أعلنت جماعة الإخوان في تونس، والمتمثلة في حركة النهضة تأجيل مؤتمرها العاشر مرة أخرى، في ظل أنباء عن خلافات وانقسامات تكاد تعصف بالجماعة من الداخل، على غرار ما شهدته الجماعة في مصر والأردن على حد سواء.
وقالت حركة النهضة في بيان لها بعد انعقاد مجلس شورى الحركة إنّ التأخير يرجع إلى الرغبة في تحقيق مزيد من الإحكام لعمليّة إعداد لوائح المؤتمر، الذي يؤّكد كلّ أعضاء الحركة في تصريحاتهم أنّه سينعقد قبل نهاية الشهر القادم.
ولئن بدت أسباب تأجيل مؤتمر الحركة لوجيستية فانّ كلّ المراقبين يجمعون على أنّ المؤتمر العاشر لحركة النهضة التونسيّة، ذات المرجعيّة الإسلاميّة، سيكون من أهم المؤتمرات في تاريخ هذه الحركة التي تكوّنت في فترة الستينات، وأنّ أسباب التأجيل المتكرّر أعمق من ذلك.
ويرى البعض أنّ الحركة التي تضمّ تيّارات مختلفة أبرزها تيّار «المهجر» (وهو الجيل الذي فضل الهروب من تونس خلال سنوات التضييق والمتابعة وعاش بالمهجر، ومن بينهم راشد الغنوشي، زعيم الحركة)، وتيّار«السجون» (الذي يضم القيادات التي حوكمت وقضت سنوات طويلة بالسجن في تونس، ومن بينها على العريض، الأمين العام للحركة ورئيس الحكومة في عهد حكم النهضة)، تتقاذفها الخلافات والانشقاقات حول نقاط أساسيّة قد تقسم الحركة وتعصف بها وتضعفها، وهي التي تحرص على أن تبدو متجانسة ومنضبطة لقرارات هياكلها.
ويرجع البعض الآخر هذا التأخير إلى الظروف التي تمرّ بها البلاد، فالمشهد السياسي التونسي«مهتزّ» وغلب عليه انقسام أكبر الأحزاب، وفي مقدّمتها حزب «نداء تونس» الحاكم، وهو وضع قد يدفع «إخوان تونس» للتريّث مخافة الإصابة بإنفلونزا «الانشقاق»، وانتظار ما ستؤول إليه موازين القوى في الساحة السياسيّة التونسيّة.
المرجعيّة الإسلاميّة
من بين كل الأحزاب والتيّارات السياسيّة ذات المرجعية الإسلاميّة، وحدها حركة النهضة التونسيّة نجحت في الصمود في وجه المناهضين للإسلام السياسي، وبقيت في الحكم رغم الغضب الشعبي الذي عصف بكلّ الدول العربيّة التي مّر بها «الربيع العربي» وحكمها الإخوان.
وضمنت النهضة المرتبة الثانية في الانتخابات البرلمانيّة التي نظّمت في تونس بعد أن تمّ استبعادها من الحكم اثر موجة من الاحتجاجات الشعبيّة عقب اغتيالات استهدفت شخصيّات سياسيّة يساريّة عرفت بانتقادها الشديد للاسلامين.
وتعدّ المرجعيّة الدينيّة للحركة واحدة من أبرز النقاط الخلافيّة داخلها، إذ يتبنّى إخوان تونس مرجعيّة دينية مارسوا نشاطهم وفقا لها منذ الستيّنات وهو ما جعلها في صراع متواصل مع نظامي الرئيسين التونسيين السابقين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن على.
غير أنّ حركة الرفض الشعبي للإسلام السياسي في تونس بعد وصول النهضة للحكم في أول انتخابات بعد ثورة يناير2011 عقب اغتيالات سياسيّة استهدفت القياديين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، والتي تزامنت مع تحوّلات سياسيّة كبيرة عصفت بكل المنطقة العربيّة، وأبرزها الإطاحة بنظام الإخوان في مصر، دفعت الحركة إلى الشروع في التبرؤ من هذه المرجعيّة، فسارعت كلّ قياداتها للتأكيد على أنّها حركة مدنيّة، بل إنّها صوتت على دستور يناير ٢٠١٤ دون تردّد.
غير أنّ هذا التغيير الظاهري لا يزال محلّ تشكيك من خصومها، وينتظر أن يكون مؤتمر النهضة العاشر «المؤتمر البرهان» على أنّ الحركة قامت بعمليّة مراجعة لنصوصها التأسيسيّة، وأنّها تحولت من حركة دينيّة إلى حزب سياسي مدني، وهي نقطة خلافيّة تلاقي معارضة من فصيل المتشدّدين «الصقور»، (ويضم قيادات بارزة في الحركة متشددة في أفكارها)، والذي يرفض هذا المسار، ويعتقد أنه سيتسبّب في خسارة الحركة لجزء من مناصريها ممن انفضوا من حولها والتحقوا بأحزاب أخرى أكثر تشددا عقائديّا. ويعي الصقور جيّدا أهميّة تأثير هذه المرجعيّة في مجتمع مسلم محافظ، بينما يتمسك فصيل المنفتحين أو كما يسميه البعض «شق الحمائم» بضرورة التغيير ومواكبة ما يحدث في البلاد ومراجعة الذات والاستفادة من أخطاء الماضي.
ويقول المراقبون إنّ هذه واحدة من أبرز النقاط التي قد تعصف بمستقبل الحركة والإسلام السياسي في تونس، إذا لم يتم حسمها قبل إعلان ساعة الصفر للمؤتمر العاشر.
ويظل راشد الغنوشي هو بطل المشهد الإخواني في تونس، فهو ذلك الشيخ السبعيني الذي أثبت أنّه صاحب حنكة سياسيّة كبيرة جعلته يجنّب حركته، التي كان أحد أبرز مؤسسيها، أزمات كادت أن تعيد قياداتها إلى غياهب السجون.
الغنوشي الذي التقى الشيخ الثاني للبلاد ورئيسها الحالي الباجي قائد السبسي ذات يوم في ضاحية باريس ووقعا معاهدة الصلح، يرى كثيرون أنّه أحد النقاط الخلافيّة داخل كواليس الحركة الحريصة على ألا تغادر خلافاتها «الغرف المغلقة».
يوصف الغنوشي بأنّه العقل المدبّر للحركة وهو المهندس والمصمم لصورتها الجديدة، صورة الحزب المدني السياسي المحافظ والمؤمن بقيم الجمهوريّة المدنيّة، سواء كان عن قناعة أو عن غير قناعة. وكونه صاحب الكلمة الفصل أمر قد لا يعجب البعض من القيادات المخضرمة، وحتّى الشابّة، التي ترى أنّه «الشجرة التي حجبت الغابة».
وفي مؤتمرها القادم ستطرح على طاولة النقاش مسألة «صلاحيات رئيس الحركة» والسعي إلى الحدّ منها، مما يثير التساؤلات حول ما إذا سيكون المسؤول عن اختيار أعضاء المكتب التنفيذي (مجلس الشورى حاليّا) أم أنّ المهمة سيتعهد بها مجلس الشورى (تسمية تحمل بعدا دينيا)، والذي قد تتغيّر تسميته بعد المؤتمر القادم ويصبح مجلسا وطنيا على غرار كل الأحزاب السياسيّة المدنيّة.
صراعات حادّة يعيش على وقعها «إخوان تونس» لا تجد طريقها للعلن، و«لاءات» عديدة ترفعها الأجنحة المتصارعة قبل الساعة صفر للمؤتمر القادم، والذي تزداد التوقعات بأن جماعة الإخوان في تونس لن تخرج منه سالمة آمنة.