x

«متطوعو» منظمات «حقوق الإنسان» فى مصر: أهم حاجة التمويل

الثلاثاء 12-10-2010 19:53 | كتب: سارة سند |

عندما قررت ياسمين زهدى «22 عاما» الالتحاق بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة كان الهدف الأساسى الذى تسعى إليه هو خدمة مجتمعها، فالعشوائيات وعمالة الأطفال وحقوق المرأة هو أكثر ما شغل تفكيرها خلال تلك الفترة، لذلك فالاتجاه إلى العمل بمجال حقوق الإنسان بعد التخرج رأته القرار الأنسب لاهتمامتها، بسبب اعتقادها أنها بتخصصها فى هذا المجال ستبتعد عن عيوب العمل الحكومى والخاص، وتتفرغ للأعمال غير الحكومية وغير الهادفة للربح، التى تتوجه بالأساس لمصلحة المواطنين.

6 أشهر فقط بعد التخرج كانت كفيلة بأن تجعل ياسمين تغير وجهة نظرها تماما عن منظمات حقوق الإنسان، لتقرر بعدها ترك العمل فى هذا المجال بشكل نهائى، لتتفرغ لأشياء أخرى، كالكتابة مثلا، التى تمتلك موهبة فيها: «أحب الكتابة منذ صغرى، وهذا ما جعلنى أعمل لفترة فى مجال حقوق الإنسان، لأنه يحتاج بالأساس إلى موهبة فى كتابة وعرض المعلومات الخاصة بكل مشروع للحصول على تمويل من الجهات المانحة، فمعظم منظمات حقوق الإنسان التى عرفتها خلال فترة عملى القصيرة كانت تهدف إلى الحصول على المنح الكبيرة بغض النظر عن المشروع المقدم للحصول على تلك المنحة، فالأهم بالنسبة لتلك المنظمات هو الرقم الذى تحصل عليه للتمويل والذى يصل فى أحيانا كثيرة إلى أكثر من مليون دولار فى المشروع الواحد، فمثلا وجدت جمعيات هدفها الأساسى هو المشروعات الاجتماعية والخيرية، ولكن لأن الجهات المانحة تهتم فى هذا العام بالحقوق السياسية بسبب الانتخابات، فتقوم هذه المنظمات بتعديل اهتماماتها لتشمل مكافحة الفساد والديمقراطية تماشيا مع الأجندة الدولية للجهات المانحة»،

وتكمل ياسمين: «لا أنكر قيام جمعيات حقوق الإنسان ببعض الأدوار المؤثرة، لكنها لا تتناسب إطلاقا مع حجم التمويل الذى تحصل عليه، فالذى يحرك أغلب الجمعيات التمويل وليس رغبات واحتياجات الناس، خاصة أن الرقابة من الجهات المانحة على تلك المنظمات لا تضمن بشكل كامل إنفاق الأموال للغرض المخصص لها، وتأكدت من ذلك من أكثر من موقف واجهنى، مثل إحدى المنظمات التى حصلت على تمويل خارجى لدعم الأطفال والمراهقين فى منطقة مصر القديمة، من خلال ورش عمل وتمثيل، ووضعت ضمن بنود الميزانية تكلفة مدرب لتعليم التمثيل وآخر لتدريب الأطفال على الرقصات الاستعراضية، لكن على أرض الواقع لم يحدث ذلك، وعندما أراد المسؤولين عن المنحة رؤية حجم الإنجاز، استعانوا بأطفال آخرين من منطقة حلوان كان سبق تدريبهم على عروض مسرحية وقدموهم بدلا من الأطفال الذين حصلوا على المنحة بسببهم».

تجربة أخرى عاشتها منى الشيمى «25 عاما» مخرجة مسرحية، فى مجال العمل بحقوق الإنسان، الذى تحول من وجهة نظرها كسبوبة ووجاهة اجتماعية يستخدمها البعض للترويج لأعمال وهمية غير موجودة: «عملت فى مجال حقوق الإنسان عاماً واحداً فقط، ووجدت أن التكسب من هذا العمل أمر ليس صعبا، فمثلا إذا قامت إحدى المنظمات بتحديد نشاط معين للحصول على منحة فإنها تقوم به بالفعل لكن بشكل ظاهرى فقط، حيث عاصرت إحدى المنظمات التى حددت دورة تدريبية فى مجال حقوق الإنسان لمدة ثمانى حصص، حصلت بسببها على التمويل، لكن ما حدث أنها اكتفت بحصتين فقط، دون تكملة الدورة التدريبية، هذا غير حفلات الغداء والعشاء الفخمة التى تلتهم معظم ميزانيات تلك المنظمات التى تعقد مؤتمراتها فى فنادق خمسة نجوم، واكتشفت أن هناك منظمات تستخدم التمويل فى الصرف على تلك الأشياء فقط، والسرقة من أموال التمويل فيها تحدث بشكل علنى».

أصيبت منى بإحباط شديد– على حد تعبيرها– بعد خوضها تجربة العمل فى مجال حقوق الإنسان فى مصر، لأنها ترى أنه وسط أكثر من 20 ألف جمعية أهلية فإن نسبة 2% فقط من هذا الرقم هم من يقومون بعملهم بالشكل الصحيح، لذلك يتم التعامل معهم كأقلية، ويتعرضون بشكل دائم للمضايقات الأمنية والبيروقراطية الشديدة: «إزاى المواطن يعرف إن المنظمة دى بتشتغل بجد ولا لأ ؟ لما يلاقى فى معارضات أمنية قوية لمنظمة ما يعرف إنهم بيحاولوا يعملوا حاجة، أما الجمعيات والمنظمات اللى مابتشتغلش حقيقى ماحدش بيعترضهم، خاصة أن حقوق الإنسان عنوان واسع ممكن تتحط وراه حاجات كتيرة، لو بتعامل فى شركة الموضوع بيبقى واضح فى المكسب والخسارة، إنما التنمية عبارة عن فلوس بتدخل ومافيش نتيجة واضحة، وفى وسط ده فى أخطاء كبيرة بتحصل، والمشكلة الكبيرة إن مش كل العاملين والمدربين فى مجال حقوق الإنسان فاهمين فى العمل الحقوقى، وشفت مدربين بيتعاملوا مع المواطنين بشكل مهين جدا وغير علمى».

عمرو عبدالحكيم «25 عاما»، باحث بالمجلس القومى لحقوق الإنسان، اتفق مع منى فى أن معظم العاملين بمجال حقوق الإنسان فى مصر غير مؤهلين لهذا العمل، وأرجع السبب فى ذلك إلى عدم وجود دراسة علمية أو أكاديمية فى هذا المجال: «درست فى كلية حقوق جامعة بنى سويف، وأثناء سنوات الدراسة كان يتم حذف الفصل الخاص بحقوق الإنسان، وهو ما دفعنى إلى قراءته والتعمق فيه، وبعد تخرجى قررت التخصص فى هذا المجال، وأردت أن أكمل دراستى العليا فيه، لكننى فوجئت بأنه على مستوى جمهورية مصر العربية لا توجد سوى كلية حقوق جامعة أسيوط فقط التى يمكن الحصول منها على ماجيستير فى مجال حقوق الإنسان، وهو ما يجعل العاملين فى العمل الحقوقى فى مصر لا يدرون أهم مبادئه، حيث أجد شخصاً كان يعمل فى مجال التسويق وقرر العمل فى مجال حقوق الإنسان، أو مكتب محاماة قرر أصحابه تحويله إلى منظمة حقوق إنسان، وكل ذلك للحصول على تمويل الجهات المانحة»، ويضيف «الخطأ الكبير الذى يقع فيه العاملون فى المجال الحقوقى فى مصر أنهم يتفقون على عناوين مشاريع معينة يسعون إلى تحقيقها للحصول على تمويل، كأن يقال زيادة عدد المواطنين الذين يشاركون فى الانتخابات، فيذهبون إلى قرية ويساعدون المواطنين فى استخراج البطاقة الانتخابية دون أن يحاولون تعليم المواطنين فى تلك القرية أساسيات حقوقه كإنسان ومعنى كلمة حقوق إنسان».

التنمية والدراسات الإنمائية كلمات سحرية تفتح باب التمويل على مصراعيه كما يحكى أحمد عصمت «28 عاما»، الذى يعمل فى المجتمع المدنى منذ 14 عاما، ويعمل حاليا على مشروع للتعاون بين الوسائل الإعلامية وحقوق الإنسان، ويقول أحمد: «يمكن لكلمات بسيطة مثل التنمية أن تفتح أبوابا كبيرة للتمويل، فعلى سبيل المثال مركز ابن خلدون أضاف مؤخرا كلمة تنمية، ليصبح مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية، وذلك بسبب الحصول على تمويل أكبر من الجهات المانحة».

ويصف أحمد العمل فى مجال حقوق الإنسان فى مصر بـ«الموضة»، التى بدأت بعد انتخابات 2005، حينها كثر الكلام حول المراقبة الدولية وغيرها من المصطلحات الخاصة بحقوق الإنسان. من ناحية أخرى انتقد أحمد وجود «أجندات» خارجية تفرض على منظمات المجتمع المدنى فى مصر: «إطلاق كلمة أقليات على المسيحيين والمرأة جاء توافقا مع أجندة حقوق الأقليات التى تعمل عليها منظمات المجتمع المدنى وتتكسب منها».

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية