وقفت طويلاً أمام تصريحات وزير المالية الأسبق، الدكتور سمير رضوان، فالرجل كان جريئاً للغاية، ولم تأت تصريحاته، كعادة كل مسؤولينا، بأن يتكلموا بحرية وهم خارج السلطة.. صامتون تماماً وهم على كراسى الحكم.. بل قال الحقيقة.. ووضع روشتة للعلاج على المدى الطويل.
والمشكلة أننا نعمل الآن دون رأس يفكر، وعقل يدبر.. ولما كانت أكبر مشاكلنا هى الاقتصاد وتوابعه، فإن كل مسؤول يتحرك وفق رؤيته هو.. ولا يعمل ضمن منظومة واحدة.. ولذلك يتغير أسلوب العمل مع أى وزير جديد.. أو حكومة جديدة، ولا يهم الوقت الذى ضاع قبلهم ولا المال الذى أهدرناه تنفيذاً لرؤية هذا الوزير.. أو ذاك.
والدكتور سمير رضوان - من هذا المنطلق - يرى ضرورة تكوين مجلس اقتصادى أعلى.. يتبع رئاسة الجمهورية.. يضع الاستراتيجية الشاملة فى كل ما يتعلق بالاقتصاد والبنوك والصناعة والتجارة.. مجلس يضم أفضل الخبرات فى كل مجال.. ومهمته: وضع سياسة اقتصادية سريعة ومتوسطة، وطويلة المدى لكل المشاكل، من أزمة الدولار.. ومشكلة الارتفاع الجنونى فى أسعار السلع الأساسية.. ثم يضع أيضاً طرق التنفيذ وتحويل البرامج الإصلاحية إلى برامج عمل.. ويجتمع هذا المجلس دورياً، ولو مرة واحدة شهرياً.. أو عندما تستجد مشكلة طارئة.. ولا يخضع، فى تصوراته، حتى لمجلس الوزراء.. ويجب أن تكون هناك رؤية اقتصادية اجتماعية شاملة.
وهذا المجلس الاقتصادى الأعلى ضرورى، سواء كانت لدينا داخل مجلس الوزراء، أم لا، مجموعة اقتصادية، لسبب بسيط هو أنه لو كانت الحكومة دائمة، أو متغيرة.. فهى فعلاً تتغير بتغير الحكومة نفسها.. أما هذا المجلس الاقتصادى فهو دائم.. وبالتالى فإن رؤيته دائمة وليست متغيرة بتغير الحكومة.
والمجلس الاقتصادى يجب أن يضم أفضل وزراء المالية السابقين ووزراء الاقتصاد والتجارة والصناعة ومحافظى البنك المركزى السابقين وأساتذة الجامعات البارزين.. وممثلين لرجال المال والأعمال من المشهود لهم بالعقل الراجح، ذوى الرؤية القومية.. قبل رؤيتهم الذاتية.. وهنا نتمنى ألا تتكرر عندنا تجربة كانت ناجحة، هى المجالس القومية المتخصصة فى عصورها الذهبية.. وأخرجت لنا أفضل ما فى العقول المصرية من علم وتجارب.. ولكن للأسف تحولت أفكارهم إلى كتب ومطبوعات تزين مكتبات المسؤولين.. إلى أن علاها التراب.. وفيها خلاصة العقول المصرية.
أى تكون توصيات هذا المجلس هادية ونوراً، وبرنامج عمل أمام رئيس الجمهورية.. بل وملزمة، أمام مجلس الوزراء، للعمل بها، وعلى هذا المجلس أن يتحرر - فى عمله - من عقدة الخوف من أى قرارات دولية عقابية يمكن أن تصدر ضد مصر بحجة أن بعض أفكار وتوصيات هذا المجلس فيها اعتداء على مبادئ حرية التجارة، أو الاتفاقيات الدولية من الجات إلى الكوميسا إلى منظمة التجارة العالمية.. إذ علينا أن نأخذ - من هذه المنظمات - ما يتفق وظروفنا الاجتماعية والمالية، وما لا يضر الغالبية العظمى من أبناء الشعب المصرى، وكلنا نعرف مخاطر الأخذ بتوصيات وآراء صندوق النقد الدولى.. وشقيقه البنك الدولى.
■ نقول ذلك لأننا شعب يحتاج إلى ضبط وربط.. ليعمل.. ولكن دون قسوة، لأن شعبنا عانى الكثير والكثير فى العقود الأخيرة.. ولا يجب أن نحمله أكثر مما احتمل.. بشرط أن نقنعه بأن الأفكار الجديدة لحل المشاكل لن تلقى بأعباء عنيفة على الناس، وأن الإصلاح سوف يشمل الكل بنسب مشاركته فى النهوض الأكبر وعلينا أن نقنع الناس بأنه حتى زيادة الرواتب تتبعها بالضرورة زيادة أكبر فى الأسعار.. وإذا كنا - مثلاً - مع وضع حد أدنى للأجور.. إلا أن العقل - أيضاً - يرى مخاطر عديدة لوضع حد أقصى للأجور.. إيه.. لعبة!!