x

اخبار أندروا باسيفيتش يكتب: «روشتة» لنجاح الحرب الأمريكية على الإرهاب اخبار الخميس 17-03-2016 21:24


نقلاً عن صحيفة «إنتليجينسر» الأمريكية

ثمة سؤال يغيب دائما عن أحاديث أى مرشح للرئاسة الأمريكية، وهو السؤال الذى ينبغى أن تتمحور حوله الحملة الرئاسية لأى مرشح، ألا وهو: ما هى الاستراتيجية التى يتعين على الولايات المتحدة اتباعها من أجل التصدى للمشكلات التى يفرضها التطرف الإسلامى المسلح؟

وخلال الانتخابات الرئاسية الحالية سيقسم المرشح الفائز لا محالة على تصعيد الحملات العسكرية ضد تنظيم «داعش» الإرهابى، ولكن الحقيقة أن «داعش» ليس إلا تعبيراً محدوداً عن ظاهرة أكبر وأوسع وأكثر تعقيداً، ومن ثم فإن حصر المشكلة التى تخيم على العالم أجمع تحت اسم «الإرهاب» يتجاوز حدود الفهم الحقيقى للمشكلة، ويحيلها إلى مجرد محاولات لا طائل منها لقولبتها داخل تصنيف مناسب.

إن ما يشير إليه الأمريكيون باعتباره «إرهابا» هو بالضبط كالآتى: تنامٍ عنيف ومفرط لجوانب القصور فى الإدارة السياسية، وخلل التنمية الاقتصادية التى ضربت أجزاء كبيرة من العالم الإسلامى، وعمقت بدورها الانقسام الطائفى وآثار الإرث المُهلك للكولونيالية الأوروبية، وهو الإرث الذى زاد من آثاره الوخيمة وجود إسرائيل وممارساتها، وكلها عوامل عززت من مشاعر العداء الموجهة للغرب، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، ولهذا فإنه لكى تنجح الحرب على الإرهاب يتعين أولا معالجة الظروف التى أدت إلى ظهوره بادئ ذى بدء.

لعقود طويلة عكفت الولايات المتحدة على تسخير قواتها لمغامرات عسكرية بالمنطقة العربية بدعوى إصلاح أوضاعها، ففجروا القنابل وشنوا الغارات، وغزوا واحتلوا، للقضاء على الفساد، وتحرير المقموعين، وتقديم المساعدات للمنكوبين، ودفع عجلة الديمقراطية والترويج لمشروعات بناء طموحة للدول، وهى المساعى التى تجاوزت تكلفتها تريليونات الدولارات، وأسفرت عن صراعات وحروب لم تخل من خسائر بشرية جمة لدى الطرفين الأمريكى والآخر الذى استهدفته الحملات العسكرية الأمريكية.

غير أن الجهود المالية والعسكرية التى بذلتها الولايات المتحدة لم تُفضِ إلى أى نتيجة إيجابية، وصار الشرق الأوسط الكبير محفوفاً بالاضطرابات، وكاد يقترب من حافة الهاوية، والتفكك التام، بداية من ليبيا، مرورا بالعراق، وصولا إلى أفغانستان، ما يمثل دليلاً دامغاً على فشل المشروع العسكرى الأمريكى، أو على الأحرى منهجية استخدام السلطة والنفوذ التى تبنتها الولايات المتحدة، والتى زادت الأوضاع سوءاً.

ورغم هذا الفشل لاتزال النخبة السياسية لدى الولايات المتحدة حتى هذا العام تزعم نجاح العمليات العسكرية الأمريكية، وفى ظل حالة من غياب الإبداع تخيم على المؤسسة الأمريكية بالكامل منذ اندلاع الحرب الباردة، تتلاشى أى توقعات بشأن نزوع العسكرية الأمريكية إلى تبنى المسار الصحيح، طالما أن ثمة إصرارا من جانبها على تفجير المزيد من القنابل وشن المزيد من الغارات، ونشر المزيد من القوات خارج أراضيها، وبها وُصمت جهود العسكرية الأمريكية فى الشرق الأوسط الكبير بغياب المنطق، إذ عمدت الإدارة طيلة عقود إلى تطبيق منهجية واحدة طوال الوقت مع توقع إتيانها بنتائج مغايرة فى كل مرة.

الواقع أن المنهجية التى تبنتها الولايات المتحدة زادت الأوضاع الراهنة سوءاً، وهى المنهجية التى يروج لها المستفيدون من حالة الحرب الدائمة، زاعمين، أو على الأحرى متجاهلين الحديث عن أى بدائل أخرى.

ولكن البدائل موجودة والخيارات الأخرى متاحة بالفعل، وإن كانت هذه البدائل لا تتفق وأهواء المؤسسة الحاكمة للولايات المتحدة، فإنها تعود بالنفع على الشعب الأمريكى، وتتلخص هذه البدائل فى عدة نقاط:

الأولى: تحقيق الحماية الذاتية، إذ يفرض الإرهاب تهديدات على الولايات المتحدة، وبالتالى فإن ثمة إجراءات يتعين اتخاذها على المدى القصير، تتمثل فى توفير الموارد المناسبة والقيادة الفعالة لجهات محددة، مثل مكتب التحقيقات الفيدرالى، ومكتب الاستخبارات الأمريكية (سى. آى. إيه)، وخفر السواحل، وكذلك الجهات المسؤولة عن أمن الحدود، باختصار «حماية أمن أمريكا»، وإبعاد المسيئين خارج حدودها.

النقطة الثانية: استعادة الاستقرار، وهو ما يتم من خلال خطة متوسطة الأجل يأتى على رأس أولوياتها إخماد الاضطرابات فى الشرق الأوسط، والتراجع عن أى استعدادات لتمديد احتلال العراق وسوريا لعقد قادم وربما أكثر، وعدم نشر مئات الآلاف من القوات العسكرية الأمريكية، فتلك ليست مهمة الولايات المتحدة، وليست بالمهمة التى يمكن للعسكرية الأمريكية أن تنجزها بمفردها، ولكنها مهمة القوى الإقليمية الكبرى فى المنطقة، والتى تتعرض للخطر المباشر من اضطراب الأوضاع بها، مثل تركيا ومصر والسعودية وإيران، وإسرائيل. أما الولايات المتحدة فمهمتها على هذا الصعيد دبلوماسية بحتة، ويمكن من خلالها أن تقوم بإيعاز الأطراف المتنازعة والاعتراف بالمصالح المشتركة التى تجمع هذه الأطراف، وكيف ينبغى أن يكون التنسيق والتعاون بينهم قائماً على هذه المصالح.

النقطة الثالثة: تعزيز تواجد عوامل ووكلاء التغيير، فليس كل ما يأتى من العالم الإسلامى سيئا، فهناك قطاع كبير من الشباب المعتدل الذى يؤثر الحياة والمدنية على التورط فى التطرف وعمليات انتحارية، وفى هذا القطاع يكمن الحل لمشكلة التطرف على المدى الطويل، فحين يجد المسلمون إمكانية حدوث التناغم بين الدين والحداثة يصبح التعايش السلمى بين العالم الإسلامى والغرب ممكناً، ورغم أن هذه العملية قد تستغرق عقودا وأجيالا فإن العمل على حملة مستدامة هدفها التبادل الثقافى والتعليمى سيساعد على إقناع شباب المسلمين أننا لسنا أعداءهم.

وهذا كله يتطلب من جانب الولايات المتحدة أن تتحلى بالصبر، وأن تفكر ملياً فى أن الحلول العسكرية لا تسفر عن نتائج إيجابية.

ترجمة- أمانى عبدالغنى

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية