x

عبد الناصر سلامة أحمد أبوالغيط عبد الناصر سلامة الأربعاء 02-03-2016 22:03


بالتأكيد ترشيح مصر، وزير الخارجية السابق، أحمد أبوالغيط، لمنصب أمين عام جامعة الدول العربية، خلفاً للحالى، نبيل العربى، الذى تنتهى مدته فى يوليو المقبل، هو اختيار موفق ومدروس من وجوه عديدة، أهمها أن الرجل إضافة إلى حالة القبول التى يحظى بها على المستوى الشخصى، يتمتع بخبرة دبلوماسية وسياسية واسعة، فقد عمل سفيراً لمصر فى عدد من العواصم، ثم مندوباً بالأمم المتحدة فى نيويورك، إلى أن كان وزيراً للخارجية نحو سبع سنوات، فى الفترة من ٢٠٠٤، حتى ٢٠١١، كان خلالها فاعلاً على المستوى الدولى، وليس الإقليمى فقط.

وما أذكره هو أن أحمد أبوالغيط كان يعمل فى ظروف صعبة بعض الشىء، خلال توليه وزارة الخارجية، حيث فوجئ بأن هناك عدداً من الملفات الساخنة، كان قد تم سحبها، إلى حد كبير، لحساب أحد الأجهزة السيادية، وهو ما كان واضحاً طوال الوقت، وجعل هناك خلطاً، أو ازدواجية فى الاختصاصات والصلاحيات، بين الوزارة والجهاز، إلا أن ذلك لم يثنِ الرجل عن القيام بمهامه على أكمل وجه، دون صدام، أو دون اشتباك من أى نوع، بل كانت علاقته مع الراحل اللواء عمر سليمان، رئيس جهاز المخابرات حينذاك، علاقة صداقة، أكثر من أى شىء آخر.

أصدر أبوالغيط، قبل نحو عامين، مذكراته الشخصية، أو شهادته على العصر، فى كتابين على مستوى كبير من الأهمية، تضمنا الكثير من الوقائع، والقضايا، والوثائق، التى أوضحت إلى أى مدى قدم الرجل الكثير، وإلى أى مدى كانت الدبلوماسية المصرية دائماً حاضرة بقوة فى العواصم والمنتديات الدولية، وكيف أنه كان يقود نوعاً من الدبلوماسية الهادئة، التى تتناسب مع طبيعة شخصيته، فى ظل سياسة، اتسم بها حكم الرئيس مبارك بصفة عامة، كانت تركن دائماً إلى الهدوء والتروّى، دون «عنترية» وهو التعبير الذى كان يستخدمه مبارك كثيراً، إلا أن هذه السياسة كانت تقف بالمرصاد لمحاولات النيل من مصر على أى صعيد، وتكفى هنا الإشارة إلى سد النهضة الإثيوبى كنموذج صارخ.

اختيار أحمد أبوالغيط له دلالات مهمة فى هذا التوقيت، ليتها تكون مقصودة، أى تأتى فى إطار منظومة تفكير جديدة، تتمثل فى محاولة الاستفادة من الخبرات المصرية فى المجالات المختلفة، دون مزايدات، من أهل الثقة، على حساب أهل الخبرة، وهى الآفة التى خسرت معها الدولة المصرية كثيراً، خلال السنوات الخمس الماضية، فلا يمكن أبداً إغفال الجهود التى قام بها الكثير من المسؤولين فى مصر خلال عدة عقود مضت، كما لا يمكن فى ظل حالة التردى والترهل التى نعيشها حالياً، إغفال وجود هؤلاء، أو عدم الاستفادة من خبراتهم لسبب أو لآخر، نزولاً على رغبة متشدد، أو حاقد، أو جاهل، أو على أقل تقدير: قصير النظر.

هى إذن رسالة مهمة إلى العامة والخاصة بأن مصر فى حاجة إلى أبنائها، كل أبنائها، فى حاجة إلى جهودهم وخبراتهم، ليست أبداً حكراً على أحد، ليست حكراً على المزايدين الحنجوريين، أو المتقاعدين إياهم، أو حتى أصحاب الأيديولوجيات، الذين لا نسمع ولا نرى منهم سوى كل ما هو غث وردىء، وهو ما جعلنا «محلك سر» على جميع الأصعدة، فى ظل سيطرة اليسار والشيوعيين على الإعلام الحكومى، وهيمنة المتقاعدين على الاقتصاد والمناصب الفاعلة، وحكومة لا تسمن ولا تغنى من جوع.

على أى حال، أتوقع أن يجد ترشيح أبوالغيط ترحيباً عربياً واسعاً، نظراً للسمعة الطيبة التى تحيط به، والمصداقية التى يتميز بها، كما أتوقع أن يعيد لجامعة الدول العربية بعضاً من الحيوية التى افتقدتها، نتيجة عوامل عديدة، منها ما هو خاص بالجامعة نفسها، والضغوط الحاصلة على أمينها العام، الذى لم يبادر إلى طلب استمراره فترة ثانية كما جرت العادة، ومنها ما يتعلق بالعواصم العربية، أو بعضها، نتيجة سياسات خارجية وداخلية، من شأنها إحباط أى جهود فاعلة، يمكنها النهوض بالعمل العربى المشترك، بل إن هناك بينها من تبنى سياسات خلال السنوات الأخيرة، قادت، وتقود إلى الصدام العربى المسلح.

فى الوقت نفسه، تجدر الإشارة إلى أن تنصيب أبوالغيط فى هذا الموقع يأتى فى ظروف عصيبة، تمر بها الأمة العربية، وذلك لأن الملفات العربية المطروحة على الساحة الآن لم تعد عربية خالصة، حيث التداخل الخارجى فى معظمها، إلى حد وجود قوات أجنبية على التراب العربى فى صور عديدة، وهو الأمر الذى سوف يجعل من مهمته أمراً صعباً، إلا أننا نثق فى حكمة وقدرات الرجل وحُسْن نواياه من جهة، ومن جهة أخرى نأمل من مجمل العواصم العربية التعاون، وتقديم أقصى جهد، لما يمكن أن يعيد للتعاون العربى حيويته، خاصة أن المخططات الخارجية حول مزيد من الهيمنة على مقدرات المنطقة، ومزيد من تقسيم المُقسّم، أصبحت واضحة للعيان، بل ومُعلنة.

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية