أعرب عدد من القضاة عن ارتياحهم للقرار، الذى اتخذه مجلس القضاء الأعلى بمنع نقل أو بث أو تسجيل أو إذاعة وقائع المحاكمات بواسطة وسائل الإعلام، مؤكدين أنه يحمى الهيئات القضائية ويحافظ على هيبتها، واصفين مايحدث حالياً بأنه أشبه بنقل مسرحية هزلية أو احتفالية وليست محاكمات، وأن الأمر بمثابة عملية تنظيمية ولا يعد انتقاصاً من حقوق وسائل الإعلام، وأن الأصل هو إدارة الجلسات داخل المحاكم وليس فى استديوهات مدينة الإنتاج الإعلامى.
وأرجع المستشار أحمد مكى، نائب رئيس محكمة النقض، عضو المجلس الأعلى للقضاء، سبب إصدار قرار المنع إلى الحرص على مصالح وحقوق المواطنين، فالقضاة ليس لهم مصلحة فى ذلك، مؤكداً أن نقل الجلسات من خلال الفضائيات حول ساحة المحكمة إلى «مسرح». وقال «مكى»: «لا يجب أن تنقل المحاكمات من مكانها الطبيعى داخل الجلسات فى المحاكم إلى استديوهات ماسبيرو ومدينة الإنتاج الإعلامى، فهذا لا يحقق أى عدالة للمتقاضين، لأن ذلك الأمر سوف يستغله أصحاب النفوذ والمال فى التأثير على خصومهم».
وقال المستشار رفعت السيد، رئيس محكمة الاستئناف، إن قرار منع تصوير وقائع المحاكمات جاء فى وقته، خاصة مع الانفلات، الذى شهدته وسائل الإعلام فى الآونة الأخيرة أثناء تناولها وقائع بعض المحاكمات، ووصل فى بعض الأحيان إلى التعرض للقضاة ومحاولة تهيئة الرأى العام لاتخاذ مواقف مسبقة.
وأضاف «السيد» أن قرار المنع مقصود به نقل وسائل الإعلام عبر التليفزيون والإذاعة، سواء نقل مباشر أو مسجل وليس المقصود به منع الصحافة من حضور الجلسات، ونقل وقائعها بشرط التزام الأمانة وحسن النية فى نقل الوقائع.
أما المستشار هشام جنينة، رئيس محكمة الاستئناف، أكد أن قرار المنع جاء بهدف تنظيم عمليات سير المحاكمات وليس بهدف الانتقاص من حرية وسائل الإعلام فى نقل الوقائع، خاصة بعد الفوضى، التى سادت المحاكمات بعد السماح لوسائل الإعلام بنقل وقائعها عن طريق البث التليفزيونى والإذاعى، لافتاً إلى أن قرار المنع اقتصر على تصوير المحاكمات وبثها بشكل مباشر أو مسجل، لما له من تأثير على المتهمين وأسرهم.
وقال جنينة: «قرار منع تصوير المحاكمات يتم تطبيقه فى أغلب دول العالم وأكثرها تقدماً واحتراماً لحقوق الإنسان، ففى الولايات المتحدة الأمريكية لا يجوز لوسائل الإعلام تصوير وقائع المحاكمات، حفاظاً على مشاعر أسر المتهمين أو الضحايا، التى تتناقلها وسائل الإعلام ويمكن من خلالها التأثير على الرأى العام».
بينما قال المستشار محمد عزت عجوة، رئيس نادى قضاة الإسكندرية، رئيس محكمة الجنايات، إن القرار يعد شيئا جيدا للغاية لأنه يحافظ على هيبة القضاء وقدسيته واحترام المحاكمات وسرية المداولات، مطالبا بالتزام الطرفين بتنفيذ القرار، سواء السلطة القضائية أو الإعلام على السواء.
وأوضح المستشار إسماعيل البسيونى، الرئيس السابق لنادى قضاة الإسكندرية، أن القرار يعد توجيهياً باعتباره صادراً من مجلس القضاء الأعلى لأنه يمثل جموع القضاة فى جميع محاكم ودوائر الجمهورية.
من جانبه، قال المستشار ياسر رفاعى، المحامى العام الأول لنيابات استئناف الإسكندرية، إن الهدف من القرار هو الحفاظ على هيبة القضاء ومنع المحاكمات، التى وصفها بـ«الموازية»، التى اعتادت الفضائيات نصبها، مما يضر باستقلال وهيبة وقدسية القضاء.
من ناحية أخرى، أكد عدد من خبراء القانون أن قرار منع وسائل الإعلام من بث أو تسجيل أو إذاعة وقائع المحاكمات بواسطة أى وسيلة إعلام جاء مطلقا وغير مفسر، فهو مخالف للدستور. وقالت الدكتورة فوزية عبدالستار، أستاذ القانون الجنائى بجامعة القاهرة: «تغطية وسائل الإعلام وقائع جلسات المحاكمات ضرورة من ضرورات المجتمع، لأنها تجعله على علم بما يحدث فيه من جرائم، وكيفية وقوع تلك الجرائم، كى يتجنب الناس الوقوع فيها، وأخذ الاحتياط من أساليب ارتكابها، وتلك هى رسالة وسائل الإعلام من وراء تلك التغطيات، فهى الوسيلة الوحيدة للقيام بهذا الدور فى المجتمع».
وأكدت «فوزية» ضرورة تعديل ذلك القرار بتقنين طريقة بث تلك الجلسات إعلامياً عن طريق نقل جميع وقائعها مع الاحتفاظ بأسماء المشاركين فيها من متهمين ووكلاء نيابة وقضاة، لحين صدور الأحكام النهائية فيها.
وقالت صفاء عبدالبديع، المحامية بالنقض والإدارية العليا، عضو اتحاد المحامين العرب، عضو مركز تحكيم جامعة عين شمس: «عدم السماح لوسائل الإعلام بنقل أو بث أو تسجيل أو إذاعة وقائع الجلسات يعتبر مخالفاً للدستور، الذى ينص على أن تكون الجلسات والأحكام علانية، بحضور الجمهور، سواء من أهالى المتهمين أو المعنيين بتلك القضايا، أو حتى عموم المواطنين، الراغبين فى متابعة أحداث القضايا لأى سبب من الأسباب».
وأضافت: «بعض القضايا المتداولة فى المحاكم تكون قضايا رأى عام، وبالتالى يكون منع وسائل الإعلام من متابعتها وتغطيتها به إعاقة وحجر لقيام تلك الوسائل بالدور المنوط بها تجاه المجتمع».