«الحال لا يسر عدو ولا حبيب».. عبارة لخص بها مسرحيون، ومخرجون، وكتاب حال الثقافة، والفن المسرحى، بالإسكندرية، ما آلت إليه مدينة الثغر، التى كانت رائدة فى مجال الثقافة المسرحية، والفن المسرحى منذ الستينيات والسبعينيات من القرن الماضى.
الإسكندرية التى شهدت ميلاد أول استديو للسينما، وأول تصوير سينمائى، وظلت سنوات كثيرة، ينظر إليها على أنها رائدة الفن المسرحى، يصل بها الحال، إلى أن يتحول معظم مسارحها، بـ«فعل الإغلاق القسرى»، إلى مقاهٍ وجراجات.
المثقفون والمخرجون والمسرحيون من أبناء المدينة، شنوا هجوماً ضارياً، على وضع الثقافة، وما آلت إليه مسارح، ونوادى المسرح ودور العرض السينمائى، سواء الرسمية، أو الخاصة، أو التابعة لوزارة الثقافة، والبيت الفنى للمسرح، مشيرين إلى أن معظمها تحولت إلى صالات أفراح، ومقاه وكافيتريات وجراجات للسيارات، فضلاً عن استبدال بعضها بعمارات شاهقة، مطالبين وزارة الثقافة بوضع خطة استراتيجية عاجلة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
الإسكندرية يوجد بها عدة مسارح، ومراكز ثقافية منها مسرح شيد فى عام 1918 وهو مسرح زيزينيا، وكان يطلق عليه (تياترو محمد على)، وتسمى دار أوبرا الإسكندرية حالياً باسم فنان الإسكندرية «سيد درويش» اعتباراً من عام 1962 ومسرح محمد عبدالوهاب ومسرح السلام ومسرح الليسيه ومسرح لونا بارك، فضلاً عن دور سينما مثل «ريالتو» و«ريو» و«أمير» و«مترو الإسكندرية» و«فريال» (سميت على اسم ابنة فاروق ملك مصر السابق)، ودور سينما «راديو» و«ستراند» وأسستهما شركات أوروبية فى الثلاثينيات، بالإضافة إلى عدد كبير من دور السينما حديثة الإنشاء والتى تملكها شركات مصرية متخصصة فى مجال الإنتاج السينمائى والاتصالات ومنها عدد أنشئ فى مراكز التسوق الحديثة.
الشاعر جابر بسيونى، عضو المجلس الأعلى للثقافة، وعضو اتحاد كتاب مصر، وصف ما وصلت إليه الثقافة الجماهيرية بالإسكندرية من عدم وجود مسارح، وأماكن رسمية لممارسة الأنشطة الثقافية بالوضع الذى لا يليق بمثقفيها ومواطنيها، مؤكدا أن ما حدث لم يكن وليد اليوم وإنما نتاج تراكم سنوات طويلة من الإهمال وعدم التدخل لإنقاذ الثقافة الجماهيرية فى الإسكندرية، وإهمال المسؤولين لإدراك أسبابها وكيفية علاجها.
«بسيونى» أوضح أنه عندما نقول إن الإسكندرية بها حوالى 14 قصرا وبيتا ومركزا ثقافيا تابعة لوزارة الثقافة وتجد أن قصر ثقافة الأنفوشى الذى يضم مسرحين «علوى وسفلى» مغلق لأعمال الترميم والتطوير منذ أكثر من 8 سنوات كاملة، ما أفقد نوادى المسرح الرسمية مكانا مهما، وعندما نجد أن مركز الحرية «إسكندرية للإبداع» الموجود فى شارع فؤاد أصبح يحتوى على مسرح من الممكن أن يسد فراغاً كبيراً إلا أنه لم يستغل الاستغلال الجيد المدروس حتى الآن، وإن كان يقدم بعض العروض لكن لا ترقى إلى المأمول، بالإضافة إلى أن مسرح بيرم التونسى التابع للبيت الفنى للمسرح لا يستغل الاستغلال الرشيد الذى يخدم النشاط الثقافى والمسرحى حتى الآن.
وأضاف: «مسرح ليسيه الحرية على الرغم من كونه يقع فى مكان حيوى إلا أنه لم يقم بالأنشطة الثقافية بالشكل المطلوب فضلاً عن غلق أغلب أماكن المسرح الخاصة التى تحولت إلى كافيتريات ومقاه مثل مسرح إسماعيل يس وعبدالمنعم جابر وشهر زاد بمحطة الرمل، ومسرح أرض العبد بالإبراهيمية الذى تم هدمه ومسرح كوته المجاور لأكبر مركز إشعاع ثقافى فى العالم وهو مكتبة الإسكندرية، إلا أنه مغلق، فضلاً عن دور السينما التى كان من الممكن أن تتحول إلى مسارح إلا أنها أصبحت عبارة عن جراجات للسيارات وعمارات شاهقة مثل سينما محرم بك والتى أصبحت عمارات سكنية وسينما الجمهورية بمنطقة كرموز وتحولت إلى صالة أفراح وسينما بلازا التى تم إغلاقها وسينما رمسيس وتحولت إلى قاعة أفراح.
وانتقد بسيونى دور الدولة المتراخى فى العمل على سد الفجوة التى خلفتها تلك المسارح ودور السينما الخاصة، خاصة أنه لا يوجد أماكن سوى أوبرا سيد درويش ومحظور تقديم عروض فنية ومسرحية على مسرحها إلا فى أوقات معينة.
وطالب بسيونى وزارة الثقافة بوضع خطة استراتيجية عاجلة ومدروسة، تتضمن أهمية الأماكن التى كانت تقدم أنشطة ثقافية فى الإسكندرية لتطويرها وإعادة صياغتها من جديد، والانتهاء فى أسرع وقت ممكن من أعمال الترميم والتطوير الجارية لقصر ثقافة الأنفوشى، خاصة أنه مغلق منذ 8 سنوات، وتوسعة مسرح مركز إسكندرية للإبداع والاستعانة بمسرح بيرم التونسى بشكل موسع، وكذا الاستعانة بمخطط الفنان على الجندى مدير فرقة الإسكندرية للفنون الشعبية لتطوير وتوسعة مسرح عبدالوهاب والتابع لقطاع الفنون الشعبية، وذلك وقتما كان مديراً للمسرح وذلك لتلبية احتياجات المسرح فى الإسكندرية.
وأضاف أن الإسكندرية تفتقد إلى وجود مسرح رسمى متاح للعروض بجانب مسرح سيد درويش، مشيراً إلى انعدام الفكر الإدارى المؤسسى المستقبلى، ولابد من وضع خطة طويلة المدى لرسم سياسات الثقافة الجماهيرية والفن المسرحى فى الإسكندرية بوجه خاص.
وطالب مسؤولى الوزارة والمسارح فى الإسكندرية بعقد جلسات إدارية، للوقوف على مشاكل المسارح، لتطوير وإنشاء مسارح جديدة وتزويد الكثافات التعاملية أكثر من المتاح حاليا من خلال إدارة لديها فكر مستقبلى مؤسسى ليضع حلولاً.
إيهاب مبروك مدير فرقة مسرح الإسكندرية ومدير مسرح ليسيه الحرية التابع للبيت الفنى للمسرح، قال إن الإسكندرية يوجد بها 3 مسارح تابعة للبيت الفنى للمسرح هى مسارح «السلام الصغير» و«بيرم التونسى» و«الليسيه»، مشيراً إلى أن هذه المسارح تعمل بكامل طاقتها وتقوم بعرض بعض المسرحيات عليها، لافتاً إلى أن هناك تعليمات مشددة من الفنان فتوح أحمد رئيس البيت الفنى للمسرح بعدم توقف العروض على هذه المسارح، خاصة أن الجمهور فى حاجة إلى توعية ثقافية، بالإضافة إلى الاهتمام بالأطفال من خلال عرض مسرحيات تخاطب أعمارهم مثل مسرحية «رحلة سنوحى».
وأوضح مبروك أن المسارح التابعة للبيت الفنى للمسرح تقدم ثقافة وتوعية للشباب السكندرى، فضلاً عن تشغيل الخريجين من المعهد العالى للفنون المسرحية وقسم المسرح بكلية الآداب فى جامعة الإسكندرية.
وأضاف مبروك أن الإسكندرية فى حاجة إلى نحو 40 مسرحا جديدا، بحيث يتم إنشاء مسرح لكل حى سكنى خاصة أن المسرح هو ثقافة الشعوب، لكن الظروف الاقتصادية للبلاد تحول دون إنشاء هذا العدد من المسارح والنوادى والمراكز الفنية والثقافية.
وأوضح أنه على الرغم من أن المسارح التابعة للبيت الفنى للمسرح بالإسكندرية عددها ضئيل إلا أنها تحقق إيرادات كبيرة وصلت خلال شهر أغسطس الماضى مثلاً إلى 455 ألف جنيه من خلال العروض الفنية المقدمة بها. مشيراً إلى أن مسرح بيرم التونسى حقق إيرادات 400 ألف جنيه من خلال عرض مسرحية «غيبوبة» للفنان أحمد بدير فيما حقق مسرح ليسيه الحرية إيرادات 35 ألف جنيه من خلال عرض مسرحية «أراجوز دنيا الأحلام» وأن مسرح «السلام الصغير» حقق إيرادات 20 ألف جنيه من خلال عرض مسرحية رحلة سنوحى للأطفال وهو مسرح صيفى.
من جهته قال هانى حسن، وكيل وزارة الثقافة فى الإسكندرية إن المحافظة بها 13 قصرا وبيتا ومركزا ومكانا ثقافيا تابعة للوزارة مشيراً إلى أن جميع القصور الثقافية والبيوت وأبرزها قصر ثقافة الشاطبى وبرج العرب تعمل دون انقطاع ما عدا قصر ثقافة الأنفوشى والذى يخضع لأعمال ترميم وتطوير شاملة وقصر مصطفى كامل والذى سيدخل أعمال ترميم شاملة له من خلال جهة سيادية.
وأوضح حسن أن قصر الأنفوشى تم الانتهاء من معظم أعمال الترميم به وسيتم تسليمه خلال شهر على الأكثر على أن يدخل الخدمة مع القصور والبيوت الثقافية الأخرى خاصة أنه يتم استغلاله حالياً فى عمل بروفات للفرق المسرحية الفنية.
أما محمد عصام الدين، مسرحى سكندرى فقال: بدأ شغفى بالمسرح منذ الطفولة وصدمت بواقع المسرح العربى بشكل عام والمصرى على الخصوص، والسكندرى بالأخص حيث إن مسرحيى مصر يصنفون الإسكندرية إقليماً ثقافياً للأسف الشديد وتلك هى المشكلة الخاصة الأولى، والثانية تتلخص فى عدم العمل بآليات الثقافة الجماهيرية ناهيكم عن تعسف شروط الدراسة الأكاديمية، على الأقل اقتصادياً للموهوبين غير القادرين.
وتطرق عصام الدين إلى مشكلات الفن المسرحى فى الإسكندرية قائلاً: إن الأزمة الحقيقية هى مشكلة الثقافة العربية برمتها مشيراً إلى أن تجربته المسرحية، هى تجربة كتابية فى أولها وانتقل إلى الإخراج عاملاً بمسرح الطفل ضمن مؤسسات المجتمع المدنى، ثم مسرح الشارع، وقدم مسرحاً شعرياً، وغنائياً.
ولفت إلى أن أكبر المشكلات التى كانت تواجه فرقته المسرحية هى عدم اكتمال معظم التجارب المسرحية فلا نجد مسرحاً للتدريب، وبالتبعية للعرض.
ورداً على سؤال حول عدم الاتجاه إلى قصور الثقافة والمهرجانات المسرحية قال نحن نريد مسرحاً للجمهور ومسرحاً للشعب وليس مسرحاً لا يراه سوى المسرحيين، نريد مسرحاً يحكم عليه جمهور حقيقى وليس نقاداً مسرحيين، فنحن جيل بلا نقاد مستطرداً: «أعطنى مسرحاً، أُعطيك شعباً».
وطالب عصام الدين بوقف الفساد والمحسوبية والوساطة فى المؤسسات الثقافية وطالب بإعطاء كل ذى حق حقه مشدداً على ضرورة وقف ما سماه «الإسفاف الأدبى وأفلام دويلة البلطجة الناشئة» مشيرا إلى أنه لو تحقق ذلك سنجد المسرحيين من كل صوب يهرعون ويبنون شعباً واعياً، يحييون تراثهم من المعرى إلى الحكيم، ولا يهربون إلى المسرح العبثى والتجريب غير الناضج، والتقليد الأعمى.
واختتم تصريحاته بقوله: أعتبر نفسى مسرحياً وأشرف بكونى سكندرياً وأعشق كونى مصرياً عربياً، نريد أن نُحيى ثقافتنا، حتى لا نندثر ونختفى خلف أطنان وأطنان من الجهل والفقر والتأخر فالمسرح للبسطاء وللطفل ولكل البشر.
أما إسلام عبد الشفيع ممثل مسرحى وفنان فى البيت الفنى للمسرح فقال إن الأزمة كلها فى أن المسارح أصبحت غير موجودة فى الإسكندرية والتى تعد أهم الأسباب الرئيسية التى تجعل المسرح غير متواجد فى الإسكندرية على الإطلاق خاصة بالشكل المطلوب والذى يصبو إليه السكندريون أنفسهم وجمهورها خاصة أن هناك مسارح كثيرة موجودة ومملوكة للقطاع الخاص.
وأشار إلى أن ما تملكه الدولة من مسارح قطاع عام فى الإسكندرية هو مسرح بيرم التونسى ومسرح ليسيه الحرية المؤجر من المدرسة وليس ملكا للبيت الفنى للمسرح وكذا مسرح سيد درويش الذى حصلت عليه الأوبرا ولم يعد تابعا للبيت الفنى وأصبح تابعا لوزارة الثقافة ممثلة فى دار الأوبرا المصرية وبذلك أصبح للدولة مسرحان فقط فى الإسكندرية.
وأضاف عبدالشفيع – فى تصريحات لـ«المصرى اليوم» – أنه بالنسبة لمسارح القطاع الخاص مثل مسرح العبد وإسماعيل ياسين وكوتة فجميعها تم هدمها وتحولت إلى أرض مهجورة ومكان مهمل مثل أرض كوتة وهو تابع للمحافظة ومع ذلك تم إيقافه ويجب على المحافظة منحه للبيت الفنى للمسرح لإعادة إحيائه من جديد لإحياء الفن المسرحى الذى يعد نوعاً مهماً من ألوان الثقافة التى تساعد على تثقيف الشاب وتوعيتهم وهى القوة الناعمة فى مصر وفى يدها الكثير ولابد أن تحظى باهتمام المحافظة والمجلس الشعبى وفرع الثقافة والأحياء.
وقال إن الحل فى عودة ريادة الإسكندرية إليها من جديد ينبغى أن يكون هناك تعاون مع الجهات المعنية، ومنظمات المجتمع المدنى ووزارة الثقافة، والمحافظة لدعم القصور والمسارح والاهتمام بها وإنشاء مسارح جديدة.
وقالت مريم الصيرفى ممثلة مسرحية بالإسكندرية إن أزمة المسرح فى عدم إتاحته للمسرحيين الشباب نتيجة الاشتراطات والموافقات المعقدة، ما يضطرنا إلى اللجوء لعمل البروفات والعروض الشخصية خارج المسارح المملوكة للدولة، ما يحملهم أعباء مالية إضافية أكثر بكثير من أجورهم التى يحصلون عليها من هذه الأعمال المقدمة، ما يخلق أزمة لديهم.
وأضافت أنه للأسف الشديد فإن المسارح أصبحت تدار بشكل عبثى فضلاً عن العروض السيئة التى تقدم على هذه المسارح مطالبة بزيادة عدد المسارح نظراً لكون المتاح غير كاف بالمرة لتلبية احتياجات المسرحيين.
أما المخرج على الجندى مدير مسرح عبد الوهاب السابق ومدير فرقة إسكندرية للفنون الشعبية فقال إن ملف المسارح فى الإسكندرية مؤلم خاصة أن المحافظة تعرضت لما سماه «احتلال ثقافى وتواطؤ من قبل المسؤولين عنها».
وأوضح الجندى أن الإسكندرية ليست إقليما حتى يتم التعامل معها ثقافياً بهذه الطريقة فهى مدينة تحتاج إلى وزارة ثقافة لأن الملف ضخم.
ووصف حال الثقافة الجماهيرية فى الإسكندرية بـ«المنحط» مشيرا إلى أنه يخوض معركة منذ سنوات من أجل تدشين مشروع للثقافة الوطنية، لافتاً إلى أن جميع مؤسسات الإسكندرية الثقافية «اتنهبت» فالبيت الفنى للمسرح استولى على مسرح بيرم التونسى وقطاع الفنون التشكيلية استولى على مسرح كلية الفنون الجميلة بجامعة الإسكندرية وصندوق التنمية استولى على قصر الإبداع فى حين تجد فرقة الفنون الشعبية بلا مقر ولا ميزانية منذ 4 سنوات.
واشترط الجندى لعودة الإسكندرية لعصر الريادة من جديد استقلالها ثقافياً فى الجزء الإدراى من خلال تشكيل مجلس ثقافة ليس من بينه موظف يتبع وزارة الثقافة لأن الانتماء يكون لمن يعطى الحوافز والمرتبات وليس للفن ويكون دور الوزارة إنتاج الأعمال والدعم فقط، وعمل مشروع ثقافى قومى يضع أسسا وخططا للفن المسرحى وتشكيل مجلس ثقافى مستقل.