عرض فى «بانوراما» مهرجان برلين 2016 الفيلم الفرنسى «الطريق إلى إستنبول»، إخراج رشيد بوشارب الجزائرى الأصل الذى ولد فى باريس عام 1953، ولكنه لم ينس أصله أبداً، وأصبح من كبار مخرجى العالم الذين ينتظر نقاد وصناع السينما أفلامهم الجديدة.
وقد رشحت ثلاثة من أفلام بوشارب الروائية الطويلة العشرة التى أخرجها فى ثلاثة عقود من 1985 إلى 2015 لجائزة أوسكار أحسن فيلم أجنبى، واشترك فى مسابقات مهرجان كان، ومهرجان برلين عدة مرات وفازت أفلامه بعدة جوائز، ولذلك كان من اللافت أن يعرض فيلمه العاشر فى قسم «بانوراما»، وليس فى مسابقة الأفلام الطويلة.
فى هذا الفيلم يعبر الفنان، الذى كتب السيناريو مع أوليفييه لوريللى وزوى جاليرون، والكاتب الروائى الجزائرى ياسمين خضرا (وهو اسم مستعار) عن قضية «شائكة» كما فى أغلب أفلامه، وهى قضية الشباب الأوروبيين الذين يغيرون ديانتهم من المسيحية إلى الإسلام، وينضمون إلى «الدولة الإسلامية فى العراق والشام» المعروفة باسم «داعش» الحروف الأولى من اسمها بالعربية، والتى تتعمد الإيغال فى الوحشية فتحرق من تعتبرهم أعداء الإسلام وهم أحياء، أو تغرقهم فى الماء، أو تقطع رؤوسهم بالسكاكين، وتنشر هذه الصور فى العالم.
يبدأ الفيلم بمشهد للفتاة البلجيكية إيلودى (بولين بورليت) التى تناهز العشرين من عمرها على «فيس بوك» تعرض شرائط عليها كتابات باللغة الفرنسية بخط يدها تقول فيها: لقد وجدت طريقى عندما اعتنقت الإسلام، لم أعد أدخن، ولا أمارس الجنس، ولا أشرب الخمر. وهى بداية قوية من الناحية الدرامية، وتدخل فى قلب الموضوع مباشرة.
تعيش الطالبة إيلودى مع أمها إليزابيث (أستريد وينتال)، والتى تعمل ممرضة حرة، فى بيت صغير مستقل يطل على بحيرة وبالقرب من غابة كبيرة. وتبدو حياة الأم والابنة مريحة تماماً وتتوفر فيها كل متطلبات الحياة الضرورية بل ودرجة من درجات الرفاهية.
بناء الفيلم (93 دقيقة) من مقدمة وفصلين وخاتمة على نحو كلاسيكى. فى الفصل الأول تختفى إيلودى، وتبلغ الأم الشرطة، ونعرف أن الفتاة سبق أن اختفت لمدة ثلاثة أيام وهى فى الرابعة عشرة، وأن والدها لم يرها منذ كانت فى السادسة، ويعيش فى «غينيا الفرنسية». وتخبر الشرطة الأم بأن ابنتها ذهبت للقتال مع «داعش» فى سوريا عبر تركيا. وفى الفصل الثانى تذهب الأم إلى إستنبول فى تركيا ثم إلى منطقة الحدود مع سوريا، وتحاول عبور الحدود إلى سوريا والوصول إلى محافظة «الرقة» التى تستولى عليها «داعش»، ولكنها تفشل فتعود إلى إستنبول.
وفى الخاتمة تقوم القنصلية البلجيكية فى إستنبول بإبلاغ الأم بأن ابنتها جريحة فى المستشفى، وهناك ترى أنها فقدت إحدى قدميها فى إحدى المعارك، وتطلب منها العودة إلى المنزل لاستكمال علاجها، وبدء حياة جديدة، ولكن إيلودى ترفض، وتقول لأمها إنها تفضل الحياة مع «الإخوة» و«الأخوات».
واللقطة الأخيرة للأم وهى تبكى وحدها فى زاوية من زوايا الدرج فى المستشفى تجعلها محشورة فى زاوية قائمة.
التفسير والتبرير
يؤكد الفيلم أن الفقر ليس سبب انضمام شباب من أوروبا إلى «داعش»، وإنما التفكك الأسرى وحرية المراهقين فى ممارسة الجنس وشرب الخمر وفعل كل ما يريدونه من دون قيود ولا حدود. ولكن من قال إن هذا التفكك الأسرى وذلك المفهوم للحرية فى المجتمعات الأوروبية فقط. وفى معالجة هذه القضية الشائكة هناك خيط رفيع بين التفسير والتبرير لم يتمكن بوشارب من السير عليه.
وعلى خيط رفيع أيضاً الفرق بين حقيقة أن «الدواعش» مسلمون لهم تفسيرهم الخاص للإسلام، والذى يتعارض مع جوهر هذا الدين، وبين اعتبار الإسلام هو «داعش» و«داعش هو الإسلام». أو بعبارة أخرى هل اعتنقت إيلودى الإسلام قبل أن تنضم إلى «داعش»، أم أن «داعش» كان طريقها إلى الإسلام. ثم إن العلاقة بين الأم والابنة وثيقة للغاية، ويعيشان وحدهما، فكيف تفاجأ الأم بأن ابنتها غيرت دينها، وكيف تفاجأ بانضمامها إلى «داعش»، وكيف تواجه الابنة حب أمها الجارف بهذه القسوة الشديدة.
«الطريق إلى إستنبول» يأتى فى وقته من حيث تناوله لقضية جماعات الإسلام السياسى التى تمارس العنف من «بوكو حرام» فى نيجيريا إلى الجماعات المشابهة فى إندونيسيا والفلبين. ولكن معالجة الفيلم تفتقد إلى الإقناع، سواء من الناحية الدرامية أم من الناحية الفكرية. إنه فيلم عن الأمومة أكثر منه عن الابنة التى قررت القتال مع «داعش».