عاصر الكاتب الراحل محمد حسنين هيكل طوال عمره الذي ناهز الـ92 عامًا، حكم فاروق الأول، الملك قبل الأخير لمصر والسودان، و7 رؤساء لجمهورية مصر العربية، بداية من «الرئيس الراحل محمد نجيب حتى الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي».
هيكل والملك فاروق الأول
كانت العلاقة بين «هيكل» والملك فاروق الأول علاقة عادية، فهو أحد الصحفيين المتابعين لما يجري على الساحة السياسية، وكان لـ«الأستاذ» خلال شهادة مطولة تقع في 35 صفحة كشف فيها عن أسرار الملك الخاصة.
وكتب في فقرة مطولة تحت عنوان "دموع ملك في حالة قلق"، حيث نقل من مذكرات حسين سري باشا أن «الملك فاروق بكى وتأثر خلال مناقشة حامية بينهما»، وعقب «هيكل» على ذلك بقوله إن «هذه الدموع تعكس قلق هذا الرجل ليس على عرشه فقط لكن على واقع الحياة السياسية في مصر كلها».
المدهش أيضًا أنه أبدى احترامه لفاروق، وتأييده له في أكثر من موقف، حتى أنه مدح الملك فاروق في مقال له بمجلة «روزاليوسف» عام 1944 بمناسبة العيد الثامن لجلوسه على العرش، وتحت عنوان «في يوم عيدك يا مولاي».
هيكل ومحمد نجيب
اختير اللواء محمد نجيب بعد ثورة «يوليو 52» من بين الضباط الأحرار رئيسًا باعتباره كان محبوبًا، وعلي رتبة عسكرية كبيرة، كما كان الأكبر سنًا، ولم تكن علاقة «هيكل» به متميزة، حيث كان «الأستاذ» أول من أشار في 1953 إلى أن «نجيب» لا يصلح للاستمرار في رئاسة مصر، لعدم تطابق صفات الترشح عليه، خاصة فيما يتعلق بجنسية والدته، التي كانت سودانية.
كان الكاتب الصحفي محمد ثروت، مؤلف كتاب "الأوراق السرية لمحمد نجيب" قال إن حالة من عدم الود ربطت بين «نجيب» و «هيكل»، ويتضح ذلك من خلال وثيقتين، الأولى تخص مقالًا نشره «هيكل» في صحيفة الأهرام عام 1973 بعنوان "شبح من الماضي"، وسخر فيها من كتاب «كلمتي للتاريخ»، الذي أصدره «نجيب» في العام نفسه، ورد «نجيب» على مقال «هيكل»، لكن الأخير قام بنشره في صفحة الوفيات، بعدها أرسل «نجيب» نفس الرد إلى «أخبار اليوم»، ولإحسان عبد القدوس تحديدًا، وكشف خلاله العديد من الوقائع، وعلى رأسها أن «هيكل» طلب منه مرارًا إجراء مقابلة، إلا أن «نجيب» كان يرفض ذلك.
ولم يكتفِ "هيكل" بما أورده في مقالته عن «نجيب» بل زاد من هجومه عليه بأن اتهمه بـ«العمالة لأمريكا» في كتاب «عبدالناصر والعالم»، من خلال واقعة تلقيه مبلغ 3 ملايين دولار، كاعتماد أمريكي، لبناء برج لاسلكي للاتصالات العالمية، ما دفع «نجيب» لمقاضاته أمام محكمة جنايات الجيزة، في نوفمبر 1972، إلا أن «هيكل» استطاع أن يصل إلى صيغة تصالح معه، مقابل نشر «هيكل» بيان تكذيب فى صحف "ديلي تلجراف والأهرام والنهار اللبنانية»، ورحل «نجيب» عن الحياة قبل أن تصفو العلاقة بينه وبين «الأستاذ هيكل».
هيكل وعبدالناصر
أما عن علاقة «هيكل» بالرئيس الراحل جمال عبد الناصر، فيقول «الأستاذ» عن أول لقاء جمعه بـ"البكباشى جمال" - هكذا وصفه – إنه "أدركت وأنا أتكلم معه، أنني أتحدث مع شخص يفهم التاريخ والاستراتيجية جيدًا، وملم بقضية فلسطين، ويفهم فى الأدب والشعروالثقافة، وكانت اهتماماته تتسع خارج حدود وظيفته".
كانت العلاقة بين «هيكل وناصر» قد نقلته من خانة الصحفي الباحث عن المعلومات والأخبار إلى خانة المشارك في صنع القرار، حيث كان أنيس منصور يرى أن "هيكل كان مفكّر عبدالناصر، وصاغ الفكر السياسي للزعيم في هذه الفترة، ولم يحصل أي شخص على هذا الدور».
ونقل «منصور» في حوار مع فضائية (أون تي في) في أغسطس 2011 عن «هيكل» قوله: "كان عبد الناصر يتصل بي مرتين، الأولى قبل نومه، والثانية عندما يستيقظ".
هيكل والسادات
أما عن علاقة «هيكل» بالرئيس الراحل محمد أنور السادات فقد بدأت بالوفاق وانتهت بالشقاق ثم القطيعة، حيث كتب «هيكل» عقب تولى «السادات» رئاسة الجمهورية، بعد وفاة «عبد الناصر» في سبتمبر 1970، 3 مقالات حملت عنوان "السادات وثورة التصحيح" أشاد خلالها بالرئيس، الذي لم يكمل عامه الأول وقتها في سدة الحكم، وقال في مقالة: «كان السادات هائلًا في هذه الساعة الحاسمة من التاريخ بأكثر مما يستطيع أن يتصور أحد، كانت قراراته مزيجًا مدهشًا من الهدوء والحسم، وهذه المرحلة هي التي ستجعل من أنور السادات - بإذن الله - قائدًا تاريخيًا لشعبه وأمته، لأن القيادة التاريخية مرتبة أعلى بكثير من الرئاسة مهما كان وصفها".
وظلت علاقة هيكل بالسادات على هذا الحال حتى «حرب أكتوبر»، حيث انتقد «هيكل» طريقة تعامل الرئيس السادات مع انتصار حرب أكتوبر سياسيًا، وكان يرى أن «السادات» يعطي للولايات المتحدة دورًا أكبر مما ينبغي، بعد انتصار تحقق بسلاح جاء من الكتلة الشرقية، وعلى رأسها الاتحاد السوفيتي.
وانتهى خلاف «السادات» مع «هيكل» بقرار أصدره الأول في الثاني من فبراير 1974 بنقل «هيكل» من جريدة «الأهرام» للعمل مستشارًا للرئيس، وهو ما رفضه «هيكل» بوضوح، وعلق عليه في تصريح لصحيفة "صنداي تايمز" البريطانية، بعد القرار بأيام قائلًا: "إنني استعملت حقي في التعبير عن رأيي، ثم أن الرئيس السادات استعمل سلطته، وسلطة الرئيس قد تخول له أن يقول لي أترك الأهرام، لكن هذه السلطة لا تخول له أن يحدد أين أذهب بعد ذلك، القرار الأول يملكه وحده، والقرار الثاني أملكه وحدي"، إلى أن بلغ الصدام ذروته بين الطرفين، عندما تحدث السادات أمام كاميرات التليفزيون في سبتمبر1981، متهمًا «هيكل» بأنه لم يعد صحفيًا بل سياسيًا، وعليه أن يترك الصحافة إلى السياسة، و"ليس من حقه كصحفي أن يناقش القرار السياسي، فتلك مسؤولية الرئاسة".
وانتهى الأمر بعد ذلك بوضع «هيكل» في السجن، ضمن اعتقالات طالت كثيرين من المعارضين في سبتمبر 1981، ورحل «السادات»، بعد حادث اغتياله خلال العرض العسكري، في 6 أكتوبر من العام نفسه، وحاكمه «هيكل» في الكتاب الذي حمل اسم "خريف الغضب"، حيث حمَّله مسؤولية التعامل الخاطئ مع ملف الصراع العربي الإسرائيلي، بعد حرب أكتوبر، ولكن بعد سنوات على رحيل السادات وفي إحدى ندواته بالإسكندرية قال «هيكل» إنه يشعر بالامتنان بأثر رجعي لما قام به السادات بإرجاع سيناء، بعدما قارن وضع مصر بسوريا والأراضي الفلسطينية، ثم جاء مقاله "استئذان في الانصراف" وبدت فيه لهجته تجاه الرئيس السادات متفهمة، واختفت فيها نبرة العداء، وبدا أن «الأستاذ»، وهو في الثمانين أكثر تفهمًا لمواقف الرجل، الذي أخرجه من «الأهرام».
هيكل ومبارك
أما عن علاقة «هيكل» بالرئيس الأسبق مبارك، فقد كان مبارك يعرف جيدًا قيمة وتاريخ «هيكل»، لمعرفته المسبقة بعلاقة "الأستاذ" بالرؤساء السابقين، وتأثيره عليهم، لذلك دعاه إلى قصر الرئاسة بعد الإفراج عنه، بعد اغتيال السادات، ليمتد الحوار بينهما نحو 6 ساعات متواصلة، ووفقا لما أورده «هيكل» في كتاب "مبارك من المنصة إلى الميدان" أبدى "الأستاذ" إعجابًا بمبارك في بداية حكمه، وأعلن تأييده الشخصي له، بل تجاوز الأمر حدود الإعجاب، ودعا المواطنين لتأييد مبارك، ومساعدته لينجح في مهمته، حيث رأى أن الصفحة، التي فتحها مبارك معه ومع غيره من السياسيين، الذين ألقاهم السادات في سجونه، باتت صفحة مشرقة تستحق المساندة.
وعقب أول لقاء جمعهما حصل «هيكل» من مبارك على رخصة مفتوحة للاتصال به في أي وقت يشاء، لكن "الأستاذ" لم يستخدمها قط - على حد قوله - إلى أن سافر ألمانيا للعلاج، فعرض عليه «مبارك» العلاج على نفقة الدولة، لكن «هيكل» رفض، ما يقودنا للاعتقاد بأن مبارك كان يود أن يمد جسور التواصل معه، لكن «هيكل» اختار أن يكون بعيدًا، وأن يتفرغ لكتاباته فقط، التي تزعج مبارك، وبعض رموز نظامه.
وكانت المحاضرة التي ألقاها «هيكل» في الجامعة الأمريكية عام 2002، بمثابة «رصاصة في قلب نظام مبارك»، بعدما قال إن "السلطة شاخت في مواقعها، وهناك مخطط واضح لتوريث الحكم، ومهما كانت الصورة حلوة، فلابد أن نقول كفاية"، فى إشارة إلى ضرورة رحيل مبارك عن الحكم.
هيكل ومرسي
أما عن فترة حكم مرسي القصيرة للبلاد، فقبيل إجراء انتخابات الرئاسة، طرح «هيكل» في حوار مع جريدة «الأهرام» عدة تساؤلات، في حالة فوز الدكتور محمد مرسي بمنصب رئيس الجمهورية، كان من بين تلك التساؤلات: «كيف يتصرف الرئيس مرسي إزاء وزارة الداخلية، وللإخوان ثأر معها ؟، وكيف يتصرف مع وزارة الدفاع، وللإخوان خطة للنفاذ إلى الجيش، باعتباره وسيلة السيطرة الكبرى؟، وإذا وقع ذلك فأين نظرية الأمن المصري؟، مع العلم بأن قواعد الأمن القومي المصري بحكم الجغرافيا والتاريخ هي قواعد عربية، وليست إسلامية، وتساءل أيضا: ماذا يمكن أن يحدث بين الرئيس مرسي والأزهر، وبين الكنيسة، ومع المحكمة الدستورية العليا ؟، ما يمكن أن يفعله الرئيس مرسي مع مؤسسة التعليم، ومؤسسة الإعلام، ومؤسسة الجيش الموصولة بالأمن القومي، ومؤسسة الأمن الموصولة بأمن المواطنة، ومؤسسة الثقافة الموصولة بالعالم وبالعصر؟ وقرر هيكل "هناك إذن معضلة".
ورغم ما طرحه من تحديات وتساؤلات لم يجب عليها، قال هيكل: "إنني واحد من الناس الذين طلبوا ومازالوا يطلبون فرصة حكم للتيار الديني، يجرب فيها مسئوليات الدولة، لكن التصرفات حتى الآن تدعو للقلق، والقضية أن الإخوان إذا كسبوا فهي معضلة تواجه البلد، وإذا خسروا فهي معضلة أخرى تواجه البلد أيضا".
وعقب فوز مرسي تحدث "الأستاذ" مع مجيء مرسي كأول رئيس مدني للبلاد، وقال فى حواره مع صحيفة "صنداي تايمز البريطانية": إن مرسي رجل طيب جدًا على المستوى الشخصي، لكننى لست متيقنًا من مدى معرفته بالعالم العربي، والسياسة المصرية"ورأي أن النجاح لن يكون حليفًا للإخوان، ومع ذلك يؤمن بضرورة منح مرسي والحركة الإسلامية، التي يمثلها الفرصة.
وكان «هيكل» قد كشف لبعض المقربين أن الدكتور محمد مرسي زاره في مزرعته «ببرقاش» مع الدكتور سعد الكتاتني، القيادي الإخواني، ورئيس مجلس الشعب المنحل، واستمر اللقاء الذي عقد قبل الانتخابات الرئاسية لنحو 3 ساعات.
هيكل وعدلي منصور
وعندما نُصّب عدلي منصور رئيسا مؤقتًا، التقاه «هيكل» في 7 يوليو 2013، وناقش معه الأوضاع الداخلية، التي تمر بها البلاد.
هيكل والسيسي
أعرب «هيكل» في أكثر من مناسبة عن إعجابه الشديد بالرئيس عبدالفتاح السيسي، ولم يتوان عن الخروج في مهام لصالح نظامه، بينها زيارة شهيرة إلى دولة الإمارات في نوفمبر 2013، وكان السيسي يعتد بآرائه ويقر تاريخه باعتباره صحفيًا استثنائيًا ودوليًا.
وكان «الأستاذ» يثمن جهود السيسي في «العبور بمصر إلى آفاق أفضل»، وقدم نصائح للرئيس السيسي في إحدى حلقاته الحوارية مع الإعلامية لميس الحديدي، وأبرزها حول: «الأوضاع في اليمن، والأزمة الليبية، وتقديم خريطة مستقبلة للبلاد».
وكشف «الأستاذ» في نفس الحوار عن مدة نوم الرئيس عبد الفتاح السيسي، قائلًا: «لا ينام سوى ساعتين في اليوم من كثرة القلق»، ووصفه بأنه «رجل متفائل بطبعه»، لكنه تخوف من عدم تقليل الفجوة بين هذا التفاؤل والحقائق المؤكدة، مبديًا دهشته من كم التحديات، التي تواجه الرئيس الذي تولى سدة الحكم، عقب الإطاحة بجماعة الإخوان المسلمين، قائلًا: «ربنا يكون في عونه».