«آخر سهم في جعبة الفكر الناصرى القومى، قامة وهامة إعلامية وسياسية، مدرسة نهل منها الكُتاب والصحفيون كما السياسيين دون توقف، ترك إرثاً أدبيا وسياسيا لا يمكن بأى حال من الأحوال تجاوزه».. هكذا نعى الكُتاب والصحفيون والسياسيون الفلسطينيون الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل.
فور الإعلان عن وفاة محمد حسنين هيكل أصدرت نقابة الصحفيين الفلسطينيين بيانا نعت فيه فقيد الجسم الصحفي والامة العربية اجمع .
ونعى ناصر ابو بكر نقيب الصحفيين الفلسطينيين القامة الاعلامية العربية والدولية الكبيرة الاستاذ محمد حسنين هيكل وقال لـ"المصري اليوم": «فقدنا سراجاً كان وهاجاً في وعر الطرقات والدروب والمسالك لواقع سياسي كثيف الغموض نعيشه اليوم، بكل قسوته، والراحل الكبير كان دليلاً لنا لنعرف أين موطئ اقدامنا على خارطة الاحداث، كما كان قارئاً حذقاً للتاريخ ومبدعاً في تحليل الوقائع، وهادياً لكثيرين من الساسة والمثقفين في عالمنا العربي، بل في الحاضرة الدولية ايضاً، وبرحيله اليوم لا يسعنا إلا أن نقر بخسارة كبيرة تكبدناها خاصة نحن الفلسطينيين الذين ادركوا أهمية هيكل من وقت مبكر، ودوره التاريخي في ترسيخ ودعم حركة التحرر الوطني الفلسطيني فتح، وخبرته الطويلة على مدار اجيال عاشها عززت ثوابتنا الوطنية على الخارطة الدولية».
وأضاف: «اليوم نفقد ونفتقد إلى قامة عالية ولا يسعنا إلى أن نقدم خالص التعازي والمواساة إلى نقابة الصحفيين المصريين والى القيادة المصرية وعلى رأسها الرئيس عبدالفتاح السيسي والى اسرة الفقيد الكبير وعموم الشعب المصري العظيم».
وقالت عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، حنان عشراوي، لـ«المصري اليوم» إن فكر هيكل وتأثيره على السياسة لم ينحصر في مكان ولا في زمان معين لأنه سوف يستمر.
وأضافت عشراوي أن «هيكل قامة من عمالقة الفكر والصحافة والسياسة، وكان قوله ملتزما بالحقيقة حتى لو كانت مؤلمة، وكان قد عاصر زعماء تاريخيين، وتأثيره امتد على كل الوطن العربي، افقيا وعموديا، بمعنى انه اثر على السياسات والقيادات، وعلى الوعي العام للرأي العام العربي، منطلقا من انتمائه المصري الاصيل وفهمه وادراكه لمتطلبات الإنسانية عامة» .
تيسير خالد، القيادي في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، قال لـ«المصري اليوم»: «كان هيكل شخصية استثنائية وقامة سياسية لها دورها ولها وزنها في صناعة الخبر والحدث في آن، وقد نشأت وتربيت على مقالات هيكل الاسبوعية في صحيفة الاهرام (بصراحة)».
وأضاف «كان مفكرا تشده الاحداث والتطورات العاصفة والكبيرة، فيتصدى لها بعمق يضعها في سياقها بمقدمات ترسم لوحة حية للحدث تصل بك إلى النتائج المنطقية المنسجمة ونظرته العميقة السياسية وأحيانا الفلسفية للأمور، كثيرا ما كانت نظرته إلى التطورات تتجاوز التوصيف إلى استكشاف ما يترتب على حركة التطور من استحقاقات تفرض نفسها في سياق نظرة هيكل الاستراتيجية لتطور الاحداث في إطار فهم عميق للعلاقة المتبادلة بين التاريخ والجغرافيا ... وكان ذلك يساعده في رسم صورة مصر بتاريخها الحضاري العريق وحضور دورها السياسي في الاحداث الكبيرة، التي كانت تمر بها المنطقة وما زالت».
وتابع: «كان هيكل صاحب رؤية، لم يكن منجما بقدر ما كان يتحلى بقدرة فائقة على التنبؤ، كان صادقا في تقديم الرأي والمشورة والنصح لكثير من القيادات السياسية العربية ومنها القيادة الفلسطينية، نظرته إلى الاتفاقيات التي تم التوقيع عليها بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي في اوسلو وما بعد اوسلو لم تكن تختلف عن نظرته إلى معاهدة كامب ديفيد، ولهذا عارضها وكان صادقا في مشورته ونصائحه للقيادة الفلسطينية ودعوته لها بالتوقف عن السير في طريق مغامرة سياسية ما زال الشعب الفلسطيني يدفع ثمنها غاليا».
واكد تيسير خالد أن هيكل كان شخصية وطنية مصرية مرموقة، وشخصية قومية لها دورها المتعالي عن الانتهازية السياسية في العلاقة مع المعسكرات المتخاصمة أو المتصارعة، وفوق ذلك كان شخصية ديمقراطية، دعا إلى امتحان القوى في معركة السياسة ومدى الاستعداد لحمل المسؤولية، إلى وضعها امام امتحان الحكم، وهو الامتحان الوحيد الكفيل باختبار برامجها ووضعها على محك النجاح أو الفشل.
وأكد كايد الغول، القيادي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، أن رحيل هيكل خسارة ليس فقط لفلسطين وانما للعرب جميعا، «لأنه كان يؤمن بالمصير الواحد للامة العربية، دافع عن مصالحنا العليا وانتقد كثيرا المشاريع السياسية للصلح مع اسرائيل بدءا من كامب ديفيد وصولاً إلى اوسلو».
وقال: «عدا عن ذلك كان له دور بارز في التعريف بالثورة الفلسطينية ومنظمة التحرير وساعدها في نسج علاقات دولية وترسيخ هذه العلاقات، وكان داعما لقضايا الشعب الفلسطيني سواء في كتاباته أو في المحافل الدولية التي كان يشارك فيها، لذلك رحيلة في هذا الظرف التي تعيشه الامة العربية من الصراعات التي تعمل على تغذية القطرية فيها، وتحويل الصراع من عربي ضد مشروع صهيوني يستهدف الامة العربية إلى صراع مذهبي تصبح فيه اسرائيل حليفا لبعض الدول العربية، وهو امر في غاية الخطورة طالما حذر منه الكاتب الكبير هيكل، وما يتبعه من اعادة رسم للمنطقة تصبح فيها اسرائيل قوة مركزية وتتبخر القضية الفلسطينية أو يجتزء الحل فيها على حساب الشعب الفلسطيني، برحيله افتقدنا صوتا عاقلا واعيا سياسيا قادرا على تحليل الواقع واستشراف المستقبل».
من جانبه، قال عمر نزال، عضو الامانة العامة لنقابة الصحفيين الفلسطينيين، لـ«المصري اليوم» إن غياب محمد حسنين هيكل خسارة كبيرة لكل الصحفيين العرب والصحفيين حول العالم.
وأضاف أن هيكل هو احد اعمدة الصحافة العربية، وترك بصمة واضحة لكل الصحافة العربية، مستذكرا: «وعيت على الدنيا على كتابات هيكل وانتاجاته الصحفية والابداعية المختلفة، بالإضافة لمتابعة فترة من عمره لتحليلاته التي كانت بأسلوب فني وصحفي سلس جدا، وتشمل كما هائلا من المعلومات التاريخية».
أما مراد السوادني، أمين عام اللجنة الوطنية الفلسطينية للتربية والثقافة والعلوم وأمين عام الإتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين، فقال للمصري اليوم: «برحيل هيكل المختلف والفذ والاستثنائي تفقد الساحة العربية الاعلامية والانسانية واحدا من سدنة الحرف والكلمة الذي قدم الكثير في اطار الحفاظ على وحدة الامة والتأكيد على حريتها من كل التدخلات الاجنبية التي حاولت ان تفكك وتشرخ وعي هذه الامة».
وأضاف أن هيكل استطاع ان يقدم مداخلة مختلفة واستثنائية في محطات كبرى في تاريخ المنطقة، برؤيا اعلامية جسدت المؤسسة في فرد، مؤكدا ان فلسطين هي اول الخاسرين برحيل هيكل الذي استطاع ان يجعل منها قضيته الاولى بحواراته مع مختلف القيادات الفلسطينية في مراحل النضال المختلفة.
وقال: «كان من الرافضين لكل هذه التدخلات ومن المنازلين لكل الافكار السوداء والشوهاء الت تصيب الامة في مقتل لذلك نازل كل هذه الافكار الدخيلة في مقابل الحفاظ على وحدانية مصر ووحدانية الامة العربية». وأضاف: «نشعر بخسارة كبرى في المشهد الثقافي والاعلامي لواحد من الاسماء الوازنة التي منحت فلسطين الحب والعطاء والذي بقي وفيا لقضية فلسطين باعتبارها القضية المركزية، رحل وهو يفكك المشهد العربي ويصوب البوصلة بعد ان أضاعها الكثير من الاعلاميين في ضجيج الفوضى الغير خلاقة التي اجتاحت الوطن العربي من خلال ربيع اسود طال الوطن العربي تفكيكا وتفتيتا لذلك رفع الصوت عاليا ليؤكد ان بوصلة الاعلامي لا يمكن ان تظل أو تقبل بوصاية الاجنبي».
وأكد أنه كان امينا على رسالته وفكرته بان يرفض القبول أو التبعية لأية اشتراطات تدخل الهزيمة إلى الامة، «ولا يمكن لفلسطين ان تنسى مدى حرصه ورؤيته الاستراتيجية الثاقبة والمعمقة لفلسطين وحرصه الدائم على تقديم النصح للقيادة السياسية الفلسطينية ونذكر كيف كان الرئيس الرمز ياسر عرفات يستأنس برأي هيكل»، وقال «فلسطين كما مصر خسرت اليوم علما من اعلام الفكر القومي وعلم من أعلام الإعلام العربي».
يقول الكاتب الفلسطيني احمد دحبور: «بغياب هذه القامة الكبيرة والحضور المتميز للراحل هيكل، تخسر الثقافة العربية والمشهد الثقافي ركنا اصيلا في حياتنا». وأضاف: «هذا الرجل الذي تفتحنا على مقالته الاسبوعية الشهيرة (بصراحة)، ورغم تعيينه وزيرا في عهد السادات إلا ان هذا لم يمنعه ان يكتب شهادته حول تاريخ مصر الحديث، والتي تجسدت في نضال جمال عبدالناصر في كتابه (لمصر لا عبدالناصر)، والذي رد فيه على حملات التشويه التي طالت عبدالناصر في زمن السادات».
وقال: «تميز هيكل بالحصافة والدقة مع انه كان لا يخفي تحزبه، وقد كان آخر سهم في جعبة الناصرية والفكر القومي العربي وكان معنيا بفتح مصر على العالم العربي بشكل عام، وكان اول من اطل على التجربة الايرانية، ولم يترك أي شاردة ولا واردة إلا وكان له رأي فيها، كان منحازا للحقيقة وموضوعيا حتى عندما اختلف مع التجربة الفلسطينية في احدى المراحل، إلا ان بوصلته كانت دقيقة وميز بين الاختلاف في الرأي وبين صوابية الموقف ولم يشكك أو يطعن في التجربة النضالية الفلسطينية». وأضاف: «كان هكل دوما منفردا في العمل السياسي المعاصر وكانت اختياراته نزيهة موضوعية، مرجعا لا بد من العودة اليه عندما تريد ان تقرأ التاريخ منذ ثورة 32 يوليو حتى اليوم».