إذا كنت يا حمادة أكبر من مواليد الثمانينيات من القرن الماضى فأنت بالتأكيد تعلم من هما نادية وفوزية، لأنك ستكون بالتأكيد قد استمتعت بمشاهدة رائعة فاتن حمامة «الليلة الأخيرة» حيث كان اسمها نادية التي فقدت ذاكرتها إثر قصف أثناء الحرب، فاستغلها محمود مرسى زوج شقيقتها «فوزية» التي توفيت في نفس الحادث، فأطلق عليها اسم شقيقتها «فوزية».. لكنها لما استعادت ذاكرتها فجأة بعد عشرين عاما تذكرت أنها نادية، بينما كل من حولها كان يؤكد لها أنها فوزية، فكان سؤالها الذي دارت حوله قصة الفيلم هو هل هي نادية أم فوزية؟.. أما بقى لو سيادتك من مواليد التسعينيات وطالع فياريت تقعد على جنب بقصة شعرك العجيبة أو بذيل الحصان المدلدل من قفاك، وانتظر لحد الكبار ما يخلصوا كلامهم!.. مصر هذه الأيام تتساءل: هل هي نادية المدنية أم فوزية السلفية؟.. هل صحيح أننا ثرنا على الإخوان أم أننا فقدنا الذاكرة فمازلنا فوزية ويحكمنا المتأسلمون؟... لماذا كل ما يحدث حولنا يؤكد أننا أصبحنا تحت حكم الملالى السنيين؟.. هل نحن دولة مدنية حتى ولو حكمها رئيس مدنى ذو خلفية عسكرية، أم أننا دولة ملالى يتحكم فيها الشيوخ السلفيون بغض النظر عمن يرأسها أياً كانت خلفيته؟.. هل تخلصنا من الاحتلال الإخوانى لنقع تحت الاحتلال السلفى؟.. هذا للأسف ما يحدث الآن!.. أصبحنا نقترب من النموذج الإيرانى لكن بطابع سلفى!.. الشيوخ السلفيون يحكموننا بتعنت لم نره حتى وقت حكم الإخوان!.. القائمون على تطبيق القانون يطبقون قانون ازدراء الأديان الذي أصبح مخالفاً للدستور، لذلك أتساءل لماذا كانت العجلة في إصدار أحكام طبقاً لقانون معروف مسبقا أنه سيتم إلغاؤه؟.. كلنا نشكو العدالة البطيئة حيث تنظر القضايا في سنوات، إشمعنى بقى قضايا ازدراء الأديان يتم فيها الحكم فرّيرة وعلى ودنه؟!.. لا أستطيع إلا أن أتساءل أين الرئيس السيسى من الحكم المخزى بحبس الأطفال الخمسة؟.. أين الرئيس من نقل ناظرة مدرسة لأنها مسيحية؟.. أين الرئيس من إلغاء برنامج تليفزيونى بأمر من شيخ الأزهر لأنه استضاف سيد القمنى؟.. ألم يقُل لهؤلاء الشيوخ إنه سيحاجيهم يوم القيامة؟ طيب وماذا فعل عملياً في الدنيا لمواجهة تشددهم؟.. لماذا يتركهم يتوحشون هكذا؟.. كيف استقبلت مشاعره النبيلة خبر الحكم بحبس هؤلاء الأطفال؟.. كيف يحرص على الذهاب لتهنئة المسيحيين في الكاتدرائية ثم يسكت أمام حبس أطفالهم؟.. أليس السكوت علامة رضا؟!.. كيف يرضى بشحططة سيدة منهم من وظيفتها تعنتاً بسبب ديانتها؟.. من ماذا تخاف الدولة؟.. غضبة السلفيين!.. غضبة بعض الأزهريين؟.. !.. هل هوالخوف أم هوالبطء القاتل الذي أصبح نهجاً ومنهجاً حتى في أبسط الملفات المحسومة؟!.. مصر هي الأهم والأولى بالخوف عليها!.. إذا كان الرئيس قد حذر مؤخراً من انفجار غضبته من منطلق اتقّ شر الحليم إذا غضب، فأود أن أشير إلى أن نفس المنطق ينطبق على الإخوة المسيحيين والتاريخ موجود.. سأحكى لك يا حمادة حكاية ثورة مسلحة لمسيحيين مصريين عام 831م، ضد تعنت الخليفة المأمون ضدهم.. في الدقهلية كانت تعيش مجموعة من أقباط مصر عُرفوا باسم «البشموريين»، وكانوا يعملون في الزراعة وإنتاج ورق البردى والصيد.. كان هؤلاء البشموريون قد ساعدوا العباسيين في ثورتهم على الأمويين عام 750م، وبناء على هذا تلقوا وعوداً عميقة من العباسيين بالعدل وإتاحة فرص العمل لهم والمراعاة في الجبايات.. إلخ.. لكن ما إن تولى العباسيون الحكم إلا ووجد الأقباط منهم العكس تماماً في كل ما وعدوهم به، فصاروا يعانون بشدة من الاضطهاد والمبالغة في جمع الجبايات.. كان البشموريون هم أشد الأقباط بأساً وقوة آنذاك فأشعلوا ثورة على العباسيين بدأت من مقرهم في محافظة الدقهلية ثم امتدت لبقية الدلتا.. قام الخليفة المأمون بإرسال جيش من 4000 جندى بقيادة أخيه المعتصم، لكن الجيش مُنى بهزيمة كبيرة، فاشتدت شوكة البشموريين بعد إحرازهم هذا النصر، لذلك عندما أرسل المأمون جيشاً ثانياً أكبر من سابقه هزمه البشموريون أيضاً!.. هنا قرر الخليفة المأمون أن يذهب بنفسه إلى مصر على رأس جيش ثالث لإخماد الثورة، لكنه اصطحب معه البطريرك ليعلن عدم مساندة الكنيسة للثورة فيشتت حشد المحاربين الأقباط.. مجىء البطريرك وإعلانه عدم مساندة الكنيسة للثورة أزاد البشموريين عنادا فقرروا أنهم يا قاتل يا مقتول!.. بالطبع أخمدت الثورة لفارق العدد، لكن بعد إسالة بحور من الدماء، فهل هذا ما تريده دولتنا الحالية؟!.. السكوت ليس دائماً من دهب، وأمام ما يحدث الآن فالسكوت من بلاستيك سريع الاشتعال، فمصر عادت لها ذاكرتها ومصممة أنها نادية رغم أنف فوزية!.