الصرخة التي أطلقها أمين عام الجامعة العربية السابق السيد عمرو موسى تُحرك الجبال.. وتُدمى القلوب. ومن المؤكد أن هذه الصرخة لم تأت من فراغ.. وليس فقط لأنه كان أميناً عاماً للعرب وللعروبة، رأى أن يتعامل معها من هذا المنطلق.. ولكن- أيضاً- لأنه واحد من الذين تعلموا اللغة العربية على أصولها، عندما كان في مصر هذا التعليم العظيم، الذي أنشأ مصر العظيمة.
ولاشك أن المصريين تلقوا تعليماً عظيماً.. ولذلك حافظوا على هذه اللغة العظيمة التي صنعت أمة «عربية» واحدة.. تتحدث لغة عربية واحدة.. يتحدث بها كل العرب من الخليج الثائر إلى المحيط الهادر، لغة لو تحدث بها واحد مهما تحرك بين الخليج والمحيط لفهمه الكل.. وهذه اللغة الواحدة هي التي «كنا» نتغنى بها، وتجمع بيننا.. بل إننى- وأنا من هذا الجيل الذي تعلم العربية على أصولها- كنت أحس بالأمان وأنا أسير في أي مدينة في الشرق والغرب، إذا سمعت واحداً يتحدث بالعربية.
أصل ثورة السيد عمرو موسى وجود كتاب من أمهات الكتب العربية «رسالة الغفران» تم طبعه باللهجة العامية المصرية- ولا يمكن أن نصفها بقولنا «اللغة العامية».. لأن هذه الجريمة لو استمرت فإنها تعنى أننا ندمر اللغة الفصحى وننسفها نسفاً.. وربط الأمين العام السابق للعرب وللعروبة بين هذه الجريمة وبين ما يتردد في لبنان بإعادة طباعة الكتب العربية الفصحى باللهجة اللبنانية.. لأن هذا لو تم لأصبحت العربية الفصحى في عداد اللغات الميتة.. لأن كل شعب يمكن أن يكتب هذه الكتب العظيمة بلهجته المحلية.. فنرى مثلاً من يطبع بلهجته المحلية في تونس، ولغة الكلام هناك خليط من العربية مع الفرنسية.. أو من يطبع باللغة الأمازيغية في الجزائر والمغرب، رغم الاعتراف بها لغة ثانية رسمية هناك.. وربما يؤدى الأمر إلى إعادة طبع كتاب العرب الأول والأكبر، وهو القرآن الكريم بعدة لغات.. أو قولوا لهجات.. وبذلك نقضى على الأثر الأعظم الذي حفظ لنا اللغة الفصحى منذ مئات السنين.
وبذلك- بدلاً من أن تصبح العربية لغة عالمية- تتحول إلى لهجة محلية.. كما نجد من لهجات كثيرة بين شعوب ضعيفة.
هنا نتأكد من عمق المؤامرة التي تستهدف كل العرب.. بل تضرب كل المسلمين الذين يربطهم كتاب العرب الأكبر: القرآن الكريم.. فهل هذه هي إحدى مراحل المؤامرة على الإسلام نفسه.. أي تعيدنا إلى عصر الحروب الصليبية التي لا تستهدف فقط بلادهم.. بل- وهذا هو الأساس- تستهدف قوميتهم، وما اللغة إلا إحدى مقومات القوميات الكبرى.
وهكذا نجد من يطبع أمهات الكتب بلهجته أو لغته: الكردية، أو النوبية، أو الأمازيغية، وبالمناسبة نجد أن معظم سكان واحة سيوة المصرية يتحدثون الأمازيغية التي جاءت مع بعضهم من دول شمال أفريقيا، وبعد أن كنا نتحدث بكل الفخر عن سياسة التعريب في الجزائر مثلاً ونجحوا في ذلك بالفعل.. قد يعود أبناء الجزائر وبعض مناطق تونس إلى استخدام اللغة الفرنسية، ليس فقط في كلامهم العادى.. بل في طبع ما يريدون من أمهات كتب العرب.. بالفرنسية المحلية.. وبذلك تكتمل المؤامرة الغربية، ليس فقط على اللغة العربية الفصحى، ولكن على القومية العربية ذاتها.
ولمن لا يعلم فإن دول شمال أفريقيا مثلاً- من تونس شرقاً إلى الجزائر ثم المغرب إلى موريتانيا في أقصى المغرب العربى- هي أكبر سوق لتسويق الكتب العربية التي تُطبع في مصر بالذات، أو في لبنان، بل أعلم أن حوالى نصف ما يطبع في مصر من كتبى التي طبعتها بالفصحى، يتم توزيعها هناك.. وإذا حدث وطغت اللهجة المصرية العامية فإن دور النشر المصرية سوف تغلق أبوابها.. ونفس الشىء مع أي كتب يعاد نشرها في لبنان باللهجة اللبنانية.. وهذا أحد المخططات التي تتعرض لها كل المنطقة العربية، وليس فقط الأرض العربية، أو الثروات العربية.. ولكن الأهم هو ضرب الهوية العربية، من خلال تمزيق الثقافة العربية.. وأيضاً ضرب الإسلام الذي يعتبر القرآن الكريم هو كتاب العرب الأول.
■ الهدف واضح: تدمير الهوية العربية.. وآخر معاقلها هو الكتاب بالعربية الفصحى.. والإسلام نفسه.. هل وعيتم الدرس؟.. هل تعمقتم بسر صرخة وصدمة عمرو موسى، الأمين الأول للعرب حتى ولو كان.. سابقاً؟