اعتبر الكاتب البريطاني سيمون هيفر أن أمريكا منذ نحو عقد من الزمان تعيش تحت حكم رئيس «غير مؤهل ولكنه ذكي»، وعليه فليس مستغربا أن يلجأ الناخبون إلى الثورة.
ونوه الكاتب البريطاني- في مقال نشرته (الـتلغراف)- عن الغضب الذي ساد أمريكا بعد فترتين تحت جورج بوش الإبن، الذي يتحمل الآن مرشحو حزبه الجمهوري نتيجة ما فعله هو و«المجانين» من بطانته بـأمريكا على المسرح العالمي، حتى كانت الأزمة المالية العالمية بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير.
وقال هيفر إنه تابع بدايات أوباما في منصب الرئاسة، وإنه انتظر منه أن يتحدث بطريقة ذكية وعملية عن حال أمريكا وكيفية تصحيح مسارها، غير أنه (هيفر) انتظر عبثا.
وأضاف «كان الكليشيه الدائر وقتئذ والذي أصبح فيما بعد أكثر لصوقا هو كيف استخدم أوباما في حملته الانتخابية لغة الشِعْر، بينما استخدم بعد ذلك في حُكْمه لغة النثر، على أن بعض النثر يمكن أن يكون ساحرا، لكنه ليس نثر أوباما».
وتابع «أوباما ذكي، ويجيد توظيف الكلمات: غير أن كلماته لا تحمل في طياتها شيئًا ذا بال.. لقد استطاع أوباما لَفْت نظر الجماهير، بداية من حزبه متغلبا على هيلاري كلينتون في الفوز بترشيحه، وانتهاءً -على نطاق أوسع- بالتغلب على جون ماكين».
ومضى هيفر قائلا «كان أوباما قد وعد إبان انتخابه بالقضاء على ما تعانيه شرائح أمريكية كبرى من بؤس مادي»، لا سيما في مدن كـ«ميلواكي» بولاية «ويسكنسن» و«بالتيمور» بولاية ميريلاند و«نيوارك» و«ترينتو» على الساحل الشرقي، بينما تترنح مدينة «ديترويت» بولاية «ميتشغن» على حافة الانقراض- ولكن أوباما لم يستطع الوفاء بوعده وما كان ليستطيع.
ونوه هيفر عن أن «أمريكا تمتلك ثروة هائلة، ومع ذلك فهي تطوي حرمانا وبؤسًا هائلين أيضا، وذلك لانعدام وجود أشغال مجزية- وبينما يعاني كثيرون في مدن مثل لوس أنجلوس وواشنطن العاصمة تُخْمة الثراء، فإن آخرين بمناطق ملاصقة يعانون الفاقة وجرائمها».
حتى التوترات العرقية، التي كان من المفتروض أن يعالجها مجرد وجود رئيس أسود، باتت أكثر حدّة من ذي قبل، وليس أدل على ذلك من أحداث مدينة فيرجسون.. وقد فشل أوباما في التعاطي مع ملف الهجرة، كما رفضت أمريكا بشكل كبير مشروع «أوباماكير» الصحي.
ورأى هيفر أنه «إذا كانت منجزات المستر أوباما كرئيس على الصعيد الاقتصادي هي ضعيفة، فإن منجزاته (إخفاقاته) على أصعدة أخرى هي مدوّية، لقد تمكن هذا الرجل بشكل كبير من إزاحة أمريكا من على الساحة المحادثاتية الدولية».
وإذا كانت التدخلات الكارثية في العالم الإسلامي في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 قد أجبرت على ضرورة التروي قبل أي تدخل مشابه، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة تخلي أكبر قوة عالمية تماما عن مسؤولياتها.
وأتى صاحب المقال إلى الحديث عن المرشح الجمهوري دونالد ترامب، قائلا إنه «كان من المثير، بعد فوز دونالد ترامب في ولاية نيوهامبشاير الأسبوع الماضي، رؤية كيف أن العديدين ممن صوتوا لصالحه اشتكوا من شعور بأن أمريكا قد تراجعت على الساحة الدولية».
وأضاف هيفر «إن أمة كبرى مُجْبَرة الآن على محو ما وُصِمتْ به من عجز على الساحة العالمية، هي أمة ترى في شخصية دونالد ترامب الراعدة جاذبية لا تقاوم».
وعن المرشح الديمقراطي «بيرني ساندرز»، يقول هيفر «إن أمريكا بما تعانيه من مشاكل اجتماعية واقتصادية متجذرة، هي أمة مؤهلة للتطلع لبيرني ساندرز الذي يدعو إلى الاشتراكية الديمقراطية، ولم لا، وقد تم تجريب كافة المذاهب؟».
إن باراك أوباما لم يجلب الفقر، ولا هو من أوجد التشكك والبغض الذي تعانيه أمريكا دوليًا بعد جورج بوش الإبن، على أن أوباما وعد بعلاج المشكلة الأولى (الفقر) وفشل في ذلك، وتذرع بالمشكلة الثانية (التشكك والبغض دوليا) لكي يتقاعس عن عمل أي شيء باسثناء شيء واحد هو «الانسحاب».
وتوقع هيفر أن أوباما عندما يرحل عن منصبه، فإن أحدا لن يفتقده، لا سيما هؤلاء الذين كانوا ذات يوم حلفاءً له وشعروا بأنه خذلهم.. لقد زاد من إضعاف أمريكا.
وقال هيفر «منذ غادر بوش الأب منصب الرئاسة عام 1993، خضعت أمريكا لـ«مهووس بالجنس»، فـ«أحمق خطير»، ثم «عاجز ذكي».. هؤلاء الثلاثة حملوا جميعا بصمات آلاتهم الحزبية.
واختتم قائلا «بالنسبة للكثيرين في أمريكا، يعتبر باراك أوباما بمثابة (القشة الأخيرة) فهو صانع كل من دونالد ترامب وبيرني ساندرز.. وإذا ما أصبح أحدهما رئيسا لأمريكا- وليس هذا مستبعدا- ولم يكن محلّ ترحيب عالمي، فكلا الرجلين يعرف على مَن يُحمّل اللوم».