x

قصص «مملة جدًا»: مشاهد «مكررة».. والسكوت علامة «الرفض»

الأحد 14-02-2016 22:51 | كتب: اخبار |
ملف التحرش ملف التحرش تصوير : اخبار

أنت أمام قصص مملة للغاية، أنت لست مطالباً بأن تقرأها على الإطلاق، قصص تتحدث عن الموضوع نفسه الذى قُتل بحثاً وتُرك كما هو حتى أصبح عادة متجذرة علينا كلنا أن نسلم بها.

مرات عدة أذهب إلى عملى وأنا مذهولة أتساءل: ما الذى استفاده بما فعله؟ لماذا لم يحرك الناس ساكناً وهم يرونه يفعل ذلك بى؟ وما ذنبى أنا لينقلب ما تبقى من يومى إلى كل هذا البؤس؟

أنا حقاً أبحث عن إجابة.

مشهد متكرر

صباح أحد الأيام، وبينما أنتظر حافلة تقلنى إلى عملى، فى ميدان رمسيس، فجأة اكتشفت أن أحدهم يقبض على خصرى بيده، انتفضت ونظرت خلفى لأجد ذلك الكائن يسحب يده بسرعة، وينظر لى ضاحكاً، أعقبه سيل من السباب، يعرف طريقه إلى لسانى فى مثل تلك المواقف، انطلقت فى وجهه، وتحركت وأنا أرتجف وفى نيتى أن أوسعه ضرباً بحقيبة يدى، قبل أن يمنعنى بعض الذين كانوا متواجدين بالقرب منى وتركوا المتحرش يرحل.

منذ شهرين كنت أسير فى العباسية، وجدت أحدهم يطوقنى من الخلف، بمجرد أن التفت كان قد فر، رأيته وهو يهرع هارباً، كان يحمل حقيبة مدرسية ويرتدى «يونيفورم»، ربما ما زال يدرس فى المرحلة الإعدادية!

الأكيد أنه كان طفلاً.. والمؤكد أننى بعد الواقعتين ظللت لأيام أعانى، هل كل ذنبى أننى أسير فى الشارع لأتعرض لكل هذا العنف، ثم أجد أنه ليس فقط التحرش فى الشارع الذى يؤذينى، هناك بعض التعاملات فى محيطى التى تنتهك مساحتى لمجرد كونى «بنت».

(1)

ذهبت إلى مسؤول الخدمات فى كنيسة ما بأحد أحياء القاهرة لأسأله إذا كانت هناك شقة متاحة للإيجار، خاصة أن معظم من لديهم شقق عادة ما يخبرونه ليجد لهم مشترين أو مستأجرين.

هو: عايزه الشقة لأسرة؟

أنا: لأ يا فندم ليا، أنا مغتربة مش من القاهرة وبدور على شقة إيجار.

هو: وانتى عايزة شقة مفروشة ليه يا آنسة؟ شكلك محترمة مش وش الحاجات دى!

(2)

تحدثنى صديقتى، وهى صحفية متميزة، عن الحسرة التى لازمتها لأسابيع بعدما حرمها والدها من حضور ورشة تدريبية فى الخارج، لأنه لم يرغب أن تسافر ابنته خارج مصر وحدها لأنها «بنت»، وبالطبع قدم لها عذراً واهياً بأنه خائف عليها.

شخص ما، مهما كانت درجة قرابته، يضع عقبة أخرى فى طريقها ويراها ليست مؤهلة لممارسة هذا الحق المكفول لها.

فى مسودة مشروع قانون لمكافحة العنف ضد المرأة تقدم به المجلس القومى للمرأة إلى البرلمان، تنص المادة الثانية منه أن كل من ارتكب عنفاً ضد المرأة بهدف الحرمان التعسفى من ممارستها الحقوق العامة أو الخاصة، يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر، وغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه، ولا تزيد على 20 ألف جنيه.

(3)

صالة التحرير تعج بالصحفيين، الصحفى كاتب المقالات، وصاحب عدد لا بأس به من «الفولورز» يجلس إلى مكتبه بينما يصحح خبراً لزميلته التى دوماً ترتدى ملابس أنيقة وتهتم بمظهرها وهى ذاهبة للعمل، وجد بعض الأخطاء اللغوية فى صياغة خبرها.

كتب بعدها على حسابه بموقع فيسبوك «هى مش قادرة تفهم إن ده مكان عمل مش سرير»، هذه نظرة كثير من الرجال للمرأة التى تهتم بمظهرها، وبهذا الشكل يفسر أغلب المتحرشين اعتداءهم على فتيات فى الشارع تحت دعاوى «لبسها مثير».

(4)

صديقة محجبة رفض زوجها مراراً وتكراراً رغبتها فى خلع الحجاب، لكنه ما من مرة اصطحبها إلى الشاطئ إلا وظل يحدق فى الفتيات اللاتى يرتدين «بكينى»، حاولت مراراً فهم ذلك التناقض قبل أن تقرر فى النهاية أن تنفصل عنه.

(5)

ترجم أستاذ عبدو فايد على حسابه بموقع فيسبوك تقريراً كتبه صحفى ألمانى يدعى مارك روليش، فى صحيفة بينتو الألمانية، عن العنف فى العالم العربى، وذلك فى أعقاب التحرش الجماعى فى مدينة كولونيا الألمانية، الذى أفادت التقارير الأولية أن مرتكبيه مهاجرون عرب.

الصحفى نقل فى التقرير قصة شاب مصرى، ساعد فتاة دنماركية مقيمة فى مصر فى نقل أثاث شقتها فدعته للعشاء لتشكره على مساعدته لها، فطلب إقامة علاقة معها، فرفضت وقالت له إنها مرتبطة، فقام بعدها بإرسال صوره وهو عارٍ لها فقطعت علاقتها به.

(6)

لم يجد الصحفى الألمانى نموذجاً فى الدول العربية للكتابة عن التحرش والعنف ضد المرأة أفضل من مصر!

الأكيد أننا أمام رجل يمارس عنف بأشكال مختلفة تجاه السيدات المتواجدات فى محيطه، رجل يرى الفتاة التى تهتم بمظهرها «قليلة الأدب» بينما يطالب زوجته بالاهتمام بمظهرها ويعيب عليها عدم اهتمامها بنفسها، وأنها ليست فى جمال الأجنبيات مثلاً.

هو نفس الرجل الذى إذا ارتبط بأجنبية اعتبرها مجرد «تسلية» و«علاقة عابرة»، لكن لا يمكن أن تصبح «أم العيال اللى تصون شرفه»، أمام رجل يريد زوجته محجبة بينما لا يكف عن التحرش بالفتيات «السافرات».

أمام رجل بكامل وعيه يلمس فتاة فى الشارع لم تفعل له أى شىء ويبتسم راضياً مطمئناً!

أمام معاناة يومية تتزايد وتتراكم دون أى حل يلوح فى الأفق، لأنه ليس فى أولويات الحكومة ولا المجتمع نفسه حماية المرأة، المرأة بالنسبة لهما عبء.

يقول كارل ماركس: «إذا أردت أن تعرف مدى تقدم مجتمع ما انظر إلى وضع المرأة».

عزة جرجس - صحفية مصرية

قد يعجبك أيضا‎

قد يعجبك أيضا

النشرة البريدية