استوقفنى حديث المستشارة المحترمة السيدة تهانى الجبالى قبل أيام على شاشة التليفزيون المصرى، حينما قالت تعليقاً على إعادة تمثال الملك فؤاد إلى قاعدته بمدخل مدينة بورفؤاد بمحافظة بورسعيد: «إن البورسعيدية غاضبون من إعادة التمثال». نفس محور الحديث تقريباً، كان من نصيب نائب بورسعيد الأسبق البدرى فرغلى، الذى أضاف إليه القول «إن عودة التمثال تمثل انقلاباً على كل الثورات من 1919 إلى 2011»!.
وللحقيقة لا أعرف حتى الآن مصادر «الغضب العارم» الذى وصل إلى مسامع السيدة المستشارة الجليلة، التى يبدو أنها لم تتابع استقبال «البورسعيدية» لعودة التمثال ومظاهر الاحتفال به. كما أننى وقفت مذهولاً من حديث «فرغلى» عن الانقلاب على الثورات.
ويبدو أن كليهما قد طبع انتماءه السياسى على مظهر حضارى يجب أن نتوقف جميعاً بالإجلال والتقدير له. فالدول المحترمة يتم تقييمها بمدى احترامها لتاريخها بحلوه ومره. فالتاريخ كل وليس جزءاً، ولا يجوز أن نناصر جزءاً ونستبعد الآخر. والدول المتخلفة هى التى تهدم حضارتها بأيديها على طريقة «مات الملك.. يحيا الملك»..!
كنت أتابع رحلة هذا التمثال أثناء مرحلة الترميم بصفة يومية، من خلال الحساب الشخصى للفنان التشكيلى البورسعيدى «عاطف زرمبة» على موقع التواصل «فيس بوك»، فقد كان ينقل للناس بصور يومية، الجهد المبذول لترميم التمثال الذى سميت المدينة باسم صاحبه. والذى يزيد التقدير والاحترام لهذه الرحلة أن الفنان لم يتقاضَ أجراً على ذلك، وأشرف على عملية نقل التمثال من ورش هيئة قناة السويس بالأوناش إلى القاعدة..
الملك فؤاد – الذى يمثل عودة تمثاله انقلاباً على الثورات – هو نجل الخديو إسماعيل بانى مصر الحديثة و«أبوالدستور». وهو – أى فؤاد – أول من أعطى الأمر بكتابة أعظم الدساتير المصرية على الإطلاق عام 1923. وهو أول رئيس للجامعة الأهلية، وهو الذى ساند ثورة 1919 بهدف التخلص من الاستعمار.
كنت أتمنى أن يعيد هؤلاء النظر إلى مناقشات أعضاء اللجنة التحضيرية التى أقرت دستور 1923، وافتتح أعمالها رئيس الوزراء - آنذاك - عبد الخالق «باشا» ثروت. بالتأكيد سنجد أنفسنا نبكى على ما وصلنا إليه.. ولماذا تخلفنا وتقدم الآخرون؟!. ففى ختام أعمال اللجنة قال الملك فؤاد فى أمره الملكى رقم 42 لسنة 1923 والخاص بإصدار الدستور الجديد: «إننا نتوخّى أن نسلك السبل التى تفضى إلى سعادة الأمة وارتقائها وتمتعها بما تتمتع به الأمم الحرة المتمدينة.. ولا يتم ذلك على الوجه الصحيح إلا إذا كان لها نظام دستورى كأحدث الأنظمة الدستورية فى العالم وأرقاها، تعيش فى ظله عيشاً سعيداً مرضياً، وتتمكن به من السير فى طريق الحياة الحرة المطلقة، ويترك فى نفسها شعور الراحة والطمأنينة على حاضرها ومستقبلها، مع الاحتفاظ بروحها القومية».
كلمات تحتاج إلى التوقف أمامها بالفحص والدرس، خاصة حينما يتحدث الحاكم نفسه عن «الحرية المطلقة» أو «شعور الأمة بالراحة والطمأنينة على حاضرها ومستقبلها»..
من الأوصاف العبقرية التى أطلقها الرئيس الراحل أنور السادات وصف «جنرالات المقاهى»، وهو توصيف ساخر للذين نصبوا أنفسهم خبراء عسكريين، وبدأوا يحللون أسباب تأخر إعلان الحرب على إسرائيل قبل أكتوبر 1973.
نحن نعيش الآن مرحلة جديدة من «مؤرخى ومحللى وجنرالات المقاهى» كل يدلو بدلوه.. و«أهو كلام والسلام.. يا عبدالسلام»!.
www.facebook.com/sherifarefpress