اتهمنا رئيس مصر بالسرقة، وآخر بالخيانة، فكان من الطبيعى أن نسمع أوصافًا أشد وأقسى لمن بعدهما، اخترعنا جهازاً للعلاج بالكفتة، فكان من الطبيعى أن نسمع: نقداً لاذعاً.. الهيمنة واضحة من مجموعة بعينها على كل مقدرات الدولة، فكان من الطبيعى أن يتندر البعض، ويطلب من الهيئة إياها النزول إلى الأسواق بدولار أقل سعراً، كالفراخ أُم ٧٥ قرشا.. فرطنا فى مياه النيل، فكان طبيعياً إصدار هاشتاج المجارى.. أهدرنا فلوس الناس فى التفريعة، فكان من الطبيعى أن يكون ذلك حال الجنيه.. إسرائيل أعلنت أن هدم الأنفاق كان لحسابها، لم يصدر من جانبنا أى رد.. الشاب الإيطالى قُتِل فى ظروف غامضة، السياحة عموماً تراجعت إلى أبعد مدى.
الديمقراطية سوف تتحقق بعد ٢٥ عاماً، التنمية الشاملة بعد ٤٧ عاماً، انتظروا قرارات مؤلمة.. ادعى أحدهم اختراع سيارة طائرة، «الوحش المصرى».. ادعى آخر الحصول على جائزة عالمية.. أحدهم ازدرى كل نساء مصر، إحداهن رأت تأكل العنب بالعسل مع الرئيس فى المنام، أحدهم طالب بإباحة الزنى، إحداهن طالبت بعودة البغاء، أحد الاستراتيجيين إياهم قال إن أحداث الدرب الأحمر مخطط خارجى، الشرطة أعلنت أن أمين الشرطة القاتل لم يكن فى الخدمة، ومن طفل الفيوم، لفتاة شبرا، لسيدة المترو، لبذاءات «توك شو» آخر الليل، وافتتاح الكرة الأرضية بسوهاج، سلسلة طويلة من الأحداث الغريبة.
المحصلة الرئيسية لهذه الأحداث وغيرها هى أن إهانة الكبير كانت البداية لإهانة الجميع، أيضاً الاستخفاف بعقول الناس ساهم فى رفع وتيرة التوتر والشغب فى المجتمع، عدم وجود برنامج اقتصادى وسياسى حقيقى للنهوض من هذه العثرة تزايدت معه حالة الاحتقان السائدة، وتراجعت معه نسب التأييد للنظام ككل، الفقر ينتشر، والجريمة أيضاً.. البطالة تتزايد، والأمراض أيضاً، هذه الطريقة لم تعد فاعلة فى أى من الأوساط، سياسة الاستعطاف لم تعد مجدية فى ظل هذه الظروف العصيبة، كان من الطبيعى أن يتحول الخطاب إلى حالة عصبية.
أعتقد أن السنوات الخمسة الأخيرة قد شهدت انشغالاً بإهانة الناس، أكثر منه انشغالاً بالتخطيط لما هو قادم، تحدثنا عن الماضى أكثر مما تحدثنا عن المستقبل، الحقيقة المؤكدة هى أنه لا وجه للمقارنة بين حكومة ما قبل ٢٥ يناير ٢٠١١، المعروفة بحكومة الدكتور أحمد نظيف، ومثيلاتها من كل حكومات ما بعد ذلك التاريخ، خاصة الحكومة الحالية، رغم ذلك الاتهامات مستمرة طوال الوقت لحكومات الماضى، لم نحاول الاستفادة من أى من أفرادها، بأى شكل، أو بأى طريقة، وعلى هذا يمكن القياس فى كل مجريات حياتنا.
نحن هنا أيها السادة ننقل فقط نبض الشارع، بعيداً عن ذلك الإعلام عديم الفائدة، الذى آثر العبث المكتوب نهاراً، والردح الخطابى ليلاً، يجب أن نعترف بأن هذا السلوك فى التخطيط، أو فى أسلوب الحُكم، أصبح بمثابة (أكل عيش)، أو أسلوب حياة، لا يستطيعون العيش بدونه، الشماعة التى نُعلق عليها الفشل طوال الوقت، على الرغم من أنها أصبحت شماعة باليَة، بالتأكيد نحن أمام قضية خطيرة، وهى قضية توقير الكبير أياً كان، قضية احترام المسؤول، قضية احترامنا لبعضنا البعض، احترامنا لأنفسنا، الأسلوب الحالى فى الإدارة جعلنا أمام مجتمع همجى، بلطجى، مضطرب نفسياً، حتى داخل الأُسرة الواحدة، لم يعد الأمر يتعلق بمواقع العمل فقط، الغوغائية أصبحت هى الأصل، لم يعد هناك الكبير الذى يجد آذاناً صاغية، لم تعد هناك القدوة.
لأن الأمر كذلك، فالقضية فى حاجة إلى علاج ناجع، يبدأ بالمسؤولين، بأولى الأمر، برأس السمكة، بأصحاب القرار، إذا صلحوا صلحت الرعية، وإذا فسدوا فسدت الرعية، ليكن رهانهم على المستقبل، حتى يحذو الشعب حذوهم، لينبذوا التشفى والانتقام، ليعلنوا احترامهم للآخرين إذا أرادوا احترام العامة، ليعتذروا عما بدر منهم، حتى يحترمهم الشعب، ليعلنوا بدء صفحة جديدة من مدونة سلوك قائمة على الاحترام فى مختلف المجالات، ومع جميع الأطياف، الاتهامات العشوائية لم تكن أبداً مفيدة للمجتمع بأى حال، ولن تفيد فى المستقبل.
السؤال هو: إذا استمر الأمر كذلك، كيف يمكن أن ننال احترام الآخرين خارج الجغرافيا المصرية، أو خارج القُطر، إذا لم نُصلح من شأن أنفسنا، كيف يحق لنا أن نُعوّل على الآخرين لمساعدتنا فى الإصلاح، أعتقد أن الأمر لا يحتاج أكثر من الإرادة، وصفاء النفوس، لنطلق فقط صافرة البداية، ونعترف أننا ارتكبنا خطأً كبيراً، حين سمحنا بإهانة الكبير، أى كبير، وإلا فإن الكل مُتاح، والجميع مُباح، وها هى النتيجة، ما نحن فيه الآن.