كم وددت لو أن النائب سرى صيام قد تراجع عن الاستقالة.. كم وددت لو أنه أصغى لنصيحة مخلصة من المستشارين أحمد الزند وزير العدل، ومجدى العجاتى، وزير المجالس النيابية.. فمازلت أعتقد أن اختياره كان تكليفاً بمهمة وطنية تستدعيها الضرورة.. لكنه أصرّ وآثر الانسحاب للأسف.. وهو فى تقدير كثيرين، وأنا منهم، نوع من الهروب من الخدمة الوطنية.. حسب تعبير «العسكريين»!
بالأمس، وافق المجلس على قبول الاستقالة، وأخطر الدكتور على عبدالعال الرئيس السيسى بالقرار، واعتبار مقعد سرى صيام شاغراً.. أى أن الرئيس من حقه أن يعين نائباً آخر بدرجة جندى.. لا ينسحب من الخدمة، ولا يهرب منها تحت أى ظرف.. وقد كان هذا هو المنوط بسرى صيام.. لكن على ما يبدو أنه دخل البرلمان، وعنده رغبة فى رئاسة المجلس، فلما حدث شىء مغاير، بيّت الاستقالة وسعى إليها!
الآن، أريد أن أقول إن التلويح بالاستقالة حق مارسه الرجل.. لكن المواقف لا تؤخذ لذاتها أبداً.. فمثلاً قد يلوّح نائب بالاستقالة، ليقول إن ما جرى فيه إهدار لقيمة ما، فإذا انتبه المجلس عاد فى الاستقالة.. العودة هنا لا تعنى أنه يبحث عن «مصلحة».. إنما هى السياسة.. وسرى صيام فى المجلس سياسى، وليس قاضياً على منصة القضاء.. ويجوز له أن يستخدم من الأوراق ما يريد، دون أن ينال ذلك منه بأى حال!
استبشرنا خيراً، حين حضر سرى صيام خطاب الرئيس، فقد التف حوله النواب، وكان ذلك يكفى جداً.. فقد كانت رسالة معنوية لها دلالتها، وأظن أن «عبدالعال» استوعب احتجاجه، كما أن «الزند» و«العجاتى» قد أكدا أنه سوف يكون بين النواب بعد ذلك.. وكل ذلك كان يكفى.. لكننى لا أجد تفسيراً لإصراره على الاستقالة، إلا إذا كانت هناك أمور لا نعرفها، وأن سرى صيام وحده أدرى بها، ما دفعه للاستقالة نهائياً!
الاحتجاج مطلوب.. ولكن الاحتجاج ليس غاية فى ذاته.. الحروب أيضاً ليست غاية فى ذاتها.. هناك جزء ينتهى بالتفاوض.. والبرلمان هو أصل السياسة والتفاوض.. ولو عاد «سرى» لكانت القاعة قد صفقت له بكل حرارة.. ليس لأن المجلس سوف يقع إذا استقال، ولكن النواب لا يريدون أن تكون البداية الدخول فى الحيط.. من هنا كانت الصدمة، وكان رد الفعل الغاضب، واتهام «سرى» بالتعالى على البرلمان!
هل كان سرى صيام يريد أن يكون هناك إيحاء من الرئاسة للمجلس، باختياره رئيساً للبرلمان؟.. هل كان يريد أن يكون هناك إيحاء لكتلة «فى حب مصر» بهذا المعنى؟.. هل كان يريد أن تتدخل الدولة، على الطريقة القديمة، باحتواء المشاغبين؟.. ماذا كان يريد سرى صيام بالضبط؟.. هل وجوده فى لائحة المجلس كان يبقيه نائباً مثلاً.. أم أنه لا يتخيل أن يكون «عبدالعال» فوق المنصة وهو فى صفوف النواب؟!
لعل من أهم ما تتمتع به مؤسسة الرئاسة أنها «لا تتدخل».. فلا تدخلت فى مجلس النواب، لفرض سرى صيام.. ولا تدخلت فى المجلس القومى للمرأة، لفرض عزة هيكل.. كلاهما معين بقرار جمهورى.. ظن البعض أنهما مدعومان من الرئاسة.. وللأسف كلاهما استقال.. فلم تكن مناورة ولا رسالة.. ولكن كانت هروباً من الخدمة!