فى قرية الوفاء بالعامرية، التابعة لمحافظة الإسكندرية يعانى المئات من المزارعين من تحول مساحات كبيرة من أراضيهم إلى صحراء، بسبب نقص مياه الرى مما ترتب عليه تدمير الزراعات، وموت الأشجار «واقفة»، بحد وصف المزارعين، وتلف المحاصيل قبل حصادها، واضطر أصحاب أراضى «المركز الدولى» بالقرية، إلى استخدام مياه الصرف الزراعى فى رى أراضيهم، وكانت النتيجة تدمير الزراعات التى يتم ريها بهذه المياه، بينما حدث «بوار» لمساحات كبيرة من الأراضى، لعدم وصول المياه إليها، مما شكل تهديداً لمئات الأسر، التى تعتمد على الزراعة فى سد احتياجاتهم اليومية، فضلاً عن انعدام الكهرباء فى عدد من المنازل واعتماد الأهالى فيها على «لمبات الجاز».
قال السيد عبدالمنعم، مزارع، إن أراضيهم لا تصل إليها المياه منذ 12 عاماً، ويعتمدون على مياه الصرف الزراعى فى الرى، مشيراً إلى أنهم تقدموا بعدد من الشكاوى لمسؤولى الرى ووزارة الزارعة، حتى يتم توصيل مياه صالحة للرى إلا أنه لم يتم حل المشكلة إلى الآن.
وأضاف أنه عندما قام بتجميع تكلفة عمل «ماسورة» للرى بالمجهود الذاتى من المزارعين، للحفاظ على المحاصيل التى لا يتمكنون من بيعها بسبب تلفها، فوجئوا، وفق قوله، بقيام مسؤولى الصرف بتكسيرها بحجة عدم قانونيتها ومخالفتهم قواعد عمل المواسير اللازمة للرى، والتى يجب أن تشرف عليها أجهزة الرى المسؤولة، لافتاً إلى أنهم لم يكتفوا بتكسير المواسير فقط، لكنهم قامو بأعمال «تخريب»، على حد وصفه، لكل ما يساهم فى رى الأراضى، مثل الأحواض التى تجمع المياه باستخدام ماكينات الرى، والفتحات الخاصة بتوصيل المياه.
وأوضح أن المزارعين ليست لديهم القدرة على عمل المواسير اللازمة، والتى تحتاج آلاف الجنيهات لإعادة بناء ما قام مسؤولى الصرف بهدمه، مشيراً إلى أن عدداً كبيراً منهم فقد مصدر رزقه، بسبب عدم وصول المياه إلى أراضيهم . وأكد سعد عبدالرحمن رمضان، مزارع بالمعاش، أن المأساة بدأت لكل العاملين السابقين بالمركز الدولى للتدريب والتنمية، الذين تسلموا مساحات من الأراضى الجديدة بمنطقة «علم المرقب» مقابل ترك الخدمة، وفقا للقرار الوزارى رقم 1432 لسنة 1991، حيث قام المركز بتسليم عدد من العاملين مساحات من الأراضى لزراعتها، مشيراً إلى أنهم قاموا بتسلم الأراضى الزراعية فى يناير 1996، وكانت محطة المياه معطلة وقتها، ولم يتم إصلاحها حتى الآن، مما دفعهم لاستخدام مياه المصرف الفرعى الموجود بالمنطقة فى أعمال الزراعة، خوفاً من تبوير الأراضى، التى تعتبر مصدر الرزق الوحيد لهم، خاصة بعد تركهم الخدمة مقابل التفرغ للزراعة.
وأضاف أن الملوحة الزائدة الموجودة فى مياه الصرف، أدت إلى تلف الزراعات، وضياع محاصيل منها القطن والطماطم والبسلة، حيث بدأوا يعجزون عن تسويق هذه المحاصيل، وهو الأمر الذى سيؤدى إلى تشريد الأسر المعتمدة على بيع المحاصيل، ولا يوجد باب رزق آخر لهم، لافتا إلى أن توصيل المياه الصالحة للزراعة لن يكلف الحكومة كثيراً، خاصة أن قرار إنشاء تجهيز محطة لزراعة أراضى هذه المنطقة جاهز منذ تاريخ تسلم الأراضى.
وتابع: إن الإدارة العامة للصرف بالنوبارية قامت بعمل الصرف المغطى بمناطق «البيطار» «والوفاء»، ولم تحظ المنطقة التى تقع فيها الأراضى الخاصة بهم بأى اهتمام، لافتاً إلى أنه بالرغم من كبر المساحة المهددة بالبوار إلا أنها لم تقابل بالاهتمام المطلوب من قبل الجهات المسؤولة.
ووصف عدم الاهتمام بهذه الأراضى بـ«اللامبالاة المتعمدة»، والتى ستعمل على تدمير أكثر من 400 فدان، مشيراً إلى أن المنطقة بها عدد كبير من الأراضى، يمكن أن تساهم فى حل مشكلة نقص إنتاج المحاصيل، الأمر الذى تسبب فى ارتفاع أسعار عدد كثير من السلع، بنسب تراوحت من 30 إلى 50 % خلال الفترة الماضية.
وقال عبدالعزيز محمود، مزارع، إن إدارة الصرف فى المنطقة قامت بتدمير القنوات التى يقوم الأهالى بحفرها لرى الأراضى، مشيراً إلى أنه لا يوجد ما يبرر هذه الأعمال التى وصفها بـ«التخريبية»، وذلك فى الوقت الذى تتعنت فيه إدارة الرى مع المزارعين، وترفض إقامة المجرى المائى الذى تحتاجه الأراضى.
وطالب بضرورة عمل تبطين جديد مواز للمصرف فى الجسر المشترك بين المصرف والترعة، مع إلغاء محطة الرى المعطلة منذ تسليمهم الأراضى، وإضافة تكلفة التبطين على قيمة أقساط الأرض التى لم يتم تحديدها أيضاً من قبل الجهة التى قامت بعملية التسليم، لافتاً إلى أن المزارعين على استعداد لتسديد الأقساط التى لم تطلبها الهيئة منهم حتى يحصلوا على عقود تمليك للأراضى وتقنين أوضاعهم.
أكد صبحى علوان، مزارع، أن الطريق المؤدى للأراضى غير ممهد ويحتاج إلى إعادة رصف، مشيراً إلى أن هناك عدداً من الحوادث تقع على الطريق ويذهب ضحيتها العشرات من المواطنين أسبوعياً بسبب عدم الاهتمام بها، لافتاً إلى أن عدم مرور المسؤولين على الطريق واقتصاره على المزارعين وقاطنى المنطقة والمناطق المجاورة، من أهم الأسباب التى جعلت الطريق بهذا السوء، على حد تعبيره، مشدداً على ضرورة الاهتمام بالطريق الذى يسير عليه المزارعون منعا لوقوع الحوادث.
وأكد الشحات عطية إسماعيل، مزارع، أنهم تسلموا الأراضى مقابل ترك الخدمة، وهى ضمن الأراضى المخصصة لهيئة التعمير، مشيراً إلى أنه بالرغم من القرار الوزارى لم يعلن رسمياً عن حيازتهم للأراضى، ويعملون بداخلها وفقا لقرار التسليم، الذى تسلموا به الأرض، مشيراً إلى أنهم حتى الآن لم يتسلموا ما يثبت ملكيتهم لأراضيهم التى يعملون فيها منذ سنوات.
وعلى سجادة بجوار شجرة ماتت منذ سنوات، بسبب عدم وصول مياه الرى إليها، يجلس جلال معوض، الذى أصيب بالشلل، مؤكداً أنه يعجز عن توفير تكاليف علاجه بعد تلف محصوله بسبب زيادة نسبة الملوحة فى الأرض نتيجة الرى بالصرف، مشيراً إلى أنه لا يوجد لديه أى باب آخر للرزق، وكان يعتمد على المبالغ التى يحصل عليها من بيع محصوله، لافتاً إلى أنه أصبح الآن عاجزاً عن توفير نفقاته هو وأسرته التى على وشك التشريد.
وعلى الجانب الآخر من الأراضى تجد «معدية» خشبية تعلو مسطحاً مائياً كبيراً، وتمثل الممر الوحيد لراغبى العبور إلى الطريق الآخر، أكد عدد من قاطنى المنطقة، أن هذا الممر شهد غرق العديد من أبنائهم، نظراً لعدم مراعاته عوامل الأمن والسلامة التى يجب أن توجد فى الممرات التى توضع فى مثل هذه الأماكن، بالإضافة إلى الخطورة التى تتعرض لها السيدات اللاتى تستخدمن هذا الممر الخشبى للعبور.
وقالت فتحية إبراهيم، إحدى قاطنات القرية، إن عدم وجود ممر آمن يجعلهم يسيرون مايقرب من 3 كيلو مترات للوصول إلى الجانب الآخر من الطريق، مشيرة إلى أن الممر الخشبى هو الأسهل ولكنه الأكثر خطراً عليهم، وعلى كل من يتخذه وسيلة للعبور إلى الجانب الآخر.
وتابعت فتحية: إنها ترى الموت كلما استخدمت هذا الممر، ولكنها لا تجد وسيلة أخرى للعبور إلى الجانب الآخر، وفق قولها، مشيرة إلى أن عدم وجود كوبرى آمن لعبور المزارعين يعتبر من أهم أسباب عزوف عدد كبير من المواطنين عن الخروج من منازلهم خوفا من الموت غرقا، ويصبح مصير عدد أكبر خاصة من كبار السن هو الإقامة الإجبارية فى المنازل، وفق تعبيرها.
ووصف يوسف أحمد، طالب فى الثالثة عشرة من عمره، الممر الخشبى بـ «ممر الموت» قائلا: «أضطر للذهاب إلى المدرسة يومياً عابراً هذا الممر ذهاباً وإياباً، وإذا حاولت أن أسلك طريقاً آخر لتفادى استخدام هذا الممر، أضطر إلى السير قدما مسافة تزيد على 2 كيلو متر، وأتأخر على المدرسة ولذلك اضطر إلى العبور من الطريق الأخطر حتى لا أعاقب على تأخيرى».
وعلى أحد جوانب القرية يوجد حوالى 50 منزلا يعيش قاطنوها على ضوء الشموع ولمبات «الجاز» التى انتهى عصرها منذ أعوام، كما وصف أهالى هذه المنازل، إذ أكدت كريمة إبراهيم، ربة منزل، أنها تعيش هى وأسرتها المكونة من 6 أفراد على لمبات الجاز، مشيرة إلى أن أطفالها لايستطيعون الحياة داخل المنزل، ويقضون أطول وقت خارجه، نظرا للظلام والحياة التى وصفتها بـ»البائسة».
وقالت إن هناك عدداً كبيراً من الأسر يعانون من الظلام الدامس، نظرا لعجزهم عن شراء الجاز لتشغيل اللمبات، فى ظل الظروف السيئة التى يعيشون فيها بعد تلف زراعاتهم وعدم تمكنهم من بيعها.
وأضافت أنهم تقدموا بطلبات لشركة الكهرباء «محطة كهرباء الريف» منذ عام 2005 إلا أن الشركة لم تستجب لمطالبهم حتى الآن، لافتة إلى أن جميع الأوراق المطلوبة لإدخال الكهرباء فى منازلهم موجودة، وأن المحطة قريبة منهم، وتتوقف إنارة المنازل على التوصيلات الداخلية، التى يجب أن تصدر بها الشركة تعليمات حتى يتم البدء فى التنفيذ.
وعن خطورة استخدام مياه الصرف الزراعى فى رى الأراضى، أكد الدكتور طارق القيعى، العميد الأسبق لكلية الزراعة، رئيس المجلس المحلى السابق، أنها تمثل مشكلة لحوالى 20% من الأراضى الزراعية فى مصر، مشيراً إلى أن الرى بالصرف يعمل على تدمير الأرض كلياً على المدى الطويل، بسبب ارتفاع نسبة الملوحة والمبيدات الحشرية فى المياه التى يتم استخدامها فى الرى.
وطالب القيعى المزارعين بضرورة تقديم طلب عاجل للمجلس المحلى، خاص بإنشاء محطة معالجة للمياه للاستفادة السليمة ورى الأراضى بمياه نقية، للحد من تدمير الأراضى، الذى يتسبب فيه الرى بمياه الصرف الزراعى. وقال يوسف جابر، رئيس لجنة الزراعة فى المجلس الشعبى المحلى للمحافظة: إن استخدام مياه الصرف الزراعى خطر يهدد الأراضى الزراعية، مشيراً إلى أن استخدام المحاصيل المروية بهذه المياه يؤدى إلى الإصابة بالفشل الكلوى، لافتا إلى أن الحالة الوحيدة التى يسمح فيها باستخدام هذه المياه فى رى المحاصيل تكون بعد المعالجة الكاملة التى تساهم فى إزالة نسبة الأملاح والمبيدات الموجودة فى المياه، مشيراً إلى أن اللجنة ستقوم بمناقشة الموضوع فى اجتماع عاجل بحضور مسؤولى الرى والصرف لحل مشكلة المزارعين وإنشاء محطة للمعالجة وأخرى لرفع المياه من الترعة.