«كررت ومازلت أكرر أننى لا أريد أن تتحول (برقاش) إلى بند في حملات الكراهية السائدة في هذه اللحظة القلقة والحرجة من تاريخ مصر»، هي كلمات تحمل عشقاً لقرية صار هو أيقونتها وقبلتها الأساسية، كلمات كتبها الصحفى الراحل محمد حسنين هيكل بعد إحراق جزء من قصره يحمل كثيراً من الوثائق والتاريخ، قبل قرابة 3 أعوام، لزميله فهمى هويدى، بعد أن كتب الأخير مقالاً في صحيفة «الشرق» القطرية للتنديد بحرق قصر الكاتب الصحفى الأشهر في تاريخ مصر، ومعترضاً على تسييس الأمر في الوقت ذاته.
برقاش، تلك القرية التي اشتهرت بسوق الجِمال، كان وجود «هيكل» فيها أهم وأشهر، فحين تقول «برقاش» سرعان ما تقفز صورة «الجورنالجى» إلى ذهنك، هو الذي شيَّد مزرعته وقصره قبل عدة عقود، فأصبح بوثائقه وبذكرياته التاريخية أقرب إلى المتحف.. ما رواه الكاتب عبدالله السناوى، في مقال نشر في «المصرى اليوم»، عقب حريق «بيت الورد»: يحتوى المبنى الخمسينى على وثائق تاريخية، منها يوميات جمال عبدالناصر في حرب فلسطين عام ١٩٤٨، وعلى غلافها بقعة من دمه، ومراسلات الزعيم مصطفى كامل إلى السلطان العثمانى والخديو عباس حلمى، وغيرها. قرية سوق الجِمال، التي ربما لم يكن ليسمع عنها أحد غير مهتم بسوقها وما يباع فيها، أصبحت مع هيكل قبلة للزعماء، فمرت بها أسماء شغلت العالم وحفرت في ذاكرة الأمم والشعوب، أسماء كأيقونة الثورة في العالم، تشى جيفارا، والرئيس الفلسطينى الراحل ياسر عرفات، بالإضافة إلى الزعيمين المصريين جمال عبدالناصر، الذي كان يفضل الجلوس في تراس «بيت الورد»، كما يروى «السناوى» عن «هيكل»، وأنور السادات، الذي كان يفضل الجلوس في الحديقة، وغيرهم.
وكان «هيكل» قد تحدث يوماً عن قصره في قريته بعد احتراقه قائلاً، في برنامج «مصر أين وإلى أين»: «لأول مرة أعرف ما معنى كلمة شجن، وأشعر أن لدىَّ ما يضايق أكثر مما يمكن أن يعبر عنه بكلمات، خصوصاً وأنا لم أتحدث عن هذا الموضوع واعتذرت عدة مرات أن يتم تصوير المشهد في برقاش مسقط رأسى.. هذا المكان حافظت على خصوصيته في ازدهاره، ولا أستطيع أن أكشف عن هذا في محنته، فله حرمة الإنسان وحرمة الكلمة».
وتحدث «هيكل» عن منزله وما يتصور أن يتم فيه بعد وفاته قال: «ما رأته برقاش وشهدته أعظم من أن يكون إرثاً تركه أب لأبنائه، وكانت الأطروحة تقول أن يتم تحويل هذا المكان إلى مؤسسة فكرية، تنفيذاً لمبادرتى الخاصة بشباب الصحافة العربية، واقترحوا أن تكون مقراً على غرار مؤسسات إنجلترا الخاصة مثل (ديكشلى)، وهى مكان ريفى له طابع تاريخى يمكن من خلاله أن يقدم رسالته حتى بعد رحيل أصحابه».
«برقاش» لا شك أنها تودع رجلاً حوَّلها من قرية مشهورة في مصر بسوق جِمالها، إلى قرية عالمية وطئتها أقدام الزعماء وأصبحت بوثائق «هيكل» حافظة لتاريخ مصر الحديث.