«شقى عمرنا بيضيع وورشنا ومصانعنا بتقفل، وبنسرح العمال ومحدش فى الحكومة حاسس بينا ولا بيفكر يساعدنا».. بهذه الكلمات بدأ صناع أوانى الألومنيوم بميت غمر سرد مأساتهم لـ«المصرى اليوم» بعدما ضاق بهم الحال وأصبحت صناعتهم مهددة بالانهيار بسبب الكساد الذى يضرب السوق منذ 5 سنوات، إلى جانب ارتفاع أسعار الخامات وملاحقات الضرائب والمحليات، ما دفع العديد منهم لإغلاق ورشهم واعتزال المهنة التى توارثوها عن آبائهم، ومعظمهم يعملون بها حيث توجد الورش أسفل المنازل أو فى مبان ملحقة بها.
ويتحسر عبدالخالق عبدالموجود، 40 سنة، على ورشته التى أغلقها بسبب الخسائر، ويقوم فيها بتشكيل الألومنيوم، قائلا: «كنت بشتغل عامل فى ورش الألومنيوم وأنا عمرى 12 سنة، ومن 6 سنين قمت ببيع قطعة أرض أنا وأخويا وقررنا نفتح ورشة خاصة بينا وشغلنا عندنا 20 عامل لكن اشتغلنا بدون رخصة لأن الوحدة المحلية ترفض ترخيص الورش لأنها داخل الكتلة السكنية مع أن الورش المرخصة موجودة داخل الكتلة السكنية».
ويضيف: «الحمد لله كنا بنشتغل وبنبيع لكل أنحاء الجمهورية وكنا بندفع الضرائب بانتظام رغم أن الورشة مش مرخصة لأن الدولة فاكرة دايما حقوقها لكن بتنسى حقوقنا إحنا وبتعقد لنا فى التراخيص وبعدين تحاسبنا لأننا لم نرخص لكن مع ذلك الحال كان كويس والرزق كتير».
ويتابع بحزن: «بعد ثورة يناير الدنيا نامت والسوق وقف وبقينا بنشتغل بنصف طاقتنا وسرحنا نصف العمال وبقى اليوم بيعدى بالعافية وفوجئنا بتزايد محاضر الأمن الصناعى، والكهرباء عايزة تحاسبنا على كامل طاقة الورشة، مع إن الورش كلها بتشتغل بنصف طاقتها بسبب الكساد».
وأضاف: «المحليات بتقولنا لازم نشخلل علشان نعدى يعنى ندفع رشاوى علشان نفضل نشتغل، فكنا بندفع شهرية لبتوع الضرايب والبيئة والقوى العاملة والكهرباء ولو رفضت يجيبوا لى غلق أو على الأقل محاضر الواحد فيها بعشرة آلاف جنيه ومافيش حد بيرحم والكل حاسس بالأزمة وللأسف تراكمت الديون علينا وأصبحنا لا نستطيع تحمل أجور العمال والضرائب والغرامات وما فيش بيع ولا شراء فى السوق كله، وفى النهاية قفلت الورشة وسرحت كل العمال وأصبحت أنا وأخويا بلا مصدر دخل لأننا لا نعرف حرفة غير صناعة الألومنيوم».
ويشير عبدالموجود لمعداته التى علاها الصدأ، قائلا: «خزنت العدة على أمل السوق تتصلح ونرجع نشتغل لكن العدة بتصدى وهتتباع خردة وبعد ما كنت صاحب ورشة دلوقتى بادور على شغل عامل فى أى ورشة علشان أقدر أصرف وأعيش أنا و3 أولاد، كلهم فى مراحل التعليم».
ويضيف أبومحمود، صاحب ورشة تم إغلاقها: «الحكومة طلعت قرارات غلق لأكثر من 100 ورشة بحجة أنها بدون ترخيص مع إن 70% من الورش غير مرخصة لأنها داخل الكتلة السكنية وبدل ما نساعد البلد إنها تشتغل وتتعامل معاملة المناطق الصناعية الأخرى نجد الحكومة نفسها بتحاربنا وللأسف بسبب القرارات دى خلال 3 شهور تم إغلاق أكثر من 50 ورشة وتم تسريح نحو 1000 عامل وتشريد أسرهم واشتكينا لطوب الأرض لكن للأسف لا حياة لمن تنادى».
ويؤكد عبدالرحمن الشهاوى، رئيس مجلس مدينة ميت غمر، أن المدينة يوجد بها نحو 950 مصنعا وورشة تعمل فى صناعة الألومنيوم بدءا من الصهر حتى تشكيل الأوانى، فى حين يؤكد أصحاب المصانع أن عددها يتعدى 2500 ورشة ومصنع معظمها غير مرخص بسبب تعقيدات التراخيص ومخالفة اشتراطات البيئة ووجودها داخل الكتل السكنية وتضم تلك المصانع ـ حسب قول أصحابها- نحو 150 ألف عامل.
ويشكو عبده حطبة، صاحب مصنع لصهر الألومنيوم، من الضرائب الجزافية رغم ضعف الإنتاج وركود السوق ومحاضر البيئة والكهرباء قائلا: «الضرائب الجزافية بتهددنا بالسجن، فالورشة لا تتعدى قيمتها 100 ألف جنيه والضرائب رابطة عليها ملايين رغم إننا بنشتغل منذ سنوات بنصف طاقتنا وسرحنا 50% من العمال اللى عندنا».
ويوضح: «الضرائب تحصل ضريبة على كل مراحل الصناعة بلا رحمة بالإضافة لمحاضر الكهرباء التى تحاسبنا بكامل طاقتنا فى المعدات والآلات رغم أن نصفها متوقف عن العمل وكذلك البيئة تحرر ضد مصانع الصهر محاضر بيئية بسبب عدم استخدام الغاز، والحكومة خصصت لكل ورشة مرخصة حصة من أنابيب الغاز التجارية والأمن الصناعى، وتحرر ضدنا المحاضر لأن الأنابيب من وجهة نظرهم غير آمنة فماذا نفعل؟».
ويضيف: «كان يجب على الدولة أن تدخل الغاز لمدينة ميت غمر لأنها مدينة صناعية وتعتمد على الغاز فى الصناعة بدلا من أن تخصص حصة أنابيب وتخسر فى كل أنبوبة 100 جنيه فرق سعر الدعم، كما أن هذه الأنابيب بها خطورة كبيرة على العمال والمصنع والعام الماضى توفى 5 عمال بمصنع بقرية دقادوس واحترق المصنع بالكامل».
ويؤكد ابنه بهاء عبده حطبة 30 سنة ويعمل مع والده بنفس المصنع: «ميت غمر البلد الوحيد الذى لا يهاجر أبناؤه ولا يسافر إلى الخارج إلا القليل منهم بسبب وجود فرص عمل كثيرة بمصانع الألومنيوم، فنحن نرث المهنة أبا عن جد ويجب أن تتحرك الحكومة حتى لا يهجر الشباب الصناعة ويهجرون البلد أيضا، وكذلك يجب توفيق أوضاع الورش غير المرخصة وإعطاء فرصة للورش التى صدر لها قرارات غلق وفتح أسواق جديدة وفتح التصدير أمام الألومنيوم، لأنه مطلوب كثيرا، خاصة فى دول أفريقيا».
يتابع: «لازم الدولة تبص لنا بعين الرأفة يعنى الحكومة بتيسر على المستثمرين الأجانب وأصحاب الصناعات الوطنية تطاردهم وتطفشهم، إحنا أسهل لنا أن نغلق المصانع ونبنى مكانها أبراج ونعيش مستريحين لكن الصناعة دى ورثناها وفاتحة بيوت ناس كتير ولو المصنع اتقفل العمال هتتشرد وبيوت كتير هتتخرب».
قال محمود راغب الدهتورى، رئيس نقابة الألمونيوم بالدقهلية، إن الصناعة تنهار والعمال يشردون والدولة لا تتحرك لإنقاذها، لأن وزارة الصناعة «عاملة ودن من طين وودن من عجين». المزيد
«أطفال الألومنيوم» وجوه بريئة يكسوها غبار أسود لا يظهر منها سوى عينين، بعدما فقدت الأمل فى مستقبل أفضل حيث يجبر عدد كبير من الأهالى أبناءهم على ترك الدراسة للعمل بالورش إما للمساعدة فى مصاريف البيت أو لتعلم الصنعة رغم مخالفة ذلك للقانون. المزيد
تمر صناعة الأوانى الألومنيوم بعدة مراحل قبل أن تخرج للسوق، حيث تبدأ من خردة الألمونيوم وصهرها وتحويلها إلى سبائك ثم تدخل عملية تسمى «الدرفلة» وهى عملية فرد الألمونيوم وتحويله إلى ألواح يسهل استخدامها، وتتم هاتان المرحلتان فى مسابك ثم يتم تشكيل الألواح إلى أوانٍ مختلفة بورش مخصصة للتشكيل، وتلميع الأوانى وتغليفها ثم عرضها فى السوق، حيث تتكامل الورش وتتخصص كل مجموعة فى مرحلة من مراحل التصنيع. المزيد
يتعرض عمال الألومنيوم لمخاطر صحية عديدة لعدم اتباع أى وسائل أمان أو حماية، منها التعرض المستمر ولمدد طويلة للغبار الناتج من تلميع الألومنيوم، حيث إن به شوائب تضر الرئة، إلى جانب التعرض لدرجة حرارة تزيد على 80 درجة مئوية طوال ساعات العمل يقضيها العمال فى الصهر بالأفران الخاصة، بالإضافة لمخاطر بتر الأصابع على ماكينات الدرفلة والسحب، والحرائق الناجمة عن انفجار أسطوانات الغاز، ما تسبب فى وفاة وتفحم 5 عمال العام الماضى. المزيد