نعى العديد من رؤساء ووزراء وسفراء دول العالم والصحف العالمية وفاة بطرس بطرس غالى، الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، وأشاروا إلى إسهاماته فى السياسة الدولية، ومواقفه أثناء توليه فترة الأمانة العامة للأمم المتحدة بعد نهاية الحرب الباردة.
ونشر الحساب الرسمى لوزير الخارجية الأمريكية، جون كيرى، عبر «تويتر» بيان الوزارة لنعى «غالى» وجاء فيه: «كان (غالى) دبلوماسيا استثنائيا، ورجل دولة ماهرا، ومدافعا بلا كلل من أجل السلام».
وشاركت السفارة الأمريكية بالقاهرة فى النعى مغردة عبر «تويتر»: «تنضم السفارة مع وزير الخارجية كيرى فى التعبير عن تعازيها فى وفاة (غالى)».
وقالت المندوبة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، السفيرة سامنثا باور: «مصر والعالم أجمع فقدوا رجل دولة بارزا»، وأعربت عن خالص عزاء الولايات المتحدة لأسرة الفقيد وزملائه بالمنظمة الدولية والشعب المصرى.
من جانبه، قال وزير خارجية ألمانيا فرانك فالتر شتاينماير: «فقدنا بوفاته دبلوماسيا وسياسيا ذا قدر كبير عالميا، عمل على نحو غير مسبوق وقت رئاسته لمنظمة الأمم المتحدة على إقرار نظام للمنظمة وتهيئتها لمهام ومتطلبات جديدة، سوف يظل اسمه مرتبطاً بأجندة السلام التى قام بتقريرها لوضع أسس نظام عالمى جديد عام 1992 بعد انتهاء الحرب الباردة».
وأكدت الممثلة العليا للسياسة الخارجية فى الاتحاد الأوروبى، فيديريكا موجيرينى، أن «غالى» ترك بصمته على المستوى الدولى وفى الهيئة الدولية عندما تولى أمانتها.
ونعى السفير البريطانى بالقاهرة، جون كاسن، «غالى»، عبر حسابه على «تويتر»، قائلا: «بالنسبة لمصر كان بطل السلام، وللعالم هو أول أمين عام عربى وأفريقى، وبالنسبة لى، كسفير جديد، هو صوت الحكمة الطيبة».ومن جانبها، ذكرت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية، أنه رغم موافقة واشنطن على تعيينه فلم تسر الأمور على ما يرام بين الطرفين حين أسفرت عملية للأمم المتحدة فى الصومال بقيادة الولايات المتحدة عن وقوع خسائر بشرية أمريكية فادحة.
وأوضحت أن الأزمة بين «غالى» وواشنطن تفاقمت أثناء عمليات للأمم المتحدة فى يوغوسلافيا، وبعد فشل الأمم المتحدة فى وقف مذابح التطهير العرقى فى رواندا فى 1994.
كما حدث خلاف فى أروقة الأمم المتحدة، بخصوص تنفيذ عقوبات الأمم المتحدة بحق نظام الرئيس العراقى الراحل، صدام حسين، الذى غزا الكويت عام 1990 وتم إخراجه منها بتحالف دولى قادته الولايات المتحدة قبل عام من تولى «غالى» قيادة المنظمة الدولية.
وبعنوان «صعود وسقوط بطرس غالى فى الأمم المتحدة»، ذكرت مجلة «تايم» الأمريكية، أنه كان على رأس الأمم المتحدة فى فترة تميزت بالحروب فى أوروبا والإبادات الجماعية والمجاعات فى أفريقيا. ورأت المجلة أن «غالى» هو «خلطة عجيبة»، إذ فاز برئاسة الأمم المتحدة بدعم أفريقى، لكنه ليس أسود، كما أنه عربى مسيحى متزوج من يهودية، ويمثل العالم الثالث مع لمسة باريسية أنيقة ومعقدة، وهو ابن عائلة ثرية وحفيد رئيس وزراء مصر الأسبق. وأوضحت المجلة أن تقدمه فى العمر، إذ كان يبلغ وقتها 69 عاما، واعتزازه بنفسه، وصداقته لفرنسا، كلها أمور جعلت واشنطن تأخذ موقفا سلبيا مسبقا تجاهه، ولتهدئة تلك المخاوف، وعد «غالى» بعدم السعى لإعادة انتخابه بعد فترة ولايته الأولى.
وأشارت إلى أن العالم وضع آمالا كبيرة عليه، خاصة فيما يتعلق بإصلاح المنظمة لأنها كانت تعانى نقصا فى التمويل وسوء الإدارة، موضحة أنه دخل المنظمة فى لحظة كان فيها العالم ينظر للأمم المتحدة بضرورة الاضطلاع بدور قيادى فى تعزيز الأمن العالمى، لكن المهام التى واجهها كانت شاقة، وهى الحروب الأهلية والمجاعات فى الصومال، والصراع العرقى والقومى فى يوغوسلافيا، والصراع نفسه فى البوسنة والهرسك، والإبادات الجماعية فى رواندا.
وأكدت «تايم» أن الولايات المتحدة لم ترغب أن تعطى «غالى» فرصة، خاصة بعدما سلط الضوء على الانتهاكات التى ارتكبتها الولايات المتحدة التى أدت إلى معركة كارثية من العاصمة الصومالية مقديشيو والتفكك العنيف ليوغوسلافيا السابقة، كما أعرب عن شعوره بالإحباط بسبب تقاعس العالم فى رواندا.
واتفقت صحيفة «جارديان» البريطانية، مع «تايم» على أن «غالى»، الذى بدأ فترة ولايته فى عام 1992 مع نية وحماس واضحين فى الإصلاح، انتهى به الأمر بسبب خلاف مع الولايات المتحدة على صراعات الصومال والبوسنة، موضحة أنه خدم المنظمة الدولية، لكنه كان مقتنعا بأنه كان ضحية السياسة الداخلية الأمريكية التى قوضت جهوده لتحسين فاعلية الأمم المتحدة كمنظمة عالمية فى عصر ما بعد الحرب الباردة.
وأشارت الصحيفة إلى أن «غالى» دائما ما كان يتم التجريح فيه باستمرار من قبل الحزب الجمهورى، وكذلك بين منتقديه الديمقراطيين، ومع ذلك أقنع نفسه، وهو ربما ما يكون خطأ تماما، أن الرئيس بيل كلينتون قرر التخلى عنه لاعتقاده أنه سيفقد الأصوات المؤيدة لحملته لإعادة انتخابه.
ووفقا للصحيفة، عززت التجربة رأى «غالى» بأن الولايات المتحدة، القوة العظمى الوحيدة الباقية، لم تكن قادرة على توفير قيادة ثابتة كما أنها تفتقر إلى الالتزام الضرورى لتحويل الأمم المتحدة إلى أداة موثوقة للأمن الدولى، لذا كرس «غالى» نفسه للدفاع عن مصالح البلدان النامية، خاصة تلك الناطقة بالفرنسية.
ولفتت الصحيفة إلى أن فرنسا كانت دائما تؤيده وتدافع عنه لأنه كان قد درس القانون الدولى فى جامعة «سوربون»، ولأن الفرنسية كانت لغته المفضلة، ولأن فرنسا، إلى جانب مصر، كانت بلده المفضل، وكان الروس والصينيون على ثقة بأنه سيكون رجلا قويا وليس دمية الغرب، موضحة أن الأمريكيين كانوا يعتبرونه عجوزا عندما رشح نفسه لانتخابات عام 1991، وأسوأ من ذلك، متعجرف جدا، وقريب جدا من فرنسا، ومشغول جدا بالمشاكل التى تعانى منها القارة الأفريقية.
ومع نهاية الحرب الباردة، كان الرئيس الأمريكى الأسبق جورج بوش الأب يريد تحقيق رؤيته لنظام عالمى جديد، وتساءل عما إذا كان «غالى» لديه القدرة على التحمل والديناميكية لتوجيه الأمم المتحدة إلى منطقة مجهولة، وأيدت كندا هذا الرأى، وكان موقف البريطانيين فاترا، لكن الرئيس الفرنسى، فرانسوا ميتران، هو من دافع عن «غالى» وضغط بشدة لإعادة انتخابه، لكن بعد سلسلة الاقتراع السرى فى مجلس الأمن، حصل «غالى» على موافقة 14 دولة من دول مجلس الأمن الـ15، إذ رفضت واشنطن التصويت له.
وذكرت صحيفة «إندبندنت» البريطانية أن «غالى» خدم فى الأمم المتحدة 5 سنوات لا تنسى، وأشارت، بعد استعراض مشواره وشهاداته، إلى أن فترة ولايته تميزت بالاختلافات والصدامات مع الأمم المتحدة التى رأت أنه لا يجب أن يبقى فى منصبه لولاية أخرى.
وتطرقت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية إلى عدم تجديد ولاية «غالى» قائلة إن الأمم المتحدة احتاجت دعم واشنطن لعمليات حفظ السلام، لكن «غالى» قال إنه حاول أكثر من مرة مقابلة الرئيس الأمريكى وغيره من المسؤولين لمناقشة ما يصفه بالارتباك فى سياسة واشنطن الخارجية لكن غالبا ما يتم رفض مقابلاته.