يوما بعد يوم، تزداد سطوة النفوذ الصهيونى فى وسائل الإعلام العالمية، مرئية ومسموعة. ورغم كل ما تروج له من حرية تعبير، فما زالت تستخدم قائمة اتهامات جاهزة بـ«معاداة السامية» لكل من يجرؤ على انتقاد السياسات الإسرائيلية دون تمييز، وكان من ضحاياها فى الفترة الأخيرة المذيع الشاب «ريك سانشيز» فى شبكة «سى. إن. إن» الإخبارية، ومراسلة البيت الأبيض المخضرمة «هيلين توماس»، والإعلامية المتخصصة «أوكتافيا نصر»، بل الرئيس الأمريكى «باراك أوباما».
خلال أسبوع واحد، فصلت «سى. إن. إن» «سانشيز»، لمجرد أنه وصف المذيع «جون ستيوارت» يهودى الديانة بـ«المتعصب»، بل أعرب عن قناعته بأن «اليهود يسيطرون على وسائل الإعلام»، وكان المبرر التقليدى هو الإدلاء بتصريحات «معادية للسامية». «سانشيز»، الذى سبق أن سخر منه «ستيوارت» فى برنامجه دون ضجة، لم يقل سوى إن «ستيورات لا يتسامح مع أى شخص مثله»، واعتبر المذيع المفصول أن «العنصرية» فى مجال الصحافة «لا تنبع فقط من اليمين بل أيضا من الصفوة الليبرالية فى شمال شرق الولايات المتحدة، التى تنظر إلى الأشخاص بطريقة دونية».
رغم أن الرئيس أوباما فى هجومه على شبكة «فوكس نيوز» الإخبارية الأمريكية، المملوكة للملياردير اليهودى المعروف «روبرت مردوخ»، حرص على انتقاء كلماته بعناية ووصفها بأن تأثيرها «هدام على مسيرة التنمية»، إلا أن الشبكة اعتبرت تصريحاته حلقة من سلسلة انتقادات «مباشرة» لها، فى حين كتبت صحيفة «لوفيجارو» الفرنسية الشهر الماضى، واصفة ما تقوم به الشبكة بأنه «تأجيج للمشاعر المعادية للإسلام»، لاسيما فى الفترة المواكبة لذكرى 11 سبتمبر، بالتزامن مع تصاعد أزمة مسجد «جراوند زيرو»، وربطت الصحيفة بين توجهات مالك الشبكة، قطب المال «روبرت مردوخ»، وتقريرا بثته القناة الإخبارية حول قضية المسجد الذى «سيحصل على تمويلات من المملكة العربية السعودية وعدد من أمراء الخليج العربى من ممولى المدارس الدينية»،
ولم تغفل المفارقة المتمثلة فى أن «مردوخ»، الذى يهاجم التمويل السعودى للمسجد، هو نفسه الذى وضع يده قبل أشهر فى يد الوليد بن طلال، إمبراطور المال السعودى، ليبرما صفقة قامت بموجبها «نيوز كورب» بشراء حصة 9% من أسهم «روتانا جروب» التابعة للوليد بن طلال، فى إطار مساعى «مردوخ» لتأمين شراكته مع السعوديين، الذين باتوا يمتلكون 30% من مجموعته «نيوز كورب»، ليصبحوا ثانى أكبر مساهم فيها بعد «مردوخ» نفسه الذى يطمح إلى إنتاج محتوى عربى يخدم 335 مليون شخص، انطلاقاً من دولة الإمارات، التى أعلن فيها خلال افتتاح أول قمة للإعلام فى أبو ظبى، أنها ستصبح قاعدة لتوسيع مجموعته فى الشرق الأوسط.
كانت «فوكس نيوز» قد بثت تقريرا وصفت فيه أداء إدارة أوباما بـ«المنحرف» عن السلوك الطبيعى للرؤساء الأمريكيين، وذلك بمناسبة الإدانة الدولية الواسعة لإسرائيل بعد هجومها على «أسطول الحرية». ورأى التقرير التليفزيونى أن سكوت أوباما على ما وصفته بـ«معاداة إسرائيل» يعنى قبوله بإدانة حليفته الإستراتيجية، التى بالغت «فوكس نيوز» فى هذا السياق فى إظهارها بدور الضحية.
والملاحظ أنه عندما وجه أوباما خطابه للعالم الإسلامى من القاهرة، حرصت «فوكس نيوز» على إعادة بث عبارته الاستهلالية «السلام عليكم» التى قالها باللغة العربية، فى أسلوب إخراجى عمدت من خلاله إلى إبراز عبارته، وكأنها «دليل إدانة» على ما يضمره. كما أنها القناة «اليمينية المحافظة» التى سبق أن وصفتها «آنيتا دين»، مديرة الاتصالات فى البيت الأبيض، العام الماضى بأنها «ذراع إعلامية للحزب الجمهورى».
وخلافا لما اعتبرته «فوكس نيوز» هذه المرة انتقادا «مباشرا»، جاءت تصريحات أوباما الأخيرة فى سياق انتقادات كثيرة لسطوة الإعلام الصهيونى، الذى يسميه البعض خطأ «إعلاما يهوديا». فالرئيس الأمريكى مازال غير قادر على الدخول فى معركة مع أساطين هذا الإعلام، ومنهم مثالا لا حصرا فى الولايات المتحدة وحدها : «سى. إن. إن» و«إيه. بى. سى نيوز» و«واشنطن بوست» و«تايم» و«نيويورك تايمز»، ومالكوها أمريكيو الجنسية، صهيونيو الولاء، يقدمون أنفسهم باعتبارهم مواطنين أمريكيين «يهودا».
ولا تنحصر سطوة الإعلام الصهيونى داخل الحدود الأمريكية، بل تمتد إلى دول غربية أخرى، فمؤسسة «أكسل سبرنجر» أبرز أبواقه فى ألمانيا، لدرجة أنها توصم بلقب «سيئة السمعة»، رغم الشعبية الواسعة التى تحظى بها إصداراتها بدءا من صحيفة التابلويد الشهيرة «بيلد» إلى «دى فيلت» و«برلينير مورجن بوست» و«هامبورجر أبنبلات».