في خطوة اعتبرها محللون حلقة جديدة من حلقات الصراع المذهبي في المنطقة بين المملكة العربية السعودية وإيران، قطع الملك سلمان بن عبدالعزيز، الأسبوع الماضي، مساعدات تقول بلاده إنها بالمليارات عن بيروت، قبل أن يدفع دول مجلس التعاون الخليجي لتصنيف «حزب الله» منظمة إرهابية، وبات الاقتصاد اللبناني، بفضل القرار السعودي، مهددًا، وسط مخاوف من حدوث فتنة، وزيادة التوتر السائد في المنطقة، وتراجعت المملكة مؤخرًا، وأعلنت استعداداها تقديم المساعدات شرط عدم تدخل «حزب الله» في شؤون لبنان.
واعتبر مجلس التعاون الخليجي، الأربعاء الماضي، «ميليشيات حزب الله بكافة قادتها وفصائلها والتنظيمات التابعة لها والمنبثقة عنها، منظمة إرهابية»، واتخذ مجلس وزراء الداخلية العرب خطوة مشابهة بتصنيفه للحزب كمنظمة إرهابية، فيما رفضت إيران القرار، واعتبرته «يخدم الكيان الصهيوني».
وقبل نحو أسبوعين، أوقفت السعودية مساعدات إلى الجيش وقوى الأمن اللبنانية بقيمة أكثر من 3 مليارات دولار، بسبب «مواقف لبنانية مناهضة لها على المنابر العربية والإقليمية والدولية في ظل مصادرة ما يسمى حزب الله اللبناني لإرادة الدولة».
يعتقد الباحث اللبناني فواز جرجس، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة لندن، أن السعودية تخوض حربا شاملة ضد إيران وحلفائها في المنطقة العربية، وبرز «حزب الله» كلاعب أكثر تحديا وقوة ضد السعوديين في لبنان وخارجه.
ويضيف «جرجس»، لـ«المصري اليوم»: «في نظر السعوديين، هجمات حزب الله الكلامية على القيادة السعودية لمست وترًا حساسًا، السعودية تستعرض عضلاتها الإقليمية، وترسل رسالة إلى الصديق قبل العدو أن هناك تكلفة للوقوف مع منافسي المملكة».
ولم يفوّت الأمين العام لـ«حزب الله»، حسن نصر الله، فرصة إلا وهاجم «آل سعود»، واصفًا إياهم بـ«الطواغيت»، ورأى أن المملكة لا تختلف عن «داعش»، وطالب العالم بالوقوف في وجهها لأنها «دولة إرهابية».
يشار أيضًا إلى أن وزير خارجية لبنان، جبران باسيل، رفض إدانة الممارسات الإيرانية ضد المملكة عقب إعدام رجل الدين الشيعي نمر النمر، وهو الأمر الذي قابلته السعودية باستياء كبير، في اجتماع لمجلس وزراء الخارجية لمنظمة التعاون الإسلامي.
وتنقسم الحكومة اللبنانية بين كتلتين سياسيتين كبيرتين إحداهما مدعومة من السعودية «قوى 14 آذار»، وأخرى من إيران «حزب الله» وحلفاؤه، ولدى الحزب وزيرين في الحكومة.
من جانبه، يرى نبيل بدر، مساعد وزير الخارجية السابق للشؤون العربية، أن السعودية لم تقصد الإضرار بلبنان الشقيق، لكنها تحاول تحجيم «حزب الله» وإيران، ومنعهما من التدخل في شؤون الدول الأخرى كما يحدث في سوريا.
وفي اتصال هاتفي مع «المصري اليوم»، يقول المفكر اللبناني، جورج قرم، إن «تصعيد المملكة يهدف إلى تغطية فشل السياسة السعودية الحادة والهجومية الطابع في سوريا واليمن».
ويؤمن «حزب الله»، أن السعودية اتخذت قرارها بعدما فشلت في سوريا، مؤكدًا أن «ضغوطات المملكة على الحزب لن تثنيه عن مواصلة حرب التكفيريين في سوريا»، وهو ما أيّده المحلل اللبناني، زياد ماجد، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في الجامعة الأمريكية بباريس، بتأكيده صعوبة انسحاب الحزب من سوريا، حيث يعتبر حربه بجانب بشار الأسد «معركة وجودية ومصيرية».
يقول «ماجد» إن «حزب الله لم يعد قادرًا على الانسحاب من سوريا قبل الوصول إلى حلّ سياسي ما، لأنه زُجّ في معركتها بحوالي 10 آلاف مقاتل يدافعون عن نظام الأسد في معظم الجبهات، ويدافعون أيضًا عن النفوذ الإيراني وعن ممرّ السلاح من إيران إليهم».
ويضيف «ماجد»، لـ«المصري اليوم»: «التعبئة المذهبية التي اعتمدها الحزب في السنوات الأخيرة تصعّب فكّ ارتباطه السوري في المستقبل القريب، وستكون لها تداعيات خطيرة في سوريا ولبنان حتى بعد انتهاء الصراع الراهن».
ويُبدي محللون تخوفهم من حدوث فتنة وانتقال التوتر من المحيط إلى لبنان، إثر القرار السعودي، لكن سعد الحريري، زعيم تيار المستقبل، قال إنه يرغب في استمرار الحوار مع «حزب الله» رغم تصنيف دول الخليج للحزب منظمة إرهابية.
وأضاف: «الحزب مُصنف منذ زمن منظمةً إرهابية، ونحن نتحاور معه، وما له علاقة بالوضع الداخلي لا يتغيّر بالنسبة إلينا، أما في ما يخص الأعمال، التي يقوم بها حزب الله، فتعرفون تماماً أننا ضدها، وأنا أصنّفها إجرامية وغير قانونية وإرهابية أيضًاً».
بدوره، شدد الأمين العام للحزب، حسن نصرالله، على ضرورة حماية الاستقرار الداخلي، بشقّيه الأمني والوطني، مؤكدًا أنه لا مشكلة أمنية في لبنان، ولا مؤشر للصدام.
يقول زياد ماجد: «المواقف السعودية الجديدة التصعيدية ضد إيران وحليفها في بيروت واحتمالات الردود الإيرانية عليها، ستؤدّي إلى المزيد من التوترات السياسية والطائفية في لبنان»، وطالب اللبنانيين باعتماد الحياد الإيجابي في المنطقة تجنّبًا لانقسامات حادة تجاه صراعاتها ومحاورها، وتقتضي أيضًا إصلاحًا سياسيًا واقتصاديًا يُتيح لهم الخروج من التبعيّة المالية ومن الشلل السياسي الذي يحول دون قيام المؤسسات الدستورية بأدوارها، لكنه يتراجع ويوضح أن توازنات القوى القائمة اليوم لن تسمح بذلك.
واستبعد جورج قرم، «إمكانية حدوث فتنة في لبنان مهما تُبذل من جهود من قبل جهات خارجية أو التنظيمات الإرهابية مثل داعش والنصرة، وهي تنظيمات قامت وما زالت تقوم داخل الأراضي اللبنانية بأعمال إجرامية مثل تفجير سيارات مفخخة، وخطف جنود من الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي وذبح البعض منهم، دون أن يؤدي ذلك إلى فتنة على الأرض بين مكوّنات الشعب اللبناني».
ويضيف: «يجب أن لا ننسى أن اللبنانيين قد عانوا الأمرّين مما حصل بينهم من فتنة فتّاكة بين عام 1975 و1990 وليس في البلاد أي جو بالعودة إلى حرب أهلية، ولو تتمنى ذلك بعض القوى الإقليمية التي تعمل لتفتيت وتدمير المنطقة العربية».
وأثار القرار السعودي مخاوف في الأوساط اللبنانية من مصير العاملين اللبنانيين في دول الخليج، والصادرات اللبنانية إلى تلك الدول.
يقول «قرم»، وهو وزير مالية أسبق في لبنان، إن هناك مبالغات عديدة حول المساعدات السعودية إلى لبنان، الأمر يتعلق بشكل خاص حول المساعدات العسكرية (3 مليارات دولار) التي جرى توقيفها بعد وفاة الملك عبدالله، ولم يُصرف منها إلا القليل، موضحًا أن مصادر المساعدات البديلة متوفرة منذ زمن، سواء من قبل إيران التي عرضت مرارًا تزويد الجيش اللبناني بكل ما يحتاج إليه من سلاح وعتاد، خاصة أنه بعد رفع العقوبات الغربية على طهران، أصبح الأمر سهلًا على الحكومة اللبنانية لقبول هبات عسكرية إيرانية، أو سواء من قبل روسيا أو الهند أو الصين.
وتقدر غرفة التجارة اللبنانية، عدد العاملين في دول الخليج بحوالي نصف مليون مواطن لبناني، بينهم 300 ألف يقيمون في السعودية فقط، كما بلغت قيمة تحويلات اللبنانيين من دول الخليج 7 مليارات و500 مليون دولار عام 2015، بجانب الاستثمارات السعودية الكبيرة في لبنان، الأمر الذي دفع رجل أعمال يعمل في الإمارات العربية، رفض الكشف عن اسمه، إلى سرعة تجديد إقامته، خوفا من رفض تجديدها، وفق ما قاله لوكالة «فرانس برس».
ويشير «قرم»، إلى أن عدد العاملين اللبنانيين في المملكة كبير نسبيًا، لكن يجب ألا ننسى أنه جزء من انتشار لبناني في العالم كبير جدًا في أوروبا وأمريكا وكندا وأستراليا وأفريقيا جنوب الصحراء بشكل خاص، لذلك فإن تحويلات العاملين اللبنانيين في المملكة تمثل فقط 15 إلى 20% من مجمل التحويلات من الاغتراب إلى الوطن.
ويوضح: «طردت السعودية العاملين اللبنانيين، ستخسر الكوادر والكفاءات اللبنانية التي تساهم في ازدهار المملكة، وستخسر رصيدها المعنوي في لبنان»، لافتا إلى أن الصادرات اللبنانية لها قدرة تنافسية، ويمكن إيجاد أسواق بديلة عن السوق السعودي بكل سهولة.
واشترطت المملكة السعودية، إدارة لبنان شؤون بنفسه بعيدًا عن ابتزاز «ميليشيات حزب الله»، لمراجعة علاقة الرياض ببيروت، حسب مندوب السعودية لدى الأمم المتحدة، عبدالله المعلمي.
وقال «المعلمي»، إن «الأمر يتوقف على ما إذا كانت الحكومة اللبنانية قادرة على إدارة شؤونها بمنأى عن الابتزاز الذي يمارسه حزب الله على المؤسسات والحكومة اللبنانية، وإذا ما حدث هذا الأمر يمكن حينها أن نعيد النظر بالقرار، لأن لبنان بلد مهم بالنسبة لنا، ولدينا كل النوايا الحسنة تجاهه، ولكن لن نتسامح مع سلوكيات حزب الله التي تتسم بالإرهاب داخل وخارج لبنان».
وردًا على شرط المملكة، يقول جورج قرم: «لم تدرك المملكة أن حزب الله أصبح مكوّنا أساسيا من المجتمع اللبناني وشعبيته تتعدى الطائفة الشيعية، فهو الذي حرّر لبنان بتضحيات جليلة من 22 سنة من احتلال صهيوني وحشي (1978-2000)، وحال دون محاولة عودة الاحتلال عام 2006، لذلك فإن موقف السعودية والدول الأخرى في مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية باعتبار حزب الله تنظيما إرهابيا هو موقف قوبل برفض شامل حتى في معظم القوى السياسية الموالية للمملكة».
الأمر نفسه، يؤكده مساعد وزير الخارجية السابق للشؤون العربية، نبيل بدر، بقوله: «لا أرى أن لبنان قد يحجم نفوذ حزب الله في الداخل، لأنه يملك تأثيرًا كبيرًا».