x

سناء البيسى: الصحافة مهنة أخلاقية بالدرجة الأولى.. وللقارئ ذاكرة حديدية تحكم بالإعدام على من يزيف الحقائق

الإثنين 18-10-2010 07:30 | كتب: أمل سرور |
تصوير : other

لم تكن قد بلغت الثامنة عشرة ولم تزل طالبة فى قسم الصحافة بكلية الآداب جامعة القاهرة حين أسند إليها عملاقا الصحافة التوأم مصطفى وعلى أمين ـ بعدما لمسا تفوقها ـ مهمة تحرير صفحة كاملة فى أخبار اليوم ابتكرت فيها العديد من الأبواب السياسية والاجتماعية والثقافية التى أثارت اهتمام القراء والمثقفين فى ذلك الوقت، ومع تطبيق قانون تأميم الصحافة قام الأستاذ هيكل بتعيينها كاتبة فى الأهرام ووضع لها مكتباً مجاوراً للدكتورة عائشة عبدالرحمن بنت الشاطئ تقديراً لموهبتها حيث لم تكتف بالكتابة فقط بل غزت لوحاتها صفحات الأهرام فى السبعينيات، وخلال مشوارها الطويل المثمر فى بلاط صاحبة الجلالة التقت بالقمم.. بعمالقة الصحافة والقلم والريشة.. بالأسماء التى لها رنين.. جاورتهم وصادقتهم وحاورتهم ونزلت زائراً مقيماً على أبراجهم وصوامعهم وصالوناتهم.. واليوم تفتح لنا الأستاذة سناء البيسى خزائنها لتخرج لنا كنوزاً وأسراراً وتفاصيل فى شهادة للتاريخ الصحفى الحديث فى مصر.. تدخلنا معها فى كواليس الأساتذة الكبار.. مصطفى وعلى أمين.. محمد حسنين هيكل..

■ سنة أولى صحافة.. ماذا عن مصطفى أمين؟!

- أتذكره كلما أحكمت هموم الصحافة قبضتها على روحى.. أتذكر الأستاذ والمدرسة التى تخرج فيها ألمع نجوم الصحافة المصرية على مدى نصف قرن.. أتذكر صحافة العمالقة أيام سطوة السلطة الرابعة وممارستها مهامها الشرعية فى المطالبة بحرية الرأى رغم وجود الرقيب.. دوى نبأ قدوم مصطفى أمين كأستاذ زائر فى سنة أولى صحافة بين جنبات الحرم الجامعى ليترك طلبة القانون والهندسة والآثار والجغرافيا والاجتماع فى الكليات المختلفة محاضراتهم ليأتوا إليه.. إلى مصطفى أمين.. يقول ويبتسم ويضحك ويدور بعينيه اللماحتين فى وجوهنا ليرى تأثير قوله علينا، وتأتى نهاية المحاضرة على كره من الجميع الذى لا يشبع من الذكاء والارتواء ليطلب معها المحاضر من طلبة الصحافة كتابة نبأ قدومه موجزاً كنوع من الاختبار الصحفى، ويجمع الأستاذ شرائط أوراقنا لأفاجأ فى اليوم التالى باستدعائه لى للتدريب فى أخبار اليوم، وكان فى كلماتى ما يغضب أى شخص غير الجواهرجى المعلم صاحب الحس الباحث عن قشة موهبة: «حضر الأستاذ مصطفى أمين ليلقى علينا محاضرة لم أفهم معظمها لأنه كان ينفث كلماته بين أنفاس سيجارته التى غرسها بين شفتيه فضاعت مع الدخان»..

■ ودخلت البلاط لتكونى فى طليعة إحدى فرق مصطفى أمين المدرعة فى الصحافة؟!

- كان مصطفى بك بكل جلالة قدره يهبط من الدور التاسع إلى مكاتبنا فى الدور الثانى بقسم الأبحاث يحمل لنا بين ذراعيه جبلاً من الجرائد والمجلات المصرية والأجنبية قديمها وحديثها، وأتذكر منها معاريف الإسرائيلية وأعداد اللطائف المصورة القديمة وأعداد روزاليوسف الأولى و«المصور» فى بداياتها وتقارير الوكالات الأجنبية ومجلة أسكواير وأعداد الرسالة والتايمز بملحقاتها ليفتح عيوننا على الثقافات المختلفة والمعلومات العامة كأولويات وأدوات العمل الصحفى.. نقرأ جميع الأبواب ونقوم بتلخيصها فى قصاصات صنعنا منها نواة أرشيف أخبار اليوم والصحافة جمعاء للمعلومات فقد كان عملنا بمثابة الإرهاصة البشرية لنظم الميكروفيلم والإنترنت كما استقرأ مصطفى أمين المستقبل فى الخمسينيات..

■ كان أستاذاً وصاحب مدرسة؟!

ـ أستاذ تواضعه عظيم، ولأننا كنا مجرد عيال لم نزل نضع الفيونكات فى ضفائرنا، وفى أقدامنا الجوارب السكويت القصيرة لمن نكن ندرك قيمة تواضعه.. تخيلى ونحن نطلب رقمه الداخلى كل لحظة وأخرى.. مصطفى بك الدبابيس خلصت.. مصطفى بك الحق سناء عايزة تروح.. مصطفى بك تعالى شوف لك صرفة مع بتاع البوفيه.. مصطفى بك أنا اتأخرت وماما حتزعقلى.. طيب.. حالا.. أنا جاى.. أخلص موعد السفير والوزير وآجى أشوفكم.. ذلك التواضع الذى اعتدنا عليه جعلنا نحن تلامذته نعتز بقيمة الصحفى ولا نرضى لها مهانة فى ملاقاة أكبر كبير.. كان رحمه الله يقوم لملاقاتنا ونحن لم نخرج بعد من البيضة فى منتصف غرفة مكتبه، ويقوم لتوديعنا ليس للباب فقط، لا والله، بل لغاية الأسانسير بعد أن يضغط بنفسه على الزرار.. علمنا الكبير المتواضع أنه كلما كبر مقامك لابد أن تزداد تواضعاً، ولا تضع بينك وبين مرؤوسيك سدوداً بحكم منصبك الأبهة حتى لا تمكث وحيدا بائساً فوق القمة الجليدية لتفنى فى زمهرير الغرور.

■ ترفقين اسمه دائماً بلقب «البك»؟

- لم أجد غيرهما من يستحق البكوية.. على بك ومصطفى بك.. تقوم الثورة وتلغى الألقاب ولا يعود لقب الباشا يستخدم إلا فى حالة الأميرالاى المتقاعد، وفى ضروب الغزل لملاحقة الحسناء بالمديح «يا باشا»، «يا باشا»، وتحتفظ الأسر الكبيرة فى خزائنها بلقبى «بك» و«الباشا» لتخرجهما من قبيل التباهى فى نعى صفحة الوفيات، ولاحترام المدرس «على الماشى» فى الفصل ليناديه التلامذة «يا بك».. لكن كله إلا بكوية مصطفى وعلى أمين.. فقد ظلت لها منزلتها وشموخها ووضعها وقدرها وثباتها..

■ كيف ترين التباين والاختلاف بين مصطفى وتوأمه على كما عاصرتهما عن قرب؟

- رغم تطابق الطلعة والطلة والملامح والملابس، فقد كنا نطلق على مصطفى بك «العقل» وعلى بك «القلب»، أو الذكاء والعاطفة.. كان مصطفى دبلوماسياً بينما على لا يستطيع ضبط أعصابه، وعندما نشرت فى الأهرام بعض رسومى وكنت لم أزل فى أخبار اليوم حرص مصطفى أمين على ألا ألتقى بشقيقه حتى لا ينفذ تهديده ويقذف بى من نافذة الدور التاسع لأننى عملت مع الأعداء.. كان بينهما ذلك الخيط السرى الخفى الذى يجمع بينهما فى المشاعر والأحلام وحتى المرض رغم وجود كل منهما بعيداً عن الآخر ربما ببلاد وأوطان أو فى الغرفة الأخرى على بعد أمتار.. يتألم أحدهما من النقرس، وندخل مكتب الآخر بعدها بلحظة، لنجد النقرس قد زادت وطأته عليه.. وعندما علم مصطفى بك بأمر المرض العضال الذى يعصف بكيان الشقيق، وأنه لم يبق على حياته سوى أيام كان يدور من حوله كالأم الملتاعة يحنو عليه ويرتوى من وجوده الذى حرم منه طويلاً أيام سجنه، وبقاء «على» فى لندن فى منفاه، وكان يحثنى على الاسترسال فى تلبية حلم على أمين الجديد فى التخطيط لإصدار مجلة أطلق عليها اسم «هى».. وأذهب للمريض فى المستشفى نرسم الصفحات ويخططها لى بالمسطرة الراقدة تحت المخدة، ويملى على العناوين المقترحة للأبواب، التى أعلم أنها لن ترى النور يوماً!!

■ ذكرت لنا أن ابنك هشام اشترط عليك أن تكون هدية تخرجه فى الجامعة تحقيق لقاءين له الأول مع مصطفى أمين والثانى مع الشيخ الشعراوى.. فكيف كانت النتيجة؟

- رفض مولانا غاضباً الرد على سؤال الابن حول مفهوم «وما ملكت أيمانكم»، وطلبت من أستاذى مصطفى بك موعداً فأتانى رده اتفضلى.. اليوم؟!.. ونذهب إليه فى إطار الترحاب الحميم ليسأله الابن: «نحن الشباب لم نعد نثق بكل ما تكتبونه بعد أن أصبح جميع المخضرمين منكم كل يكذب الآخر ويسوق الأدلة التى لم نعد نعرف كذبها من صدقها، وهو يريد بذلك أن يصنع بطولة لنفسه على حساب التاريخ وحسابنا نحن الشباب الذين لم نشهد هذا التاريخ».. وشعرت بالخجل من جرأة الابن معتذرة بأنه لا يقصد فى الحقيقة، ويسكتنى أستاذى المنصت إعجاباً وتشجيعاً لصراحة الشباب، بل يعطيه ألف حق وحق فيما قاله، ومن بين رده المطول قال: «كتاب زمان يا ابنى كانوا جميعاً يتوجهون إلى جميع القراء بكتاباتهم، أما اليوم فتوجههم لواحد فقط لينالون رضاه، أما القراء فبلاها القراءة!».

■ جميع خريجى مدرسة أخبار اليوم لا ينسون اجتماع الجمعة؟!

- كان بمثابة عيد لنا.. يوم الإجازة التى نرفض فيها الإجازة والفسحة ونتوجه بشغف للجلوس إلى مصطفى بك ننهل صحافته.. الكل حاضر الكل مستمع الكل يشارك والكل مستفيد.. اجتماع تعلمنا منه أن الصحافة مهنة أخلاقية بالدرجة الأولى. وإذا فقدت التزامها الأخلاقى فقدت أهم أركانها واحترام قارئها ومساندة الرأى العام، وإذا فقدت التزامها المهنى فقدت تفوقها وتميزها.. والالتزام على الجانبين يعنى ألا يكون الصحفى أداة فى يد أحد، أو وسيلة للتعبير عن باطل، أو أجيراً لأصحاب النفوذ أو الثروة.. وأن يكون قبل كل ذلك فوق الشبهات.. وأن يظل ولاء الصحفى لجريدته مقدساً.. وأن يعرف جيداً أن القارئ لديه راداراً وذاكرة حديدية فلا تحاول غشه، أو تجاهله، أو الضحك على ذقنه، أو تزيين الحال المايل له، أو تزييف الواقع المر بفرشاة وردية، وذلك لأن انتقام القارئ عظيم ويكفيك منه عقاباً، إذا ما لمس كذبك واكتشف خواء منطقك أسقطك من نظره، وكلما شاهد اسمك فى صحيفة طواها.. وهو بذلك يحكم عليك بالإعدام حياً!

■ أنت الصحفية الوحيدة فى مصر والعالم العربى التى رحب بها الصحفى الكبير محمد حسنين هيكل لتجرى معه حواراً طويلاً ممتداً أجابك فيه بصراحة عن حياته الخاصة، فكان لك السبق فى اختراق سور هيكل العظيم للوقوف على محطات لم يتحدث عنها لأحد من قبل؟

- الأستاذ هيكل يعنى لى الكثير.. والكثير جداً.. وجوده ولو عن بعد يشعرنى بأننى لم أزل شابة ومنتجة.. بأن موهبتى مازالت تتأجج.. بأن فى الجعبة لم يزل الكثير، لأسمع منه تقريظه الجميل: هايل. بأن مشجعى العظيم ينظر لى بعين راضية.. بأننى لست وحدى.. بأن هناك سنداً وظهراً وقاضياً عادلاً.. بأنه مازالت لى متعة التأجج ما بين الغلط والصح.. بأنه إذا ما أصابنى ضر سأجده بجانبى.. أليس الأستاذ هيكل من لجأت إليه عندما ضاقت بى السبل وأظلمت ساحة أخبار اليوم بعد تأميمها فلقانى وكأنه بيتى ليسند لى فى الأهرام منصباً ومكانة ومكاناً سخياً.. وإنه لهيكل الذى يؤجل سفره لرؤية شقيقه المريض فى أمريكا ليسهر معنا حتى الصباح فى زفاف ابنى وهو الذى لا يحضر الأفراح.. وأجده المواسى المؤازر المتفهم قدر أحزانى عند ترملى، وألقاه أمامى مع كل افتتاح لمعارض زوجى الراحل، وأجده يكتب بترحاب الافتتاحية البليغة لكتاب يجمع لوحاته.. وأذهب لآخر الأرض لإجراء جراحة فى قلبى فيتابع بالسؤال والاهتمام جرحى وشفائى.. ويعزلوننى من منصبى فتعيدنى كلماته إلى توازنى وقلمى، وعندما كتبت راجية منه بإخلاص ألا يعتزل صارحنى بأن صدق ندائى قد حرك الدمع فى عينيه.

■ روى لك صوراً من طفولته؟!

- قال الكثير لكنه توقف فجأة فى المنتصف ليقول لى إنه لم يذكرها لأى أحد من قبل، وإن كان قد وضع فى مخططه كتابتها فى سيرة ذاتية إذا ما سمحت له الظروف.

■ ولم تسمح الظروف؟!

- وفزت وحدى بالسبق خاصة عندما عاد لألبوم الذاكرة ليروى أحداث صور منها: «صورتى صغيراً أجلس فى مندرة بيت جدى لأمى فى حى الحسين بين الأشقاء والشقيقات وأطفال العائلة نتلقى دروس تحفيظ القرآن من الشيخ قاسم، وكان من يحفظ منا جزءاً من المصحف يجازى من الجد جزاء حسناً، فإذا ما ختم القرآن فنصيبه جنيه كامل.. وكان يحضر معنا الدروس أطفال من بيت الرافعى وبيت الرزاز جيراننا».. وصورة أخرى يرويها صاحب الذكريات المصورة: «فى مقصورة سيدنا الحسين بجوار جدى الذى يصحب معه فى كل مرة أحد أطفال العائلة يقدمه لمجالس القرآن من العلماء والقراء الذين كان منهم وقتها الشيخ على محمود والشيخ على حزين والشيخ محمد رفعت والشيخ عبدالفتاح الشعشاعى».

■ وماذا عن دور الأم والأب فى حياته؟

- نذره والده للأزهر فانتظم فى التعليم الأول حتى حان الموعد للالتحاق بالمعهد الدينى، وكان له إخوة أكبر منه من زوجة أب سابقة من الريف، يعملون مع والده فى تجارته كعادة الأسر المصرية.. الجيل الأول من الأبناء مع الآباء، والثانى للعلم والدين، والجيل الثالث لوظائف الحكومة.. ورأت له أمه مستقبلاً مغايراً لما أعد له، وما إن سافر والده حتى سارعت للاتصال بشقيقها لإلحاق حسنين بالمدارس الأميرية.. ويتذكر الابن مشواره الذى تلاحق فيه خطوات الطفولة والدته لدكان فى وسط البلد اسمه «بلاتشى» لشراء بدلة المدرسة ليجلس تلميذاً فى سنة أولى بمدرسة خليل أغا، عندما كان إحسان عبدالقدوس وقتها فى سنة رابعة.

■ بنت الجيران.. جيران الأستاذ؟

- تسللت أسأله فعبس بوجهه دلالة الرفض الصارم والتعالى الشامخ عن إجابة سؤال ساذج، فذهبت بغيظى أفتش عن بنت الجيران أيام الصبا فوجدتها.. عثرت على ملامحها وقرأت أشعاره فيها، وكانت أمها قد أجبرتها على خلع فستانها الأسود بعد فترة حداد وارتداء اللون الأحمر فقال ابن الجيران متغزلاً:

ماذا بقلبك يا حسناء من وجد يضطرب

أحال الفحمة السوداء إلى حمراء تلتهب

كتب البيتين فى ورقة ناولها المرسال الذى يعمل فى بيت ذات الرداء الأحمر، وطلب منه توصيلها فى السر إليها، وبالفعل ذهب المرسال لكنه أخطأ وأعطى لأمها الورقة فجرى ما قد جرى!!

■ والزوجة؟

- عندما أردت كسر حاجز التهيب من جانبى والحذر من جانبه سألته عنها.. عن السيدة هدايت تيمور رفيقة الدرب وسند الحياة فأطلعنى أنهما تلاقيا لأول مرة عام 1954 وكانت بصحبة والدتها فى بيت عائلة صديقة، وكان ذلك بالمصادفة، فقامت خناقة بينه وبين الوالدة عندما هاجمت جمال عبدالناصر أمامه بسبب قانون الإصلاح الزراعى، وبعدها توطدت أواصر الصداقة لتنتقل إلى سماوات الحب ليأتى الارتباط فى 27 يناير 1955، الذى صممت أم كلثوم أن تقيم فيه حفلا اتفق العروسان على تحويله لصالح جمعية النور والأمل.

■ هيكل الجرنالجى؟

- قال له السادات يوماً اترك الأهرام واعمل معى نائباً لرئيس الوزراء أو رئيساً للديوان فأجابه: «لا هذه ولا تلك أنا أريد أن أظل صحفياً».. فقال له السادات: «ليس عندك طموح يا هيكل» فقال له هيكل بأن طموحه لا يحده قيد لكنه داخل عمله كصحفى.. وشرح لى أستاذ الصحافة: «هناك تصور لدى البعض بأن الصحفى عندما يترقى فى المناصب يصبح وزيراً فنائباً لرئيس الوزراء! أنا كصحفى طموحى فى السحاب، وليست هناك نهاية لهذا الطموح الذى لا علاقة له بالمراكز التى على عينى ورأسى.. وأذكر عندما تزوجت من هدايت كان عبدالناصر قد ألف وزارته الأولى فى يونيو قبل حرب السويس، وكان الإنجليز قد طلعوا من بلدنا عام 69، وقتها عرض عليّ أن أكون وزيراً للإرشاد فأخبرت زوجتى لأجد لديها ميلاً للقبول لتكون زوجة وزير، وبعدها استمعت لحديثى مع الرئيس فى التليفون، وكنت فيه ألح فى الاعتذار عن تولى المنصب، وعندما التقينا به فى مناسبة عائلية بمنزله احتكم هو إلى هدايت فى إصرارى على الاعتذار، ومن حسن حظى أنها تجاوبت مع وجهة نظرى، وفى آخر المطاف عام 1970 عينت وزيراً دون إخطار مسبق واضطررت للقبول لاعتبارات سياسية رآها عبدالناصر، وفور رحيله اعتبرت نفسى فى حل وبادرت إلى الاستقالة من منصب الوزير».

■ رويت لنا يوماً وأنت رئيسة تحرير نصف الدنيا أن الأستاذ هيكل أجرى حواراً صحفياً مع الملكة نازلى فى منفاها بلوس أنجلوس؟

- كان ذلك بعد قيام الثورة مباشرة عندما كان فى زيارة لأمريكا وكانت نازلى تقيم فى لوس أنجلوس فى مكانه اسمه «تاور رود»، وكان يعرفها قبل الثورة والتقى بها كثيراً.. قام بمكالمتها فى التليفون فقالت له: تعالى فوراً.. فذهب إليها ولم يكن يظن أنها تكره ابنها فاروق بهذه الدرجة.. يتذكر الأستاذ هيكل جيداً نازلى فى بيتها هناك وهو جالس أمامها بجوار حمام السباحة وفى نيته أن تكون زيارته لها كى يطمئنها كأم على ابنها فاروق وإجراءات خروجه الآمنة من مصر، ففوجئ بها تسأله عما إذا كان فاروق قد بكى وأسقط دموعاً فى مثل ذلك الموقف، وإذا ما كان قد شعر حقا بالمهانة.. شاهد هيكل بعجب بالغ وجه نازلى الآسف، لأنه أجابها بالسلب عن أسئلتها المستفزة، فقد كانت تريد لفاروق ابنها الملك الذى غادر عرشه أن يتذوق طعم المهانة إلى حد البكاء من منطلق الثأر والانتقام وروح التشفى.

■ ومتى كان سؤالك للأستاذ هيكل محرجاً؟

- عندما سألته متى يسقط دمعك فأجابنى بأن دموعه عزيزة للغاية، ولابد أن يكون لسقوطها المحرك الكبير، فذكرته بدموعه أمام الجمع فى سجن الاستقبال بمنطقة سجون طرة فى يوم 6 أكتوبر عندما علم بمقتل السادات فعاد يجيبنى: «بكيت يوم جنازة عبدالناصر لأنه كان صديقاً قريباً جداً منى وسيبقى اعتقادى أنه ليس فقط إنساناً عظيماً وإنما تاريخاً عظيماً أيضاً، وعن دموعى الثانية فقد كان أنور السادات بصرف النظر عن أى شىء بيننا، علاقة الصداقة التى قال بنفسه عنها فى حديث صحفى له إننى كنت فى الفترة ما بين عام 70 إلى عام 74 أقرب إنسان له وهذا صحيح، وعلى المستوى الإنسانى أنا أحب أولاده، وكان ابنى حسن يتمشى من منزلى لمنزله بالجيزة وهو الرئيس ليقول له أى شىء يخطر له، وكانت هناك تعليمات من الرئيس بدخول حسن فى أى وقت كواحد من أفراد الأسرة.. كانت بيننا تلك العلاقة الإنسانية.. ومن الممكن أيضاً أن تكون مفاجأة علمى بوفاته هى السبب الذى أجرى دموعى.

■ أستاذتى.. لابد أن هناك الكثير والكثير مما قاله لك الأستاذ هيكل ولم ينشر بعد؟

- أنصت له طويلاً فأثرانى كثيراً كثيراً لتظل الذاكرة فى العقل والأوراق والشرائط تحتفظ بكم من الحقائق أدخرتها فى درج سرى كتراث عائلى لأحكيها يوماً لأحفادى عندما يشبون عن الطوق فقد توجه مصائرهم كجزء من تاريخ مصر، وقد يغفلون عن جوهرها ويضعونها فى مصاف حكايات الزمن الجميل الذى أتمنى أن يكون جميلاً فى حياتهم..!

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية