x

«ولاد العمّ».. دراما تنتصر لكل ما هو إسرائيلى ضد كل ما هو مصرى!

الخميس 07-10-2010 08:23 | كتب: فاطمة ناعوت |
تصوير : أحمد المصري

لماذا غضبت بعد مشاهدة فيلم «ولاد العمّ»؟ بالرغم من أنه، من الوجهة التقنية، خرج متقنًا: تكنيكٌ متطورٌ فى دراما الأكشن، مؤثرات صوتية عالية التقنية. ذكاءٌ فى حركة الكاميرا وانتقالاتها وزوايا التقاطها. أداء الممثلين. موسيقى عمر خيرت مُلهِمةٌ. فماذا إذن؟ القصة تعالج أزمة وجودية، سياسية، أظنّها أبديةً، بين عدوّين، اختار لهما التاريخُ، والعقائد، نعتًا متناقضًا يقترب من العبث: «أولاد العم»!

 بينما العرف الجمعى التراكمى يظل يمنحهما نعت: «الأعداء». نجح المخرج فى نصف دقيقة، مدة التتر، فى تلخيص الحكاية كاملةً، من خلال أسرة مصرية شابة هانئة تتنزه فى مركب بمدينة بورسعيد. الزوج يتأمل العلم المصرى، الخافق على الصارية، بنظرة تحمل الكثير من القول، تتجول الكاميرا، فنلمح فى الداخل الزوجة الشابة تصلىّ صلاة المسلمين، فيما الطفلان، يوسف وسارة، وللاسمين دلالة، يلعبان ويرسمان.

حياة زوجية عامرة بالحب، سوى أن عقدة الفيلم ستنفجر فور يقول الزوج: «أنا مخبى عليكى سر، أنا إسرائيلى اسمى دانيال، وباشتغل مع الموساد.» تضحك الزوجة قائلةً: «ماشى يا عم دانيال، شالوم!» ثم تنصرف لشأنها. لن تعرف أن الأمر ليس مزحةً، إلا حينما تصحو لتجد نفسها وطفليها فى تل أبيب. وأن عزّت زوجَها المسلم الحنون، إنما بطلٌ داهية فى قسم الاغتيالات بالموساد. ملفُّ خبراته عامرٌ بعشرات الاغتيالات والتدميرات البارعة لأفراد وجهات مصرية! لتواجه حقيقةً مرعبة؛ أن عليها تقبّل الأمر، ثم التكيّف مع فكرة قضاء بقية عمرها فى إسرائيل.

عليها قبول فكرة أن يبدأ طفلاها المسلمان فى ممارسة الطقوس اليهودية، وتلقى التعاليم الصهيونية الكارهة لكل ما هو عربى، وبداهةً، لكل ما هو مصرى. وكذا يشرعان فى تعلّم كلماتهما الأولى فى اللغة العبرية. عليها أن تتعود على أن تتجول بقدميها فى شوارع «دولة «إسرائيل»(!) على هذه الفتاة المصرية البسيطة التعامل مع جيران إسرائيليين يحتقرون العرب، ويكيدون لكل ما هو مصرىّ! فتجهد لتجد لنفسها مخرجًا، يبدو مستحيلاً، للهروب بطفليها إلى مصر!

وقع صناع الفيلم فى مجموعة أخطاء قلبت المعادلة، فوضعت كل ما هو جميل فى خانة إسرائيل: شوارعُ نظيفةٌ، حدائقُ منسقةٌ، وبشرٌ هانئون نفسيًّا وماديًّا. صحيح أن السيناريو قدم نماذج إسرائيلية رديئة: متعصبة وخائنة، لكنه أيضًا قدّم مبرراتها، كأن يكون خائن لإسرائيل روسيًّا يشعر باضطهاد المجتمع الإسرائيلى له.

وإذا ما تأملنا التقابلات بين الإسرائيليين والعرب وجدنا أنها تصب فى صالح الطرف الأول. فالعامل الفلسطينى ناقم على المصريين، رغم ما قدمته مصر لقضيته! ورجل عرب الداخل رفض نجدة مصرية ملهوفة، فقط بأن يدلها على عنوان السفارة المصرية!

فى المقابل، نجد الإسرائيلى «السفاح»، زوجًا متحضرًا، متعلمًا تعليمًا رفيعًا، منعه من ممارسة الحب مع زوجته، ضد رغبتها، بعدما أصبح غريبًا عنها.

ضابط المخابرات الذى من المفترض أنه يمثل قمة الذكاء المصرى، بدا سطحيًّا. يجيد الكلام والطنطنة، على حساب الفعل، شأن العرب، على عكس الإسرائيليين الذين تكلموا قليلا وفعلوا الكثير. ما كرّس فكرة أن العرب مجرد «ظاهرة صوتية». لحظة تجنيده الزوجة، سألها إذا ما كان بينها وبين زوجها علاقة حميمة، بعدما كشفته. مدهشٌ أن يهتم ضابط مخابرات بأمر كهذا! وصدّق أن بوسعه دخول مبنى الموساد بيسر، قبل أن يكتشف أن الموساد هو الذى سهّل له الدخول لاصطياده. وفى مشهد استجوابه ليعترف، مع تعذيبه بالموجات الكهربائية، سب أمّ الضابط الإسرائيلى وبصق عليه!

نتأمل الطريقة التى توغّل بها الضابط الإسرائيلى فى نسيج المجتمع المصرى: إذ عمل فى بنك محترم، وتزوج من فتياته وأنجب أطفالاً، بينما لجأ الضابط المصرى إلى أساليب بدائية مستوحاة من أفلام المخابرات العتيقة، فعمل فاعلاً فى الجدار العازل، وحصل، ببساطة، على تصريح عمل فى صيدلية أمام البناية التى تقطنها الزوجة. ثم يكتشف أن اسمه على قائمة الاغتيالات، ما يكرّس فكرة أن تقنيات الموساد الاستخبارية فائقة التطور. أما الأشد قسوةً، فهو أن معظم الضالعين فى الجرائم ضد العرب من أصول عربية!

مشاهِدُ كثيرةٌ تكرّس انتصار الفيلم، دون دراية ربما، لكل ما هو إسرائيلى على حساب كل ما هو مصرى. فهل لو كان كاتب السيناريو إسرائيليًّا، كان من الممكن أن يفعل أفضل من هذا؟

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية