x

نادين عبدالله حماية الدستور نادين عبدالله الخميس 17-03-2016 21:24


أطلق السيد عمرو موسى، الأسبوع الماضى، مبادرة لتأسيس مؤسسة تقوم على التوعية بمبادئ الدستور، ورصد التشريعات المخالفة لأحكامه، وإعداد المقترحات المتعلقة بتعديل النصوص المخالفة له أو القوانين المكملة أو المنفذة له، وفتح قنوات تواصل مع السلطتين التنفيذية والتشريعية بهدف إدارة حوار مع الأخيرة حول دستورية بعض القوانين من خلال إعداد الدراسات اللازمة حولها. والحقيقة هى أن إطلاق هذه المبادرة تكمن أهميته فى كونها تحركا مجتمعيا إيجابيا لحماية الشرعية الدستورية فى بلد يمر بلحظة تاريخية صعبة. ربما قد يكون عند البعض ملاحظات على طريقة تشكيل لجنة الخمسين أو منهج عملها، لكن الأكيد هو أن هذا الدستور أفضل من دستور 2012، وهو أيضًا فى كثير من ملامحه أفضل من دستور 1971. وفى نهاية الأمر، دستور 2014 هو ميثاق معبر عن لحظة سياسية معينة بما اعتراها من جوانب إيجابية وأخرى سلبية.

بالتأكيد الدستور ليس وثيقة مقدسة ويمكن تعديلها إن أثبت الواقع العملى ضرورة ذلك، أو إن تغير الوضع السياسى برمته فحانت لحظة صياغة عقد اجتماعى جديد يحكم علاقة الحاكم بالمحكوم. أما المريب فى الأمر فهو أن حملات تعديل الدستور لم تأت بناءً على تجربة واقعية أثبتت وجود مشكلات محددة فيه بما يتطلب تعديله لتلافيها مثلا، بل أطلقت هذه الحملات نفسها بدعاوى عارية من الصحة تدعى أن الدستور يقلص من سلطات الرئيس أو السلطة التنفيذية. أما الأدهى والأعجب فهو أنها تأتى من الأصل فى سياق صدور مزيد من القوانين التى تنتهك الدستور، وهو أمر يثير فى ذاته تساؤلات حقيقية، ويبدو كاشفًا عن رغبة جامحة فى الإطاحة بكل القواعد الحاكمة لأداء السلطة التنفيذية ومؤسسات الدولة حتى تنطلق- على ما يبدو بواسطة هذه الحملات- كما تريد بلا رقيب أو حسيب. وهنا دعنا نتساءل: أفلم يكن من الأجدى للبرلمان مراجعة القوانين التى تحتوى على انتهاكات واضحة، بما لا يتفق مع الدستور، بدلا من انسياق البعض وراء دعوات تعديل الأخير؟ نقولها صراحة: إن جو الاستباحة المستشرى حاليًا بات منفرًا للغاية، كما أن ثمنه سيكون غاليًا على الجميع.

لذا بالتحديد تأتى أهمية مثل هذه المبادرات الساعية إلى الحفاظ على الدستور، ليس باعتبارها مجرد تعبير عن مجموعة كتبت دستورًا وتريد الدفاع عن منتجها، بل بالأحرى فى كونها تعبيرًا عن تحرك مجتمعى، حتى ولو مازال نخبويًا، يبغى التواصل مع المجتمع بشأن الدستور الذى أقره الأخير، ويحاول، بما يمتلك من خبرات قانونية وسياسية، التفاعل مع مجلس النواب المنوط به إصدار القوانين أو تعديلها للتأكد من ملاءمتها للدستور. ولا يخفى على أحد أن نجاح مثل هذه المبادرات سيتوقف من ناحية على قدرتها على تنظيم نفسها، من أجل قدرة أكبر للتواصل مع المجتمع الأوسع، وهو أمر دومًا ما يعرقل- ومن ناحية أخرى، على قدرتها على تنسيق الجهود بهدف تكوين ما يشبه جماعة الضغط المجتمعية القوية القادرة على إعمال الضغوط اللازمة على مجلس النواب، وغيره من المؤسسات، عندما يتعلق الأمر بانتهاك نصوص هذا العقد الملزم بين الحاكم والمحكوم. فهل سيتفاعل معها البرلمان، وهل ستنجح هى فى إثبات نفسها؟ إن غدًا لناظره قريب.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية