ولبنان والأردن.

■ هل وضعوا فى طريقكم أى عراقيل لعدم اكتشاف الخدعة بتغيير مكان العلامة 91؟

الرئيس عدلى منصور يكرم اللواء محسن

- نعم، فقد قالوا لنا إن العلامة 91 ليست فى قمة الجبل، بل فى الوادى، وحينما طلبنا الصعود إلى العلامة 91 كما هى مثبتة عندنا، قالوا لنا الهليكوبتر لن تستطيع الهبوط فوق الجبل، فطلبنا سيارة جنزير فقيل لنا الساعة الآن 5 وقت الغروب، ولدينا تعليمات بعدم التحرك والرجوع، فصممنا على المعاينة وصعدنا على أرجلنا، وبالفعل وصلنا إلى القمة ووجدنا أثراً للعلامة 91 لكن لم نجد العلامة نفسها «العامود»، وأذكر أنه كان معنا رقيب أول محمد عبدالمجيد، الذى نزل إلى مخر السيل للبحث عن أى دليل، وبعد قليل وجدته يصرخ «يا فندم وجدنا العلامة رقم 91 »، فمن غبائهم الشديد أنهم خلعوا العلامة وألقوا بها فى مخر السيول، ولم يفكروا حتى فى إخفائها بطريقة ذكية!

■ ماذا كانت ردة فعل الوفد الإسرائيلى وقتها بعد العثور على العلامة 91؟

- صُدموا، وعنَّف أرييل شارون «ميلاميد»، رئيس المساحة العسكرية فى وزارة الدفاع الإسرائيلية وقتها بشدة، وعرفنا فيما بعد أن شارون هو من أمره بإخفاء العلامة، ورغم أن العلامة كانت فى أيدينا فإنهم أنكروها، وقال له: «الطبيعة لا تكذب»، ثم اتجه إلينا قائلاً: «لا لا هذا غير صحيح، إن العلامة 91 ليست فى هذا المكان من الأساس بل فى مكان آخر»، وكنت أصطحب معى مترجم لغة عبرية لمعرفة ما يقوله أعضاء الوفد الإسرائيلى فيما بينهم، على اعتبار أننا لا نفهم العبرية، وكان هذا المترجم متخفياً فى شخصية سكرتيرى الخاص، كما أنهم أيضاً كان لديهم نفس التكتيك!

■ هل صحيح أن إسرائيل بعد أن فشلت فى خدعة العلامة 91 عرضت أن تكون طابا منطقة حدودية مشتركة وفق مميزات لاحقة لمصر؟

- كانت هناك مقولة خطيرة جداً لموشى ديان، وقالها لجيمى كارتر فى إحدى أزمات المفاوضات بعبارة واضحة «السلام مع مصر بدون شرم الشيخ مرفوض»، لكن مسموح لنا أن نتفاوض معهم بعقد لقاءات فى شرم الشيخ للسلام! «إسرائيل كانت عايزة تاخد شرم الشيخ تحديداً»، وتوقعاتهم بفشل مفاوضات طابا كانت هى البوابة الأساسية للاستيلاء على شرم الشيخ بعد ذلك.

■ لكن صحيفة «عالهمشمار» اليومية الإسرائيلية نشرت فى ذلك الوقت أن إسرائيل تلوِّح بعدم انسحابها من باقى سيناء إذا لم تعتبر مصر «طابا» منطقة محايدة بين البلدين، «طابا مصرية وطابا إسرائيلية»، وهو ما ترتب عليه دعوة الرئيس الأسبق حسنى مبارك لأرييل شارون للتباحث فى القاهرة.. ما مدى صحة ذلك؟

- لا، لم يوجه مبارك الدعوة لشارون، وشارون لم يأت إلى مصر إلا حينما اشتكى للسادات من تعنتى فى العلامة 27، فقام الفريق كمال حسن على بدعوته لتأكيد أحقية العلامة 91 كذلك.

■ تردد أن «زلة لسان» لرئيس مجموعة المساحة العسكرية الإسرائيلية «زائيف» أثبتت الحق المصرى فى تلك العلامة فى مفاجأة لم يتوقعها المصريون أنفسهم.. هل هذا صحيح؟

- صحيح، فبعد أن قدمت العرض الوافى فى إثبات أن العلامة 91 هذا هو مكانها الصحيح على قمة الجبل، قام الكولونيل زائيف، رقم 2 فى الوفد العسكرى الإسرائيلى، ليقدم الشرح الإسرائيلى، وأول جملة قالها: «معروف أن ضابط المساحة الإسرائيلى يبدأ دوماً عمله بالبحث عن المناطق العليا»، وهنا بُهت شارون وقال له صارخاً: «توقف وانزل، انزل من على منصة الشرح»، وطرده خارج الجلسة بعد أن أثبتت زلة لسان «زائيف» أن الإسرائيليين كاذبون، لأنهم كانوا مصممين على أن العلامة 91 فى الوادى (تحت) وليست (فوق) على قمة الجبل كما هى فى الحقيقة.

■ لماذا اشتكاك شارون للرئيس السادات بسبب العلامة الحدودية 27؟

اللواء محسن حمدى خلال لقاء مع السادات

- بسبب 170 سنتيمتراً كانت من حق مصر، والإسرائيليون لا يريدون الاعتراف بها، فقال شارون للسادات «اللواء حمدى يتمسك بأشياء فنية لا تستحق الوقوف عندها الآن، لأن مصر وإسرائيل جيران وبينهما سلام وصداقة»، فاستفسر السادات، فقال إنه يتمسك بـ170 سنتيمتراً عند العلامة الحدودية 27، ولديه سيناء بطول 300 كيلو متر، ورد عليه الرئيس السادات بحسه الوطنى والسياسى الفاهم والفلاح الأصيل الذى يفهم أن الأرض عِرْض قائلاً: «وهل تعتقد أنها (أرض أبوه) يتصرف فيها ويتسامح كيفما شاء؟»، ولم نتنازل عنها بطبيعة الحال.

■ هل صحيح أن إسرائيل عرضت على مصر فى المفاوضات تأجير طابا لمدة 99 سنة؟

- لا، عرضوا تأجير شرم الشيخ، وطبعاً كان الرد المصرى بسخرية شديدة.

■ بعض المذكرات التاريخية أشارت إلى أن إسرائيل طلبت فى ذلك الإطار أيضاً بناء قواعد عسكرية ومطار فى شرم الشيخ.. ما صحة ذلك؟

- حدث هذا بالفعل، لكن ليس إبان فترة المفاوضات على طابا، بل بعد توقيع معاهدة السلام 79، وأول ما قعدنا معاهم فى أمريكا طلبوا ذلك بالفعل.

■ ما كواليس إقامة فندق سونستا طابا وقرية «رافى نيلسون»، اللذين دشنهما الإسرائيليون لفرض أمر واقع أثناء فترة المفاوضات؟

- لم يكن معلناً فى البداية أنه فندق، وهذه معلومة تُنشر للمرة الأولى، فقد التقيت فى واشنطن قبل توقيع معاهدة السلام رئيس اللجنة العسكرية للجانب الإسرائيلى، وطلب منى الذهاب إلى منطقة بناء الفندق لاحقاً للمعاينة على الأرض، وحينما سألته عن هذا المبنى وكان مازال فى أدواره الأولى «على الطوب الأحمر»، فقال لى إنه «دار مسنين»، يبنيه مليونير أمريكى لصالح الإنسانية! وحينما سألته من الذى يقوم ببنائه قال لى «الفلسطينيون»! للأسف الشديد، أما قرية نيلسون فقد أحضر الإسرائيليون وقتها بضعة كراسى وشمسيات ووضعوها على البحر، وقالوا «شاطئ طابا جنة إسرائيل»!

■ لكن فندق سونستا طابا كان نقطة خلاف أساسية أيضاً فى ملف المفاوضات.

- نعم، لكن كان لدينا وزير سياحة شجاع «فؤاد سلطان»، قال لهم قولاً واحداً: «يا تهدوه يا نشتريه»، فقمنا بشرائه بمبلغ 37 مليون دولار لإنهاء الموضوع برمته.

■ هل صحيح أن إسرائيل طلبت أن تكون جلسات التحكيم الدولى فى القدس ومصر رفضت؟

- لا لم يحدث.

■ ذكر وزير الخارجية الأمريكى الأسبق جورج شولتز، الذى تولى منصبه فى الفترة ما بين 82– 89، فى مذكراته فيما بعد أنه «بعد الحكم الدولى الذى صدر لصالح مصر فإن إسرائيل قالت (لن أنفذ) واعتبرت أن الحكم مقبول من منطق السيادة، لكن الترتيبات على الأرض شىء مختلف»، فما الذى حدث؟

- حاول الإسرائيليون بعد صدور حكم التحكيم الدولى، الذى كان باتاً وصريحاً فى 14 علامة حدودية محل خلاف، التلاعب بأى أوراق ضغط ومن بينها هذه الكلمات، فهم لم يكونوا مصدقين أنهم سينسحبون من طابا حتى بعد صدور الحكم، وأذكر هنا للمرة الأولى أنه فى آخر مقابلة بينى وبين دوف سيون، رئيس اللجنة العسكرية الإسرائيلية، وكنا فى إيلات، وجلسنا 4 ساعات للتفاوض ولم نتوصل لشىء، ومعنا 12 عضواً من كل فريق، ثم طلب منى «سيون» أن يجتمع معى بشكل ثنائى، وقال لى: «يا أدميرال، نريد أن نحل النقاط الفنية المتوقفة فى إنهاء المفاوضات، وإذا لم نتوصل إلى حل جذرى وسريع سيقوم الطرفان الحكوميان بتغييرنا واستقدام آخرين لإنهاء هذه النقاط الفنية»، واعترف قائلاً: «99% مما تقوله مصر عن حقها فى طابا صحيح، و99% مما تقوله إسرائيل عن حقها فى طابا صحيح، إذن يظل هنا الـ1% خطأ، وهذا ما أريد أن أتحدث معك بشأنه ونلعب فى الـ1% هذا»، فقلت له: لا أفهم؟ فأحضر ورقة وقلماً ورسم وادى طابا وقسمه نصفين دون أن يتكلم كلمة واحدة، فقلت له: أيضاً لا أفهم، ما هذا؟ فظل يشير لى على الورقة لكى أفهم دون أن يشرح بالكلام، فاستنتجت أنه تصور أنى أحمل أجهزة تنصت للقاء وأسجل له ما سيقوله وأتخذه ضده فيما بعد فى التحكيم الدولى، لقد كانوا يريدون نصف وادى طابا فى حال فشلوا فى الحصول عليها كاملة!

■ ماذا كان ردك؟

اللواء محسن حمدى يتفقد علامة حدودية

- قلت له: لا أنا ولا وزيرى ولا رئيسى يقبل أبداً بما تقوله، وأبلغت السادات بالواقعة كاملة.

■ رغم صدور قرار لجنة التحكيم الدولى يوم 15 مارس 1989 فإن التنفيذ على الأرض بالفعل تأخر 3 أيام، ليعلن رفع العلم يوم 19 مارس، ماذا كان يحاول أن يفعل الإسرائيليون عبر هذه المماطلة فى التنفيذ؟

- اخترعوا قصة أنهم لا يعرفون نهاية خط الحدود بعد التحكيم الدولى إلى أين ينتهى على الشاطئ، وحاولوا الحصول على 10 أمتار داخل الأراضى المصرية خلال تلك الأيام الثلاثة، وفشلوا، ورُفع العلم يوم 19 مارس 1989.

■ تردد كثيراً أن «أم الرشراش»، أو إيلات الإسرائيلية حالياً، هى أرض مصرية وكان حلم استردادها أساسياً وقوياً لدى جمال عبدالناصر، وهو ما دفع الرئيس الأمريكى جون كينيدى وقتها لأن يقترح عليه أن يستبدلها بـ«كوبرى»، ورفض عبدالناصر، وكانت أيضا حلماً للسادات وأدرجت بالفعل فى مفاوضات التحكيم الدولى، لكن ذلك لم يحدث، لماذا؟

- أم الرشراش لم تُدرج ولم تُناقَش فى مفاوضات طابا أبداً، والحقيقة هى أن أم الرشراش ليست أرضاً مصرية، و«عمرها ما كانت أرض مصرية»، بل أرض فلسطينية.

■ لكن إسرائيل حاولت مراراً خلط الأوراق فى المفاوضات فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية ومحاولة الدفع بهذا الملف أكثر من مرة؟

- الفلسطينيون لم يتدخلوا فى مفاوضات طابا، ولم نشركهم أبداً فى العمل، وما تردد عن أم الرشراش كثير، حتى إن الإسرائيليين حاولوا فعل ذلك، لكن الوفد المصرى رفض بحسم، وقال نحن أمام قضية مصرية خالصة.

■ هل هذا الحسم ينطبق على موقف الراحل أسامة الباز حينما احتدَّ على «عيزرا وايزمان» وقتها فى أحد الاجتماعات وقال له: إذا كنتم تجادلون فى إعطائنا طابا فأعطونا أم الرشراش أيضاً؟

- الله أعلم، لا أعرف، لكن تحضرنى واقعة أخرى لهذا الرجل العظيم، وتحديداً بتاريخ 12 أكتوبر 1978، فى البلير هاوس فى أمريكا، وكان هناك وفد مصرى أمريكى إسرائيلى، وقبل أن يحضر عيزرا وايزمان للاجتماع، أطلق تصريحاً للاستهلاك المحلى فى إسرائيل قال فيه للإسرائيليين: «لا تقلقوا من عمليات الانسحاب، أستطيع أن أحتل سيناء فى ظرف 48 ساعة مرة أخرى»، وحينما دخل القاعة لكى يسلم على أعضاء الوفود وقف أمام أسامة الباز، فرفض الباز أن يسلم عليه وأعطاه ظهره، ولاحظ رئيس الوفد الأمريكى ذلك، إلى أن قال له الباز صراحة «تكلم من فوق الترابيزة وكفاية التصريحات المثيرة للجدل بهذه الطريقة، كيف تأتى لعقد معاهدة سلام وتتحدث عن احتلال سيناء مرة أخرى»، فاعتذر وايزمان.

■ ألم تحدث أى خروقات إسرائيلية للمياه الإقليمية المصرية خلال فترة التفاوض التى استمرت 10 سنوات منذ توقيع معاهدة السلام حتى تحرير طابا؟

اللواء محسن حمدى أثناء معاينة موقع أرض المفاوضات

- لم يحدث، ولم يكونوا يستطيعون فى كل الأحوال، فالمعاهدة كانت مكبلة لهم بمعنى الكلمة.

■ تظل كلمة السر الحقيقية فى نجاح مفاوضات طابا، بالإضافة إلى كل تلك المجهودات الحثيثة لأعضاء الوفد المصرى بكل أفرعه، وثيقة عام 1906 التى تثبت تاريخياً حق مصر فى طابا إبان فترة الحكم العثمانى؟

- نعم صحيح، وأذكر أن القانونى «جورج أبى صعب»، وهو مصرى عاش طوال حياته فى جنيف، قال لنا وقتها ألا نتحدث عنها باعتبارها المستند الأهم فى مذكرات التفاوض، لأن الإسرائيليين إذا شعروا أنها دليلنا الوحيد فسيحاولون إفساد هذا الدليل بأى طريقة، فهذه الوثيقة حددت الحدود بين مصر وتركيا، حيث تم غرس العامود للعلامة 91 فى أكتوبر 1906 وفقاً للخرائط العثمانية.

■ تظل احتفالية رفع العلم المصرى يوم 19 مارس 1989 هى الحدث الأهم الذى طال انتظاره لكل أعضاء فريق العمل المصرى، لكن تلك الاحتفالية تحولت فجأة إلى شعور بالإجحاف لدرجة أن الوزير نبيل العربى تأثر بشدة، ما الذى حدث؟

أهم الوثائق التى استندت إليها المفاوضات

- لقد عشنا سنوات طوالاً من العمل المتواصل وخضنا جولات غاية فى الصعوبة مع عدو شرس، وكنا جميعاً ننتظر تلك اللحظة التى كانت ستتوج كل ما حدث بنصر مصر واستعادة آخر حبة رمل من أرضها الطاهرة، لكننا فوجئنا أن الرئيس الأسبق حسنى مبارك، بعد أن رفع العلم المصرى، يتجاهل أعضاء فريق الدفاع المصرى، ويسلم على الفنانة يسرا والفنان فريد شوقى! ورغم ذلك ومع كامل احترامنا لهذه الشخصيات الفنية لكننا فى الحقيقة صُدمنا، ولقد كنت موجوداً فى تلك اللحظة وكان من الموجع حقاً ألا يلتفت لنا مبارك.

■ هل تذكر وجوه الإسرائيليين فى تلك اللحظات أيضاً؟

أهم الوثائق التى استندت إليها المفاوضات

- نعم كانوا يبكون بكاءً حاراً، خاصة المجندات الإسرائيليات، وكانوا يهذون بكلمات «لا يمكن، مستحيل، هذه أرضنا»! وهم خارجون للأبد من أرض طابا.

■ هل كان من المعقول أن تنساكم الدولة طوال 25 عاماً بعد كل ما فعلتموه من أجل مصر؟

خريطة مصر

- هذه الجملة قالها صراحة الرئيس السابق عدلى منصور فى حفل تكريم أقيم فى رئاسة الجمهورية منذ عامين، لأعضاء الوفد المصرى الذى تولى مفاوضات طابا، ومع ذلك أرى أننا قدمنا واجبنا ولم نفعل شيئاً خارقاً للعادة سوى أننا نحب مصر وكل ذرة تراب لأرضها، وعملنا بكل دأب وإخلاص كفريق متكامل لاستعادة قلب قدس أقداس مصر.

اللواء محسن حمدى فى سطور

المصري اليوم تحاور«اللواء محسن حمدى »

■ رئيس لجنة استرداد طابا - الجانب العسكرى

■ عضو فى الوفد المصرى فى مفاوضات معاهدة السلام مع إسرائيل فى واشنطن عام 1978

■ رئيس اللجنة العسكرية لتسلم سيناء من الاحتلال الإسرائيلى بعد انسحابهم، ورئيس اللجنة المصرية العسكرية لتأكيد خط الحدود مع إسرائيل عام 1981

■ الشاهد الرئيسى أمام أعضاء لجنة التحكيم بجنيف فى سويسرا فيما يتعلق بتحرير طابا

■ نائب مدير المخابرات الحربية الأسبق، رئيس جهاز اتصال للهيئات الدولية بالقوات المسلحة لمدة 5 سنوات بعد توقيع معاهدة السلام 1979

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية