عزيزى نيوتن
«قرأت المقال المنشور يوم الجمعة 11/3/2016م تحت عنوان: (نجاح مؤسسة وكيف نخطط لمستقبلنا)، ويتحدث عن تقاعسنا فى معظم المجالات وفى مشاريعنا القومية، التى من المفروض أن تكون قاطرة التنمية للمستقبل، وأن خططنا المستقبلية تسقط واحدة تلو الأخرى. بل إن أنجح مؤسسات مصر الآن هى مؤسسة اسمها (الغفلة) لا تدانيها فى النجاح أى مؤسسة أخرى، وأننا الآن بدأنا بخطة حقيقية ستأخذ الزمام والمبادرة من مؤسسة (الغفلة). وسوف أعرض هنا وجهة نظر متحفظة عن المشروع القومى المليون ونصف المليون فدان، وأعرفك بشخصى المتواضع: أنا مهندس زراعى (قديم)، مارست العمل الزراعى المحورى (الرى بالرش) فى الأراضى الرملية بالمياه الجوفية بالمملكة العربية السعودية لمدة ما يقرب من ثلاثين عاما، وعدت إلى بلدى مصر منذ ما يقرب من عام. قمت هناك بزراعة القمح والشعير والذرة (العلف) والبرسيم والطماطم والبطاطس والحبحب (البطيخ) والشمام والبصل. وهذه هى المحاصيل التى تحتاجها وتستوعبها السوق السعودية. وإن كان قد تم الحد تماما من زراعة القمح والشعير هناك فى الفترة الأخيرة من قِبَل الحكومة، لأسباب يطول شرحها، أذكر منها فقط: ارتفاع تكلفة إنتاج القمح والشعير (تكلفة باهظة) عن العائد منه، بينما سعره العالمى متدنٍّ (مع العلم أن الحكومة هناك تدعم سعره لصالح ربحية المزارع)، وكذا الحد من استخدام المياه الجوفية، وهو رصيد ينفد سنة بعد أخرى، وضرورة الإبقاء عليه للأجيال القادمة، وكذا حدوث تغيرات فى المناخ نحو الجفاف كما تعلمون، وأن هذا النوع من الزراعة يستهلك كميات هائلة من المياه. وسوف ألخص ما أريد عرضه فى هذا المضمار فيما يلى:
= أحاول جاهدا- ومنذ افتتاح المشروع فى الفرافرة- أن يصل صوتى إلى أحد المهيمنين على المشروع، ولكن دون جدوى! حيث إن قنوات الاتصال السياسية والإدارية فى هذا البلد مسدودة (بالطين).
= سمعت الرئيس فى خطابه عند افتتاح مشروع الفرافرة وهو يقول إنه قد استشار بعض المستثمرين فى جدوى هذا النوع من الزراعة، وقد أفادوا بنجاحه. وأنا هنا أقول لهم: على أى دراسة؟ وبأى كيفية؟ وأتحدى على الملأ هنا أن يقدم أى مستثمر منهم دراسة جدوى اقتصادية متكاملة لأى عدد من الأجهزة المحورية أو لأى مساحة أرض رملية يريد استثمارها. وأنا جاهز تماما للنقاش فى هذا الأمر، فى حضور المهندس إبراهيم محلب، المشرف على المشاريع القومية، لمعرفة حقيقة الأمر.
= صرح وزير الرى- لا فُضَّ فوه- (صاحب مفاوضات سد النهضة، وهو يعطى المهلة للطرف الآخر حتى ينتهى من مشروعه، الذى قارب على الانتهاء منه أمام أعيننا جميعا!!) بأنه قد تم البدء فى المرحلة الثانية من حفر آبار مشروع الـ1.5 مليون فدان، وأنه قد تم الانتهاء من حفر 800 بئر من إجمالى 1312 بئرا لمساحة 500 ألف فدان. كما تم حفر 450 بئرا فى منطقة (المغرة) وفى محافظة المنيا كذلك. وأنا هنا أناشد السيد وزير الرى والسيد وزير الزراعة- (وهو الحاضر الغائب!)- أناشدهما وقف هذا (الماراثون) فى حفر تلك الآبار، خاصة وقد علمت أن تكلفة حفر البئر الواحدة حوالى 3 ملايين جنيه، وألا يتم الحفر إلا حسب طلب المستثمرين الجادين للاستثمار فى هذا النوع من الزراعة باهظة التكاليف.
= أطرح سؤالا هنا: وماذا بعد حفر تلك الآبار؟! أكاد أشك وأنا جالس فى بيتى أن هناك عدم دراية بفحوى هذا النوع من الزراعة، والذى لا تقدر عليه- (ولن تقدر عليه)- حكومتنا الرشيدة! فقط المستثمر (وأشك وأتحفظ أنا)، وقد خبرت ذلك من خلال ممارستى العمل فى المملكة العربية السعودية، وهى تملك مقدرات مالية هائلة، والمُزارع هناك إما مليونيرا وإما مليارديرا، فما بالك بحالنا هنا فى مصرنا الغالية؟! ناهيك أن هذا المشروع يتم بالكامل بالميكنة الزراعية، وأن العنصر البشرى فيه محدود.
= للمرة الثانية أتحدى هنا القائمين على المشروع القومى لزراعة المليون ونصف المليون فدان للزراعة المحورية فى الأراضى الرملية بالمياه الجوفية، أن يُظهر لى أحدهم دراسة جدوى اقتصادية متكاملة على أرض الواقع بظروف الأسواق المحيطة، ويثبت النجاح فى هذا المضمار. والدليل هو فشل مشروع الفرافرة، وهو صورة مصغرة للمشروع القومى، وكانت تديره وزارة الزراعة، وتم إسناده مؤخرا للجيش لإنقاذ ما يمكن إنقاذه»!
مهندس زراعى/ فتحى أحمد سالم